• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءة في كربلاء الحسين عليه السلام .
                          • الكاتب : الشيخ علي العبادي .

قراءة في كربلاء الحسين عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
من عمق ذلك الزمن ، ومن أحداث عاشوراء تفوح رائحة الجريمة والإرهاب التي مارستها السلطة الأموية المتمثلة بالحاكم الأموي يزيد بن معاوية بن أبي سفيان  الذي نصبه أبوه على رقاب المسلمين قبل هلاكه ومعه زمرة ضالة من صنفه ليعيثوا في الأرض فسادا" فيقتلوا أبناءهم ويستحيوا نساءهم. وبعد ما أخذ البيعة من عامة الناس بالقوة والقهر والوعد والوعيد زج بمن يخاف على سلطانه منهم بالسجون المظلمة.
    ولما استتب له الأمر توجه إلى ارتكاب أكبر جريمة عرفتها الإنسانية جمعاء وهي الإقدام على قتل سبط النبي المرسل خليفة الله في أرضه وحجته على عباده  الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة وابن بضعة النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم الذي اصطفاه رب العزة الجلالة وبعثه للناس أجمعين{ َيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } المائدة16. مع ثلة من الفتية الذين لم ولن يعرف لهم التاريخ مثيلا" أبدا من البيت الهاشمي وصحابتهم الأبرار الذين تشرفوا بتلك الواقعة التي غيرت مجرى التاريخ ليقضوا على أيدي أكثر أهل الأرض إجراما" ووحشية" سلالة الأشقياء وعبدة اللات والعزى أبناء آكلة أكباد الشهداء السعداء، ومحاربي الله والملائكة والأنبياء.
     ثم اكتملت تلك الجريمة البشعة بجريمة لا تقل عنها دناءة" وهي سبي نساء أهل بيت النبوة الطاهرات بعد تقييدهن بالحبال وتسييرهن من بلد إلى بلد حتى مثولهن أمام الطاغية يزيد عليه لعائن الله والملائكة أجمعين في مقر خلافة الفاسقين في الشام.
وكل ما صاحب هذه الرحلة المريرة والحادثة الخطيرة التي لم تكن لها سابقة في التاريخ الإنساني كان بمثابة خزي وعار على أصحابها. فهي تمثل منتهى الاستهتار بالقيم الإنسانية والمروءة العربية . فاحتل يزيد وعصابته الأموية المرتبة الأولى وبكل المقاييس ألقابا" يندى لها جبين الإنسانية. ولا يقبلها أسوأ خلق الله. بل حتى الوحوش البرية الضارية تأبى أفعالهم الإجرامية البشعة.
    هذه الصورة الإجرامية المشينة تقابلها هناك صورة أخرى. صورة لا تتكرر أبدا" مهما حيينا. ألا وهي صورة البطولة والتضحية والشجاعة والفداء والإقدام في معسكر أهل الحق المتمثلة ببطل مسلم تتغنى ببطولته واباه الإنسانية على اختلاف مشاربها ألا وهو سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة حامل لواء الحرية والكرامة والإنسانية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب  عليهم السلام  ومعه مجموعة من الرجال الأبطال أمثال البطل الضرغام حامل اللواء العباس بن علي بن أبي طالب و علي بن الحسين عليهم السلام وغيرهم من أبناء عمومته الذين نهلوا من ذلك النبع الصافي والإسلام المحمدي الأصيل الذي لم تكدره عفونة بني أمية ولم تغرهم الدنيا الدنيئة التي أغرت القوم فباعوا  بها أولاهم وأخراهم.
    فدارت معركة بين هذين المعسكرين؛ معسكر الخير ومعسكر الشر. معسكر جنود الرحمن ومعسكر جنود الشيطان. معسكر الحق ومعسكر الباطل. أنتجت مجموعة كبيرة من الحقائق ظلت إلى يومنا هذا وستبقى إلى ما شاء الله من الزمن دروسا" في الكرامة والتضحية والشجاعة والنبل . وبرنامجا" للحياة ينهل منه قادة العالم المتمدن التواق للحرية والعيش بحياة حرة كريمة .
   ظلت هذه الواقعة إلى يومنا هذا عالقة في نفوس البشرية أجمع. وستبقى خالدة إلى ما شاء الله تعالى. تتجدد مثلما تتجدد الحياة. وتحيى في كل عصر ومصر من خلال إحياء المبادئ التي قام من أجلها الإمام الحسين عليه السلام .يعيشها المؤمنون بها حقا" باعتبارها ثورة ضد التعسف والاستبداد. وصرخة بوجه الظالمين أينما ما ثقفوا.
    وهنا لابد من التأكيد على أمر هام وهو أن المتصدي لإحياء هذه الواقعة لابد له أن يكون :
 أولا": ملما" بالأسباب  التي دعت الإمام   عليه السلام للقيام من أجلها وذلك من خلال الاطلاع على برنامجه والذي بينه من خلال خطاباته المباركة التي بين فيها تلك  الأسباب حيث فال عليه السلام :
( ما خرجت أشرا"ولا بطرا" ولا ظالما" ولا مفسدا، إنما خرجت لغرض الإصلاح في أمة جدي رسول الله آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) .
وفي ذلك أمران هامان ، الأول : عدم التوسل بالوسائل اللاشرعية واللاأخلاقية في الوصول لأهدافه. فهو يرفض الظلم والإفساد كوسائل لنيل الأهداف والغايات. والثاني :هو الإصلاح لهذه الأمة وليس أمرا" آخر يبتغيه الإمام عليه السلام كما يتوهم الكثير من الكتاب الذين لم يعوا ماهية الثورة الحسينية، والأهداف الحقيقية التي أرادها المولى تبارك وتعالى أن تكون على يد وليه وخليفته في أرضه الإمام الحسين عليه السلام.وخاصة" بعض المستشرقين الذين يجردون هذا الحدث الهام من بعده المعنوي والغيبي. ولذلك يأخذون عليه عليه السلام في كتاباتهم عدم دقته و عدم الإعداد المناسب لخوض تلك المعركة. متوهمين بأن الإمام الحسين عليه السلام كانت عنده أهداف ميدانية عسكرية يريد تحقيقها بالقضاء على الجيش الأموي الجرار الذي أوله بكربلاء وآخره بالشام؟؟؟. ولم يعلموا بأن هدفه الوحيد وهو هدف كل الأنبياء والأوصياء على مر التاريخ  إصلاح الأمة من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضح حكام بني أمية  المترفين الذين لم يتركوا فاحشة" إلا وارتكبوها من شرب الخمور إلى الزنى بالمحارم إلى قتل الرعيل الأول المخلص من صحابة رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم وصحابة أمير المؤمنين عليه السلام. ولا أدري كيف علموا كل هذه الأمور وغابت عن الإمام الحسين عليه السلام وهو ابن الرسالة المحمدية  السمحاء التي حولت مجموعة من الأعراب الجهلة المتناحرين بالأمس في الجاهلية إلى أمة عريقة كبيرة مترامية الأطراف.
ثنيا": أن يكون ملما" بالنتائج التي علمها الإمام الحسين عليه السلام مسبقا" وهي التي تضمنها البيان الذي أصدره من خلال الوثيقة الرسمية التي قال فيها مخاطبا" بني هاشم بشكل عام وأخاه محمد بن الحنفية بشكل خاص ،إذ جاء فيها:
           (...أما بعد فمن تبعنا فقد استشهد ومن تخلف عنا لم يدرك الفتح ).
 وهنا يؤكد عليه السلام حال المجاهدين القائمين بين يديه، والمصير الحتمي الذي ينتظرهم وهو القضاء في سبيل الله سبحانه وتعالى. فالذي يوطن نفسه للقتال معه عليه السلام فأنه آيل إلى لقاء الله جل وعلا. ومن لم يتشرف بهذا النزال المصيري فأنه لم يدرك الفتح.مبينا" عليه السلام أن النتيجة الحتمية له ولأصحابه هو الفتح المبين للدين والقيم التي ستظهر على يديه. وهي بالتأكيد غير القيم والمبادئ التي يرونها عند حاكم المسلمين يزيد وأتباعه الذي غيروا حقيقة الإسلام وأظهروه بصورة لايتشرف أي إنسان بالانتساب إليه.لذلك صح القول بان
                       الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء
ثالثا": أن يظهر المتصدي مقدار الجريمة والوحشية التي كان عليها جند الشيطان وهم يتفننون في تنفيذ جرائمهم الدنيئة. فهؤلاء لم يكونوا حتى جنودا" ينفذون أوامر عسكرية بمحاربة جيش الحسين عليه السلام.إذن لاكتفوا بقتالهم وقتلهم. إلا أنهم مارسوا سلوكيات غريبة لم يكن لها مثيل في التاريخ الإنساني فقد منعوا وصول الماء حتى للأطفال والنساء وقتلوا الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز الستة أشهر من العمر. وأحرقوا مساكن العزل وسلبوا الفتيات الصغيرات حليهن وقطعوا الرؤوس ومن ثم داسوا بخيولهم على الجسد الطاهر؟؟؟. فهل هذا سلوك بشري ؟ أبدا"، أن الوحوش الضارية لانفعل ذلك بفرائسها ؟ولا أدري ما الذي كان عليه هؤلاء القوم؟ وأية ملة يتبعون؟وماذا كان يدور بخلدهم وهم يمارسون هذه الجرائم؟.
    هذه الصور التي ستبقى خالدة وعالقة في أذهان الناس إلى يوم الدين ينبغي التأكيد عليها. صور أهل الحق وما هم عليه وبكل التفاصيل. وصور أهل الباطل وما هم عليه وبكل التفاصيل. فإهمال أي الصورتين ستفقد الواقعة الحقيقة الكاملة. وقد لاتصل للأجيال النتائج الكلية التي أفرزتها تلك الواقعة الخالدة.
    والذي دعاني إلى القول بضرورة التمسك بإظهار كلا الصورتين هو الإفراط بإظهار الجانب المأساوي لواقعة كربلاء وإغفال الجانب المشرق فيها . أو عدم إعطاء الجانب المشرق حقه كما ينبغي أن يكون من الأعم الأغلب . بحيث يمكن القول بأن العالم بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص وأتباع المذهب الحق بشكل أخص بحاجة إلى إشباع الصورة الثانية بمقدار ينسجم مع واقع تلك الواقعة المليئة بالصور والمواقف التي نحن بحاجة إلى إحيائها لتسد عندنا ذلك النقص المعرفي لكربلاء الحسين عليه السلام والذي ولد نقصا"عمليا" وسلوكيا" في مجتمعاتنا الإسلامية بحيث نرى البون الشاسع بين ذلك الإرث الملحمي الخلاق وبين إمكانياتنا المعاشة.وما ذلك إلا بسبب ما ذكرت من عدم إظهار كل الصور الحقة التي رافقت يوم الطف. يوم التقى الجمعان { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ } آل عمران13.
     فهذه دعوة إلى كل الأقلام الرائدة التي ترى في ملحمة الطف إمكانية الكشف عن كنوز معرفية وحوادث  لازالت غائبة عن الأذهان سطرها أبطالها الحقيقيون ليحيوا الشريعة والدين الذي جاء به النبي المختار محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما فيه من قيم ومبادئ وعقيدة وأخلاق ومفاهيم لتكون دستورا" متكاملا" للحياة الإنسانية أجمع  ولتكون فعلا" فتحا" كما أرادها الإمام الحسين   عليه السلام              { فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ }المائدة52 و{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ  }الأنفال19. و{  إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }.
 صدق الله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13003
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18