• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تحدي العشر سنوات .

تحدي العشر سنوات

قبضت على نفسي متلبسا، فقد حضرت صورتين، الأولى قبل حوالي عشر سنوات، والثانية صورة حديثة، وحاولت جهدي أن تبدو الجلسة متقاربة في الصورتين. ولا أكتمكم سرا إذا قلت إنني بحثت في صوري كي أختار صورتين يبدو فيهما الفرق والتغير ضئيلا. وفي آخر لحظة، وقبل أن أضع الصورتين على صفحتي في الفيسبوك توقفت وسألت نفسي، لماذا أفعل ذلك؟ الحقيقة لم أحر جوابا، لم أعرف لماذا أقوم بهذا الأمر، وربما أجاب على هذا السؤال عديدون، بتعبيرهم، (أنا أيضا أشارك في التحدي)، أو (حشر مع الناس)، أو (بقيت عليه). بل إن البعض ازداد كرما فقام بالمشاركة بما سماه تحدي الأربعين سنة، ناشرا صوره عبر عشريات أربع أو أكثر، لكن يبقى السؤال، لماذا؟
لا أريد ولا أحب أن أدخل في دروب ومزالق نظريات المؤامرة، لكن دعوني أنقل لكم ما علقت به خبيرة الأمن المعلوماتي كيت أونيل على الموضوع في صفحتها على تويتر إذ قالت:» إن تحدي العشر سنوات قد يكون خطوة ‏سيئة وخبيثة من فيسبوك». ‏لأنها تعتقد أن: «الهدف من هذه الخطوة هو جمع أكبر عدد من المعلومات والصور عن تطور أشكال سكان العالم خلال 10 أعوام، وقد تكون الغاية من هذه البيانات التي ستجمع هي، تكوين قاعدة بيانات ستستخدم في تقنية معروفة باسم «التعريف بالوجه» التي قد تستخدم لجمع ‏معلومات عن المستخدمين، ثم تحقيق فائدة مادية منها بالشراكة مع شركات الإعلانات أو مع جهات ‏حكومية لتعقب الاشخاص»‎.‎
ربما سيكون رد فعل البعض، وماذا في ذلك؟ إن هذا الكلام محض تكهنات، وإن فيسبوك من أفضل منصات التواصل الاجتماعي. أقول: نعم، فيسبوك من أفضل منصات التواصل الاجتماعي، وأن مشتركي فيسبوك في العالم قد تجاوزوا 2.2 مليار مشترك، أي ربع سكان الأرض لديهم حسابات في هذه المنصة، ولكم أن تتخيلوا حجم الأعمال التي تنفذ في هذا المحيط المتلاطم من المعلومات. وهنا لابد أن نتساءل هل أن بياناتنا التي نتشاركها في منصات التواصل الاجتماعي المختلفة مثل فيسبوك، تويتر، غوغل بلس، لينكدن، انستغرام، وغيرها ‏آمنة؟ وهل يتم إشعارنا فيما إذا تم استخدام هذه البيانات؟
ولأنني أتكلم هنا بشكل محدد عن تحدي العشر سنوات في فيسبوك، أحب أن أذكركم بما حصل قبل أقل من عام، وأقصد ما عرف حينها بـ»فضيحة تسريب معلومات فيسبوك إلى شركة كامبريدج أنالتيكا‏» التي أعلنت عنها وسائل إعلام رصينة مثل صحيفتي «الأوبزرفر» و»نيويورك تايمز»، ‏ففي منتصف مارس/آذار 2018 تم الإعلان عن فضيحة مدوية مفادها، تسريب البيانات الخاصة لأكثر من 87 مليون مستخدم لموقع فيسبوك لشركة استشارات سياسية ‏تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها وتحمل اسم «كامبريدج أنالتيكا»، لاستخدامها في التأثير على توجهات الناخبين في حملة دونالد ‏ترامب الانتخابية خلال عام 2016‏.
قد يكون ما حدث خطأ من شركة فيسبوك، أو هفوة تم استغلال بعض الثغرات القانونية لإحداثها، أو مؤامرة اشتركت فيها عدة أطراف، لكن لا فرق في الأمر فقد حدث التسريب فعلا، وبحسب مارك زوركبيرغ، الذي كتب على صفحته تحليلا مطولاً لما حدث، وتتبع الأحداث التي أدت لتفاقم المشكلة حتى وصلت لهذه النقطة، وشرح كيف ‏حصلت شركة تحليل البيانات على هذه المعلومات، وقدّم اعتذارا رسميا أمام الكونغرس الأمريكي عما حدث، وتعهد بعدم تكرار ما حصل. المعنى من كل هذا أن الاختراق أمر قائم ومحتمل التكرر مرة اخرى. لكن هل تعرفون كم تجني شركة مثل فيسبوك من الارباح وكيف تجنيها، علما أنها تقدم خدماتها لك مجانا؟ بحسب التقرير المالي الذي أعلنته الشركة، كانت أرباحها للربع الأول من 2018 قد ارتفعت مقارنة بعام 2017 لتصل إلى 5 مليارات دولار، كما ارتفع إجمالي إيراداتها ليصل إلى حوالي 12 مليار دولار. أما كيف تحقق هذا الرقم العملاق؟ فالجواب ببساطة عن طريق الإعلان الذي يحقق 85% من ارباح الشركة، إنه عالم الإعلان الذكي الذي بات يحقق كل هذه المليارات من الارباح، وأنت ايها المشترك في العالم الازرق رأس المال الحقيقي لهذه الارباح.
ويشرح لنا خبراء الرقميات الأمر بشكل اوضح، فعندما تضغط زر الإعجاب أو التفاعل على أي صفحة، أو تحديث حالة، أو صورة أو مقطع فيديو أو مقطع صوتي، أو عندما تدخل إلى صفحات تقرأ محتواها وتغادر بدون أن تتفاعل معها، وأي حركة تقوم بها في ‏الموقع أو بواسطته، كل ذلك يستخدم من أجل إعطاء معلومات عنك تفيد في توجيه الإعلان إليك كزبون ‏مستهدف (‎ Targeted Customer ) ‎أو بعدم توجيهه إليك لأنك لنست الزبون الذي يجب استهدافه‎.‎ كما يتم جمع كل المعلومات لجميع المستخدمين وفي مختلف الوسائط التي يدخلون بها إلى الموقع، ‏سواء عبر الكمبيوتر الشخصي أو الهواتف الذكية أو الحاسب اللوحي، ليتم تشكيل ما يعرف بالمخطط الاجتماعي (‎Social Graph ‎‏) لكل مستخدم‎.‎
مع جمع معلومات عن 2.2 مليار مشترك في فيسبوك وتحليل المخططات الاجتماعية لهم، عبر برامج تعمل عليها حواسيب عملاقة لتخرج بنتائج ترسم خرائط توجهات الرأي العام، التي يتم الاستفادة منها في الحملات الإعلانية، أو أن يتم بيع هذه المعلومات لجهات وغالباً هي وكالات الإعلان للاستفادة منها في ‏الحملات التي تنوي إطلاقها للشركات‎.‎ إذن نحن نعيش تجليات العالم الافتراضي الذي يسير بسرعة فائقة مقتربا بنا من عوالم الخيال العلمي، لكن هل هذا يعني بالضرورة التسليم والشعور بأننا إزاء قوى خارقة لا نملك ما يمكننا فعله إزاءها؟

مع ‏تكنولوجيا اليوم، نحن بحاجة للأمن على الخصوصيات وأنفسنا ليس فقط في ‏جانب التواصل الاجتماعي لكن في كل جوانب حياتنا

ويجيبنا على تساؤلنا خبراء شركة «كاسبرسكي لاب» الروسية ‏للأمن المعلوماتي، إذ يذكرون نتائج اختبارات أجرتها الشركة على مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، ومحاولة التعريف بكيفية حمايتهم من أخطارها، فيذكرون مثلا أن حوالي 30% من مستخدمي شبكات التواصل ‏الاجتماعي يتبادلون بيانات تسجيل الدخول إلى حساباتهم ومعلومات شخصية أخرى مع ‏كل شخص متصل بالإنترنت، وليس فقط أصدقاءهم‎.‎ وأن حوالي 78% من مستخدمي الإنترنت لديهم حسابات على قنوات وسائل التواصل ‏الاجتماعي، كما أظهرت الدراسة وجود نقص واضح في الوعي بين مستخدمي وسائل التواصل ‏الاجتماعي‎، إذ أنهم يعرضون أنفسهم للخطر عند إضافة أصدقاء غير معرفين بالنسبة لهم، وما يدعو للاستغراب أن 12% من ‏المستطلعين أقروا بأنهم يضيفون أي شخص إلى قائمة أصدقائهم بغض النظر عن كونهم يعرفونهم أو ‏لا‎، كما أظهر ربع المستطلعين (26%) عدم ترددهم بالضغط على روابط مرسلة من قبل أي صديق لهم من ‏دون السؤال عن هويته، أو الأخذ في الاعتبار إمكانية اختراق حساب المرسل.
والنتيجة التي توصي بها شركة ‏»كاسبرسكي لاب» ‏لاستخدام أمن لمنصات التواصل الاجتماعي وببساطة هي الحذر وعدم الانسياق وراء مقولات مثل (حشر مع الناس) أو (بقت عليه)، كما أن الثقة المفرطة باتت من التهديدات الحقيقية، إذ أن العديد من المستخدمين يعتقدون أنه طالما لديهم برامج الحماية من الفيروسات فإنهم آمنون، وليس هناك أي خطر يتهددهم، كما أن الكثيرين يعتقدون أنهم لا يمتلكون ما يستحق القرصنة، لذلك ليس هناك حاجة للقلق بشأن أمن خصوصياتهم، لكن مع ‏تكنولوجيا اليوم، نحن أكثر حاجة للأمن على الخصوصيات وعلى انفسنا وممتلكاتنا ليس فقط في ‏جانب التواصل الاجتماعي لكن في كل جوانب حياتنا‎. والحل ببساطة هو التمهل لثواني والتفكير في غاية ما تفعله، سواء بالتفاعل مع المواقع الالكترونية أو بالتعاطي مع المعلومات المقدمة لك عبر منصات التواصل الاجتماعي، لان ما هو افتراضي في هذه العوالم له مردودات كبيرة ومؤثرة وبعمق في عالمنا الحقيقي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129544
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28