• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حاضِر..أَنا حاضِر؛ البرُوفسُور السِّكافي نُمُوذَجاً .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

حاضِر..أَنا حاضِر؛ البرُوفسُور السِّكافي نُمُوذَجاً

  أَروع أَخلاقيَّات الرِّجال حبُّ الخيرِ للجميع، والسَّعي والإِستعدادِ الدَّائم لنقلِ الخِبرة الشخصيَّة إِلى الجيلِ الجديد!.
   ولقد كانت هاتان الخِصلتان من أَبرز ما تميَّز بهما الفقيد الرَّاحل الحاج البروفسور الدُّكتور مجيد حميد السِّكافي [مواليد النَّجف الأَشرف عام ١٩٣١] الذي رحل عنَّا يوم الجُمعة الماضية [١٨ كانون الثاني ٢٠١٩] في مدينة ريجموند بولاية فرجينيا والذي فقدت جاليتنا الكريمة برحيلهِ وخصوصاً أَبناءنا الطَّلبة الجامعيِّين ومنهم المبتَعثين من مُختلف دُول الشَّرق الأَوسط، فقدُوا فيه الأَب الحنون والأَخ المُعاضد والصَّديق الصَّدوق والأُستاذ القدير والمربِّي الخلوق والمعلِّم المُتواضع، الذي لم يألُ جُهداً ولَم يوفِّر نصيحةً إِلَّا أَسداها.
   لقد أَحبَّ النَّاسَ كلَّ النَّاسِ فأَحبَّهُ النَّاسُ كلَّ النَّاسِ، وهي صفة المُتواضعين الذين لا يجدُون أَنفسهُم فوق الآخرين لمالهِم مثلاً أَو علمهِم، فكانَ يُجالسُ مُتحدِّثاً بتواضُعٍمع مَن يعرفهُ ومَن لا يعرفهُ، ومعَ الصَّغيرِ والكبير .
   لم أَسمعهُ يوماً، وعلى مدة ٢٠ عاماً هي الفترة الزمنيَّة التي عاصرتهُ فيها عن قربٍ، لم أَسمعهُ أَبَداً أَنَّهُ ردَّ أَحداً طلب مِنْهُ مساعدةً أَو إِعانةً على أَمرٍ ما! فكانَ حاضراً دائماً لتقديمِ الخِدمة لمَن يطلبها مِنْهُ فكلمة [حاضر..أَنا حاضر] على لسانهِ يُلقيها على مسامعِ مَن ينتخيهِ لأَمرٍ ما ومن أَيِّ نَوعٍ كان!.
   وهي كذلك من مميِّزات المُتواضعين.
   لقد وضعَ اعتبارهُ ومكانتهُ الإِجتماعيَّة وخبرتهِ العلميَّة وتجربتهِ الطَّويلة في الحياةِ وخاصَّةً على صعيدِ الحياة الجامعيَّة في البحثِ والتَّدريس [والتي دامت أَكثر من ستَّة عقودٍ] وضعها كلَّها في خدمةِ النَّاس حتَّى كانَ المصداقُ النَّاصع والبارز لقولِ رَسُولِ الله (ص) {خَيرُ النَّاسِ مَن نَفعَ النَّاسَ}.
   كانَ فقيدنا نفَّاعاً في المُجتمعِ، كما كانَ حريصاً جدَّاً على نقلِ خبراتهِ وتجاربهِ وعلومهِ إِلى الجيلِ الجديد فكان ينتهزُ كلَّ فرصةٍ ليُلقي بها على مسامعِ النَّشء الجديد كلَّما التقى بأَحدٍ منهم أَو أَلقى محاضرةً، فلم يكن من الذين يحتكرُون الأَشياء لأَنفسهِم أَبداً، فعِلمهُ كانَ مُشاعاً لمن أَحبَّ أَن يتعلَّم وكذلك تجاربهُ وخبراتهُ ومعلوماتهُ الغزيرة التي اكتسبها بالقِراءةِ والمُطالعة، إِذ ظلَّ الكتابُ والمكتبةُ أَلصقُ أَصدقائهِ بهِ فلم يفارقهُما حتى قَبْلَ وفاتهِ بأَسابيعَ قليلةٍ عندما تمكَّنَ مِنْهُ المرض.
   لم يستصغر النَّشء الجديد قطُّ عندما يتحدَّث إِليهم ناصحاً أَو معلِّماً وشعارهُ؛ صغارُ الْيَوْم رجالُ الغد.
   ولشدَّ ما أَثار انتباهي في شخصيَّة الفقيد أَنَّهُ آمن بالإِمام أَمير المُؤمنين علي بن أَبي طالب (ع) ليس لكونهِ إِماماً معصوماً مُفترض الطَّاعة فقط وإِنَّما بعقلهِ وعلمهِ كونهُ أُستاذا أَكاديميّاً مُتخصِّصاً في الإِجتماع والتَّاريخ والنُّظم السياسيَّة!.
   ولقد قدَّم لنا في الثَّالث عشر من رجب المُرجَّب المُنصرم في إِحتفاليَّة مَولد الإِمامِ (ع) مُحاضرةً قيِّمةً أَثبت فيها علميّاً وأَكاديميّاً حقيقة أَنَّ الإِمام (ع) هو المؤَسِّس لمبادئ حقوق الإِنسان وقِيَم الديمقراطيَّة من خلالِ المُقارنات العلميَّة والمُقاربات التاريخيَّة التي اعتمدها من مصدرَين أَساسيَّين هما نهجُ البلاغةِ ونصوصٌ لمفكِّرين أُوربيِّين مُتنوِّرين! مُستعيناً برسومٍ ومُخطَّطاتٍ توضيحيَّةٍ.
   رحمكَ اللهُ أَيُّها الرَّاحلُ عنَّا فلقد تركت فراغاً سيظلُّ يُلازمنا مدَّةً طويلةً، فليسَ من السَّهلِ أَن نعوِّضهُ، فلقد كُنتَ خَزَّاناً من العلمِ والمعرفةِ والخِبرةِ والتَّجربةِ والتَّواضُعِ...وحبِّ الخيرِ للنَّاسِ.
وصدقَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الذي قال {يا كُمَيْل بْن زِياد، هَلَكَ خُزَّانُ الاَْمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ: أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ}.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129529
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29