• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عقد فاطمة.  .
                          • الكاتب : منير حجازي .

عقد فاطمة. 

 في دنيا المال والأعمال تمر امور امام اعيننا فلا تثير اهتمامنا بل لربما هذه الأمور تثير فينا العجب والدهشة . فعندما نرى وسائل الاعلام تتناقل خبر بيع قبعة البرنس المطرب المشهور بمبلغ مليون دولار ، أو تبيع غليون الرئيس البريطاني ونستون تشرشل بمبلغ ثلاث مليون دولار. او تبيع رسالة كتبها هتلر لعشيقته بروان بمبلغ ستمائة ألف دولار وهي مجرد قصاصة ورق صغيرة بقدر كف اليد . نتعجب ولربما نعتبر الناس مجانين .

كلا . ليسوا مجانين ولكن هناك ناس يفهمون هذه الأشياء بغير ما نفهمها نحن فالشخص عندما يشتري غليون تشرشل بثلاث ملايين دولار فهو لايشتري قطعة من الخشب المنحوت للتدخين وإنما يشتري معها فترة تاريخية مهمة ويشتري معها ذكرى إنسان ترك بصماته على العالم بحيث اصبح تاريخا تقرأه الشعوب ولربما اسوة يقتدي به الكثير من سياسيي البلاد ويستمدون منه ومن صبره العزيمة والقوة في ادارة شؤون البلاد فهم لا يتذكرون الغليون بل يتذكرون صاحب الغليون ومآثره وانجازاته وعظمة شخصيته .

وهكذا نسمع أن ملك السعودية اشترى شعرات للرسول (ص) بمبلغ مائة ألف درهم في ذلك الوقت . وأن الخليفة العثماني اشترى بردة رسول الله وسيفه وخاتمه وأشياء اخرى بمبالغ جليلة من المال . وهذه الأمور ليست بدعا إنما لها تاريخ وجذور يعرفها الناس ويعرفون مقدار قيمة صاحب الشيء الذي يشترونه. ولكن كل هذه الأشياء لها قيمة مادية دنيوية فقط . وليس لها تأثيرات أخروية تنعكس على عالم الآخرة فتترك اثرها فيه أيضا إلا ما تركه النخبة من البشر الذين اختارهم الله تعالى وارتبط اسمهم باسمه فإن كل ما يتركونه من آثار له تأثيرات مزدوجة دنيوية واخروية .

ومن ذلك (عقد فاطمة) حيث تروي لنا كتب التاريخ القصة المشوقة التالية التي تعكس عظمة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وعظيم البركة التي تتحلى بها آثارها.
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري انه قال : اقبل شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلل وأخلق ولا يكاد يتمالك كبراً وضعفاً فلما وقف على باب فاطمة (ع) نادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، ومختلف الملائكة ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين، فقالت فاطمة (ع) (عليك السلام، فمن أنت يا هذا؟ قال شيخ من العرب وأنا يا بنت محمد (ص) عاري الجسد، جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله.

وكان لفاطمة وعلي (عليهما السلام) ورسول الله (ص) ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً فعمدت فاطمة (ع) إلى جلد كبش مدبوغ كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالت: (خذ أيها الطارق، فعسى الله أن يختار لك ما هو خير فيه) قال الإعرابي : يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش ما أصنع به مع ما أجد من السغب؟.

قال: فعمدت لما سمعت هذا من قوله إلى عقد (قلادة) كان في عنقها فنزعتها من عنقها ونبذته إلى الإعرابي وقالت : (خذ وبعه، فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه).

فأخذ الإعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله (ص) والنبي جالس في أصحابه فقال : يا رسول الله، أعطتني فاطمة هذا العقد، فقالت : (بعه) قال : فبكى رسول الله (ص) وقال : (كيف لا يعوضك به ما هو خير منه؟! وقد أعطتك فاطمة (ع) بنت محمد سيدة بنات آدم).

فقام عمار بن ياسر (رض) فقال : يا رسول الله : أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ قال (أشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم الله بالنار) فقال عمار : بكم العقد يا إعرابي ؟ قال : بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي بها لربي ودينار يبلغني أهلي....

وكان عمار قد باع سهمه الذي وهبه له رسول الله (ص) من خيبر ، فقال : لك عشرون ديناراً ومائتا درهم وبردة يمانية وراحلتي تبلغك أهلك وشبعك من خبز البرّ واللحم.

فقال الإعرابي : ما أسخاك بالمال يا رجل! وانطلق به عمار فوفاه فأضمن له، وعاد الإعرابي إلى رسول الله (ص) فقال له رسول الله (ص) : (اشبعت واكتسيت؟) قال الإعرابي : نعم واستغنيت بأبي أنت وأمي قال: (فأجز فاطمة بصنيعها) فقال الأعرابي : اللهم إنك إله ما استحد ثناك ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم أعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. 
فأمن النبي (ص) على دعاه وأقبل على أصحابه، فقال : (إن الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها ولأحد من العالمين مثلي، وعليّ بعلها ولولا علي، لما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا شباب أهل الجنة).

فعمد عمار إلى العقد فطيبه بالمسك، ولفّه في بردة يمانية، وكان له عبد اسمه (سهم) ابتاعه من خيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له خذ هذا العقد وأدفعه إلى رسول الله (ص) وأنت له فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله (ص) فأخبره بقول عمار، فقال النبي (ص) : (إنطلق إلى فاطمة فأدفع إليها لعقد وأنت لها) ، فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (ص) فأخذت فاطمة (ع) العقد وأعتقت المملوك فضحك الغلام، فقالت : (فما يضحك يا غلام؟) قال : أضحكني عظم بركة هذا العقد أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً واعتق عبداً ورجع إلى صاحبته[1]

ملاحظة : في هذه الرواية قال الرسول ص وهو الصادق المصدق: ((أشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم الله بالنار)) فمن عظيم بركة صاحبة العقد أن الله لا يعذب من ا شتراه من البشر ولو عظم عددهم . وهذا ما لانراه في آثار العظماء والزعماء والشخصيات الأخرى حيث تكون فقط القيمة مادية في الدنيا واما في الآخرة فلا قيمة لها. ولرب قائل يقول : ايكون لهذا العقد كل هذا التأثير وهو مصنوع من خرز وخيط ؟ فنقول له: لقد ذكر القرآن بأن قميص يوسف المصنوع من الكتان اعاد بصر ابيه الأعمى بمجرد أن القاه على عينيه. 
المصدر: 
1- كتاب بشارة المصطفى ص 219 ، وكتاب البحار ج43 ص 57.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129872
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19