• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رؤية نقدية للمسلسل العراقي بيوت الصفيح .
                          • الكاتب : كاظم اللامي .

رؤية نقدية للمسلسل العراقي بيوت الصفيح

معظمنا يتذكر المسابقة التي أقامتها فضائية البغدادية الخاصة بالنصوص الدرامية التلفزيونية والتي شارك بها عدد متميز من الشباب الطموح وتم احتضان الكتاب الفائزين بالمراكز الأولى ومنهم السينارست ماجد ألفهدي صاحب رائعة التلفزيون (( بيوت الصفيح))  والتي تم عرضها من على شاشة تلفزيون البغدادية في رمضان سنة 2010وكانت من إخراج بسام سعد والتي حازت على الإعجاب الكبير من قبل المشاهدين رغم قصر الفترة الزمنية التي أخذتها كتابة النص وسرعة تنفيذ العمل لتكون النتيجة الحقيقة لهذه المسابقة هي ولادة نجم لامع في سماء كتابة الدراما العراقية والذي نحن بصدد تسليط الضوء على رائعته ((بيوت الصفيح)).
وقرائتنا هنا ليست إلا واجب أخلاقي نريد به إنصاف الجميع وكذلك واجب وطني بان نركز جهودنا لإبراز قيمة الفن العراقي المتميز مع الدعم المعنوي لهكذا أعمال والتي ربما واجهت برودا إعلاميا ليس له ما يبرره .
أعطى عنوان العمل ((بيوت الصفيح)) رغبة شديدة لدى المشاهد في الاجتهاد بالمتابعة وذلك لملامسة بعض الجوانب الخاصة لمأساة شريحة كبيرة من العراقيين الذين أصبحوا يتلذذون بسماع مأساتهم ومشاهدة آلامهم على شاشة التلفاز كما في لحظات السقوط وانتشار الأقراص الليزيرية التي تظهر إعدام وقتل وتعذيب العراقيين على يد أزلام النظام مما حدا بالجميع التسابق لاقتناء هذه الأقراص .. وللعنوان دفع بهذا الاتجاه وربما يقول احدهم إن الإلحاح في الاستذكار وإعادة شريط الماضي من خلال أعمال بعينها تركز على علاقة الشعب بالنظام السابق ما هو إلا إفلاس من جانب الكتاب أقول له وأنا كلي ثقة بان هذا التكرار والاستذكار ما هو إلا رد طبيعي لعظم ما واجهه الشعب من بؤس وإذلال ومن معاناة قل نظيرها في العالم على يد أخبث طاغية عرفه التاريخ كما إنها رغبة المشاهد في رؤية نفسه على شاشة التلفزيون وهي تتحرك حية بعد أن اعتراه الشك هل هو حي أم ميت أم انه لم يك شيئا من قبل أو إن العدم تسرب إليه لاغيا صفحته من كتاب التاريخ والوجود الإنساني , كما إن علم النفس يؤكد على المعزي لأحد الأشخاص بمصاب ما .. عليه أن لا يهرب من ذكر مصيبة الشخص وافتعال أمور وقضايا بعيدة عن همه ومصابه بل عليه أن  يواجهه بآلامه ويضع إصبعه على الجرح فهنا يستطيب المكلوم وتتساقط همومه وأحزانه لتصبح بعد ذلك محطات ينهل منها الدروس والعبر , ويجب أن لا ننسى بان الكاتب ماجد الفهدي هو ابن هذه المعاناة ووليدها وهو أولى من غيره بان يسطر أحزانه وأحلامه وشجونه وشؤونه على الورق ليرى نفسه ويتوقف أمامها كثيرا ليخفف أو يعالج جراحا ربما تكون خفية لم يلحظها احد وبعد ذلك تكون عملا بصريا لتزداد المتعة والتشويق للجميع.. إذن كان العنوان  ناجحا رغم إن كلمة الصفيح تعني لدى العراقيين التنك وصفائح السمن المعدنية ولم نشاهد بيوتا من الصفيح بل بيوتا طينية مع ملاحظة أن العراق قد شهد بناء بيوتا من هذا القبيل تأوي المعوزين من معدومي الدخل كما في البيوت المقامة في أراضي معدة لطمر النفايات إلا إن أحداث المسلسل أظهرت بيوتا طينية فقيرة ... وهنا ثمة نقطة التقاء بين الموردين الصفيحي والطيني يجب إيرادها  وحسب قراءتي أن البيوت هنا لا يعني منها الكاتب مواد البناء ومساحة الأرض المقامة عليها البيوت بل هي قلوب العراقيين التي تآكلت وتهرأت كصفائح السمن وبدا الصدأ يزحف إليها نتيجة تراكم مأساوي أثقل كاهل أجيال بالعبودية والخضوع لصنم هراء مجوف بلا حشو وان كان محشوا فالحشو هلام أصبح حين تفجيره يداس بالأقدام ملوثا أقدام المارة ومذكرا إياهم بان لكل زمن دولة ورجال والكل إلى العدم إلا العمل الصالح والذكر العلي.
في بداية المسلسل يطل علينا الكاتب بعبارة أثيرية متمددة مستطيلة لتنقر الآذان بتردداتها السريعة الجاذبة لمجامع القلوب وعلى لسان بطل المسلسل ((ابو فاهم)) الذي أدى شخصيته الممثل القدير ((عبدالمطلب السنيد)) وهو يحاور جاره البسيط ((جعيول)) الذي أدى شخصيته ((فريد عواد)) .. (الدنيا حصان جبير وكلنا نريد نصعد عليه) وهذه الجملة ترجمة لواقع التكالب على السلطة وصراع الناس على ملذات زائلة شهدتها الفترة الزمنية للمسلسل في أيام الحصار وما سبق الاجتياح الأمريكي للعراق هذا البلد الذي ابتلي بكثرة جراحه من أهله وأعدائه ,وهنا نجد فلسفة معينة استخدمها الكاتب في تحليل الواقع العراقي إبان التسعينات من القرن الماضي والتي وجدت طريقها لحوارات الشخوص وبالذات على لسان بطله أبو فاهم هذا الإنسان البسيط بائع الفلافل في كراج الناصرية والذي أفنى حياته بخدمة الوطن الذي أصبح في يوم وليلة طابو لشخص واحد , أبو فاهم رجل يعيش على الهامش أبدع المؤلف في رسم خطوط شخصيته بشكل عام وهذا الإنسان البسيط ما لبث أن برز اسمه على السطح وأصبح محور لنقاشات الحزب الحاكم ودائرة الأمن بعد أن رحب بضيف على مدينته اسمه مرتضى أتى حاملا أوراق مهمة تخص احد العراقيين ممن توفوا في إيران كي يسلمها لأهله في الشطرة مع ملاحظة إن مرتضى مراقب من قبل الأمن وقد نجح المؤلف بان جعل أبو فاهم في طريقه ليصبح وبلا تخطيط مسبق منه شخصية وطنية من طراز خاص مناضل له ثقله في صفوف المعارضه وهنا أراد الكاتب أن يقول كم من الذين وسموا بالشهادة والنضال والمقاومة هم أصلا أناس تواجدوا بالصدفة في هكذا أماكن فحشروا بالتبعية مع المناضلين والوطنيين والمقاومين وأصحاب النظريات التغيرية البناءة .
اشد على يد الكاتب بإبداعه في خلق الحبكة المطلوبة لتهيئة تسلسل الإحداث بصورة متميزة ومقنعة , فبعد المقدمة وتبيان بعض الخطوط العامة للشخصيات الرئيسية نجد محطة الحبكة الأولى والمتمثلة بالتقاء أبو فاهم بمرتضى ليلقى القبض عليهم ويودعوا في السجن لتدور الأحداث مدار هذا الاعتقال ويتصاعد إيقاع المسلسل بشكل متميز وتصوير المعاناة التي ألمت وتلم بزوجة أبو فاهم ((هناء محمد)) وسط مجتمع خرج للتو من حربين ولا زال يرزح تحت حصار خانق مع غياب ولدها غسان الهارب إلى السويد من بطش النظام هذه المعاناة لم تمنعها من مواصلة الحياة وكأن الكاتب يريد أن يقول إن الشعب العراقي لا يعترف بالتوقف عند محطة ما بل يستمر لهاجس يتملكه كثيرا هاجس حب الحياة ومن أحب الحياة بمعناها الحقيقي فلا تناله الحوادث بملماتها وأحزانها . فالحبكة الأولى جعلت أبو فاهم يتواجد بين فكي السلطة لتخلق منه عدوا لها بعد أن كان يعيش على الهامش , والحبكة الأخرى والتي بها انحياز جانبي للأحداث مثيرة جدل وقضايا أخرى متشعبة جعلته في مواجهة السلطة وذلك عندما تمكنت المقاومة من تحريره وزميله مرتضى بعملية عسكرية اعترضت طريق السيارة التي تقلهم إلى بغداد لمحاكمتهم هناك ومن ثم ارتقاءه لسلم الحظوة في صفوف رجال الهور والذين جعلهم الكاتب القوة المعارضة الوحيدة في العراق إبان تلك الفترة ليستثمره القادة المعارضون ولتوفر الجرأة لديه بعد إعدام ابنه وزوجته وعهده الذي قطعه على نفسه بالانتقام من النظام استثمروه في تنفيذ أعمال عسكرية وتخريبية طالت أزلام النظام مما هيأ له الأرضية الخصبة ليتسنم منصبا رفيعا في الدولة الجديدة بعد سقوط النظام ومن ثم ليكون ضحية التغيرات التي طرأت على واقع الإنسان العراقي بان وقع صيدا سهلا لطيبته وعدم تعامله بحرفية مع رجال يعملون معه اقل ما يقال عنهم إنهم غير نزيهين ليكون عبرة لغيره ليسقط في هذا الفخ ويتهم بعمليات اختلاس ولم يفلح بالخلاص من هذا المأزق إلا عن طريق المحاصصة الحزبية والتزام القوى السياسية لرجالها وان كانوا على خلاف مع القانون وهو تلميح ذكي لهذا الواقع المر الذي يعيشه العراقيون بتواجد قيادات في الدولة لا تفقه من أبجديات العمل السياسي أو المدني أو الفني أي شيء وهنا التساؤل إذا كانت القيادات بهذا المستوى الهش من الإدارة كيف يكون مصير العراق في قابل الأيام , وفي نهاية المطاف يعود بطلنا ابو فاهم الى حياته وسليقته وجبلته الاولى في احضان بيت الصفيح مع تغير قناعاته بامور كانت تبدو من بعيد تلمع كالذهب الا انها كالقمر في حقيقة نوره وضياءه المنعكس من ضوء الشمس وكما قال المثل ما كل ما يلمع ذهبا وحسب قرائتي هذا بخصوص الهالة الاعلامية الساذجة لصورة مشوهة للمقاومة السابقة والسياسيين الجدد والتي انسحبت بدورها والقت ظلالها على واقع المقاومة الغير شريفة في ايامنا الحالية.
بين الكاتب من خلال سير أحداث المسلسل إن الجميع في عهد النظام السابق كانوا معرضين للمسائلة , والتهمة حاضرة انك حزب دعوة أو انك مع جماعة الهور أو انك إسلامي سلفي أو شيوعي وهي تهم واهية يريدون بها بث الرعب في مفاصل الحياة العراقية ليصبح مجرد التفكير بالعبث مع السلطة هو الحكم على نفسك بالتغييب في أحواض التيزاب أو احتضانك للتراب في حفرة وبجوارك العشرات ممن لم ترهم في يوم ما.
وقد أبدع الكاتب الفهدي او الشاعر علي الفريداوي بهذه الكلمات المغناة المصاحبة لمشهد إعدام أم فاهم وولدها
هنا لعبة طفل وهنا بطل مدفون
وهنا كذلة حديثة متانية الزفه
هنا شاب اندفن عنده حلم عريس
هنا امه الحنينه اندفنت بصفه
انصبغ لون التراب بلون دم الناس
سأذكر بعض اللمحات الجميلة وبشكل سريع لمرافق النص الجميلة...
حوار بين سلام زهرة وزميله سعد محسن اللذان يعملان حمالان عند تاجر حبوب بشع كشايلوك اليهودي في مسرحية تاجر البندقية وهما يحملان أكياس الطعام يقول احدهما للآخر ( احنا مثل الجمل نحمل عسل وناكل عاقول) وهذا ما يحيط العراقيين بدائرة من التساؤل إن شعبا عظيما بتاريخه ولديه من الثروات الزراعية والمعدنية والنفطية وهو ينوء تحت نير العوز والفقر والذل والغربة ... ولدور سلام زهرة تلميح ذكي رغم تواضعه لتصوير الإغراق في الذلة والفقر والجوع وذلك بأن بدا المسلسل وانتهى وهو يحمل الطعام وبطنه لا زالت تردد أغاني الجوع بصوت بدا خافتا في نهاية المسلسل لقرب النهاية الحتمية لكل جائع جبان يسبح على انهار من عسل.
أشار الكاتب لطبيعة الحياة المذلة التي يعيشها العراقي في الغرب والمتمثلة بشخصية غسان ((حسن هادي)) فبعد محاولاته الكثيرة للهروب من بلد هائج تمور به وتعصف مشاكل جمة أكلت منه الأخضر واليابس ..استطاع لان ينفذ بجلده وتحط قدماه ارض الغربة ليواجه مصيرا مجهولا وبحثا دائما عن عمل وكذلك الطريقة المذلة بإعطائهم الراتب والذي وصفه احدهم بأنه أشبه بالجدية , أيضا هناك التغيرات في المفاهيم الاجتماعية والفوارق الأخلاقية بين العراق وبلدان المهجر اثر سلبا على طريقة تربية الأبناء مما حدا بغسان ورفاقه التفكير بالعودة , كما أشار الكاتب إلى إيران البلد الذي كان يمثل ملاذا آمنا لكل من خرج من العراق ولكنه وضح لنا شيئا مهما بخصوص هذا البلد بأنه لم يكن جنة أحلام بل كان جحيما لا يطاق ولا يلائم أبناء العراق الذين تعودوا على منهج وخصوصية في الحياة ليصطدموا بمكان اقل ما يقال عنه مكان موبوء بالذل والعار والهزيمة والحقد الدفين.
ألقى الكاتب ضياءه الكاشفة على آثار حماقات النظام بتجفيفه الاهوار وانقطاع الإمداد الغذائي المتمثل بالسمك والطيور المهاجرة الخضيري والهربان والماشية وكذلك الزرع لما للاهوار من أهمية اقتصادية في حياة أبناء الجنوب وقد تسببت هذه الحالة في إحداث تغيير اجتماعي وطوبوغرافي ادى الى هجرة العوائل باتجاه المدينة تاركا ورائها ثروة لو اتيحت الفرصة في استثمارها بالشكل الصحيح لاستغنى العراقيون عن النفط ومشاكله .
ومن خلال حوارات بعض الشخصيات وتصريحهم بان العراقي سياسي رغما عنه يأكل ويشرب سياسة , محلل سياسي من نوع خاص , وهذا انطباع ترتب تصوره في مخيلة الجميع بان الفرد العراقي ذو مخيلة سياسية قل نظيرها في ارجاء المعمورة نتيجة لتراكمات الاحداث السياسية التي تعصف به ونتيجة لتعاقب حكومات تربعت جاثمة على صدره لتخنقه روحيا هذا من جانب ومن جانب آخر تشعل فيه جذوة الفكر السياسي والتأمل في قضايا الشارع وتوابعها الاجتماعية لتتجاوز آراءه السياسية العبثية والعشوائية محيط الوطن لتتعداه الى كل شبر في ارض وسماء من هذا الكون المليء بالصراعات والتناقضات التي تشحذ أدمغة الناس مهما كانت درجة ثقافتهم , لكن الحقيقة ان العراقي يتحدث بالسياسة ليس من باب التحليل المنطقي انما من باب الفراغ الفكري ونتيجة الضغط الحكومي الذي يغلفه كما انه لا يتخذ من تحدثه بالسياسة منصة انطلاق نحو فضاء تغييري انما يتحدث فقط للاستهلاك الزمني ليس الا , كذلك تطرق الكاتب الى احتراف العراقيين للنكتة والمزحة والطرفة وهذا انطباع واقعي عن شعب اما ان يتعالى فوق آلامه ويضحك او انه سفيه لا تأخذ  النوائب حيزا من تفكيره او انه غير خلاق لا تعنيه تطورات الحياة او انه يضحك على نفسه ويسخر منها لأنه يعيش كالفار في جحره خائفا من القط المتوثب دائما لخنقه , ومن نكته ... (العراقي فار وان لم ينتمي)  هنا تهكم على مقولة صدام (العراقي بعثي وان لم ينتمي) وكذلك تهكم على واقعه المذل والمخزي في ركونه تحت سياط الجلاد.
لا اعلم لم جعل المخرج طريقة حديث ولهجة الضباط الأمنيين والمخابرات بلهجة مكون مناطقي ومذهبي معين مع العلم ان المكونات الاخرى تغلغلت في الدولة والحزب بشكل متناسق ومن جميع الاديان والمذاهب والقوميات حسب ما قدمت من ولاءات وقابلية للقتل بنفس بارد دون ان تهتز لها شعرة.
المواويل والاشعار الشعبية الأبوذية والدارمي عمقت الحالة التراجيدية للمسلسل وألقت بظلالها الجمالية على العمل ككل , ومنها ........
يا وطن بالله العوض الله كريم وياك
والراح فدوة ونذر لاحضانك وملكاك
لا خايف من المضى ولامن اليجي
بس انه يا موطني
خايف انفز الصبح انوب ما نلكاك
وفعلا هذا ما حدث فكل يوم نصحو فيه ومع إشراقة شمس جديدة الا اننا لا نجد الوطن الذي حلمنا به ويمر اليوم لنعتاد على وطننا الجديد ويأتي صبح اخر ونتفاجأ بوطن اخر غير الوطن الذي قبلنا به قبل يوم اذن وحسب ما يريد الكاتب ان يقوله وهذا ايضا على لسان أبطاله بان العراق رغم كل السلبيات في الزمن السابق الا انه كان اجمل بكثير من العراق الحالي لأسباب يطول شرحها.
رغم نجاح الكاتب الا ان الحاح قناة البغدادية منه للاسراع بكتابة النص فقد حدثت بعض التقاطعات الفنية في النص والتي لم تغير من جمالية العمل بشكل عام وسنعرج عليها بشكل اجمالي....
ثمة واقع يجب الوقوف عنده كثيرا وهو ان المسلسل عانى من الحدث والمكان فهناك مكان يبحث عن الحدث وليس حدث يبحث عن مكان وكأن طريقة توزيع منصفة أوجدها الكاتب او ربما المخرج بين هذا المكان وذاك المكان دون مسوغات درامية الى ان تنتهي الحلقة وكل من الأماكن الرئيسية قد اخذ استحقاقه وحصته وكانت حصة الاسد من ذلك للكهوة الشعبية التي يملكها حسون ((طلال هادي)) والتي عانى المشاهد فيها من تكراره لصب الشاي وبطريقة مملة ربما تحسب على المخرج الذي لم ينجح في التنويع وفي كيفية الدخول في مشهد الكهوة كما شهدت الكهوة وانا أصر ان اسميها كهوة وليس مقهى وذلك لاسمها الشعبي الواقعي والشائع في العراق شهدت هذه الكهوة كل سرديات القضايا المهمة التي صاحبت احداث المسلسل وكل معالجاتها بين حسون صاحب الكهوة وبين ابو سلام ((مهدي الحسيني)) وكان هناك عجز في خلق مكان اخر فيه بعض التغيير يمكن ان يحتوي هكذا مشاهد .
هناك بعض الاسماء ترد على لسان الشخصيات وبشكل متدفق وكمي ليست لها اهمية في صنع الحدث وليس لها وجود في ارض الواقع اثرت وشتت تركيز المشاهد .
هناك مشاهد مفاجئة ليس لها تهيئة مسبقة كي تحظى بالشد والاقناع كما في المشادة الكلامية بين حسون و احد رواد الكهوة والذي لم يضهر الا في هذا المشهد كما ان لبعض التصرفات والحركات التي يقف العقل امامها دون ان يجد لها تفسير والتي تفاجأ المشاهد كما في نهوض ام سلام (احلام عرب) وهي تجلس ضيفة في بيت (هناء محمد) دون ان تشرب الشاي مع العلم ان حديثهن كان عادي وليس فيه ما يثير, كذلك نهوض ناهي مهدي وصرخته (الاسير )وذهابه اليه بالمشحوف مع العلم ان حواره لم يكن قريبا من الاسير لا من بعيد ولا من قريب اي ان عنصر المفاجاة متوفر ولكن بلا مسوغ فني مما اثر في انسيابية المتابعة للمشاهد بشكل يجعله يهزأ من هكذا مخرج خسر الرهان بإخراج مسلسل متميز.
تسلسل بعض المشاهد عانى  من عدم التوثيق المترابط والوحدة الموضوعية لنرى تباين واضح بين اوصال المسلسل وكانها قطيع غنم فتك به ذئب امعط .
الشاب السوري متأكد انه أقحم عنوة في المسلسل وكذلك عائلته كما ان قضية اسره في اهوار الناصرية لم تكن مقنعة واذكر بانه لم يهيأ لهذا المشهد بشكل درامي محكم وكذلك كيف تسنى له المجيء الى اهوار الناصرية وهو قد اتى من سورية وهدفهه الدفاع عن العراق ضد الهجمات الأمريكية المتوقعة  وكان الاولى له ان يضهر في بغداد كما ان اسره بهذا الشكل ووضعه في سجن عبارة عن اعواد خشبية مثبتة بشكل مضحك ومفتوحة من كل الجهات  وفي العراء امر غير مقنع البتة يدل على قصور واضح  لدى المخرج الذي اراد ان ينهي العمل باي طريقة كانت .
تواجدت مفصليات مهمة كأحداث ومعالجات درامية وقصص نأت بنفسها عن باقي مفاصل المسلسل لم تغني الخط العام بل كانت وبالا عليه كما في احداث علوة الحبوب التي لم تكن مساهمة في البناء العام وكذلك العراقيون الثلاثة في المهجر لا يوجد ما يربطهم ولو بخيط صغير بباقي احداث المسلسل , ايضا قضية  ابو فاروق(كريم محسن) وخطفه بسبب قرابته من رجل اسمه احسان قتل خطأ اخت احد الخاطفين , أي ان تواجد هذه الاحداث لم يكن مدروسا بالشكل المناسب وقد اثر بعض الشيء بجمالية المسلسل.
صور صدام المتواجدة في الدوائر الحكومية والكهوة لم تكن مؤثرة بظهورها الغير معبر مع نوعية معينة ليست ذات بعد يشي بدموية وتسلط القائد الضرورة والصيرورة وكذلك طريقة عرضها  وقد اقتطع جزء كبير منها اخل بجمالية المشهد ولم تستثمر بالشكل المطلوب.
الطريقة الفجة في اعتقال ابو فاهم ومرتضى تفتقر الى الموهبة والتجربة الموضوعية مشهد الاعتقال لم يكن مركزا عليه بالشكل الجيد كما ان اعتراضه بمشهد قلق غسان وهو في اوربا بالشكل الذي لا يصدق عليه قلقه على اهله فيه بعض الخلل كما ان جعيول استيقظ على حركة الرفاق في النهار وكذلك الرجل العجوز الذي تمت اصابته الا ان ابو فاهم  وصديقه لم يستيقظا كما ان مرتضى وهو الرجل المطلوب للدولة يتصرف بلا مبالاة وهو بهذه الحال وكذلك ثقته بأبو فاهم وهو يحمل حقيبة اقل ما يقال عنها انها تحتوي بلاوي ومشاكل طائلة.
مشاهد كثيرة لم تكثف بالشكل المطلوب فيها بعض المط والتدوير دون الانطلاق بها الى فضاءات اوسع وارحب فكل حدث في المسلسل يأتي مشهد اخر يتكلم عنه الممثلون بشكل سردي تفصيلي اي اخبار للمشاهد مع انه شاهده قبل قليل.
الموسيقى التصويرية لناصر حربي وفيكن جوانيان متميزة تتكلم كثيرا عوض الممثلين تجعلك تهيم على وجهك للبحث عن اهلك وعن الضحايا بين اكوام العظام وحفر الموت الجماعي اما الموسيقى المصاحبة لمشاهد الاهوار, جميلة لكنها لا تطابق الواقع الثقافي لهكذا مناطق.
سقط المخرج ما بين الواقعية والرمزية , احداث المسلسل واقعية مئة بالمئة اما مكملات المشهد من ناحية المكان والاثاث فهي بعيدة عن الواقع  وهذا لاستعانته بكادر جله من غير العراقيين.. وسنطالعها بالتسلسل .. المشحوف الخاص بالمقاومة ليس مشحوفا عراقيا وليس لدينا مثله مطلقا , اصص الزهور ونباتات الظل المتواجدة في بيوت الصفيح بعيدة عن الواقع ولو تسنى لاحدكم وذهب الى الجنوب والاهوار بالذات والمناطق المتواضعة وهي بيئة احداث المسلسل فلا يجد مثل هذه النباتات ,  بعض المشاهد اظهرت ابناء بيوت الصفيح وهم يجلسون على الكراسي البلاستيكية وهذا ايضا غير متوفر سابقا ربما في عام 2010 لقلنا نعم , بنت ابو فاروق تلبس اخر موديل في مدينة الناصرية متجولة بكل اريحية وكذلك نوعية الملابس لم تكن موجودة بهذا الشكل في الايام الغابرة , وبخصوص الملابس ايضا اظهر المخرج بعض النساء وهن يلبسن العباءة وقد ظهرت البنطلونات من تحت العباءة كما تواجد في احد المشاهد المملة لابو فاروق ((كريم محسن)) وهو يبحث عن ابن عمه احسان في مدينة الناصرية تواجدت شخصية وهابي ملتحي يلبس دشداشة قصيرة وهو بالتاكيد سوري لان التصوير في سوريا مما يدل على عدم المبالاة من قبل المخرج بهذه الامور البسيطة وهو امر نعاني منه دائما حينما يلتزم العمل العراقي مخرج سوري ... وايضا السيارات المتواجدة في الكراج هي الاخرى لم يكن العراق قد استورد مثلها , الطرق المعبدة والجميلة لاهوار العراق وهذا شيء غير واقعي بالمرة فللآن تعاني اهوار العراق من عدم وصول الماء الصالح للشرب والكهرباء عوضا عن تعبيد شارع واحد .. تواجد اشجار سامقة غيرموجودة في بيئة العراق , وغيرها الكثير من الاستهتارات الاخراجية لدى بسام سعد ليثبت انه مخرج فاشل وبمرتبة الشرف وفي حقيقة الامر انا من دعاة اسناد الاعمال العراقية لمخرجين عراقيين وان كانوا بلا رصيد فني فإعطاء الفرصة والثقة لهم هو عامل تنشيط ابداعي ستاتي ثماره عاجلا ام اجلا .
بعض المشاهد ولدت ميتة وليس لها ما يبررها كمشهد لفلاح وهو يسقي نخلته ويغني لها مع ملاحظة عدم تواجده قبل وبعد ذلك المشهد ليبدو طارئا على المسلسل.
 بعض الموثرات الصوتية كجرس التلفون  او طرق الباب او الموسيقى التصويرية غير مؤقتة بشكل صحيح تدخل عرضا على الحوارات قبل انتهاءها مما يشوه انسيابية الصوت وسماعه لدى المشاهد وذلك بسبب المونتاج السيء.
مشاهد كثيرة حد التخمة للأكل والشرب للجاي وتدخين السكاير وكأن العراقي لا يتقن سوى البلادة والأكل والشرب والتدخين.
عمل احد العراقيين في مطبخ اوربي يظهر ادوات المطبخ عراقية او سورية الصنع محلية للغاية ونحن نعرف كيف هي اجهزة وادوات الطبخ لدى الغرب.
شخصيات الحزب بعيدة عن الواقع غير ملائمة لم نرى العجرفة او التسلط على وجوه الممثلين او تركيبهم الجسدي.
وكما في الافلام الهندية نكتشف في نهاية المسلسل ان صاحب علوة الطعام شهاب هو شقيق حسون ابو عيدان فلم نرى عبارة واحدة كان فيها ذكر لاحدهما على لسان الاخر وهذه من المفاجئات التي تطرقنا اليها.
ازياء الامن والشرطة والحزب غير متوافقة مع الواقع وحتى على مستوى ادنى درجات الاقناع .
عانت اللهجة الجميلة لابن الجنوب على لسان الممثلين فلم يكونوا مقنعين وقتلوا هارمونية اللهجة التي هي الشيء الجميل المتبقي لنا وربما سياتي يوم علينا نخسر حرف الجيم ونلغي كلمة جا ونقول لحبيبتنا احبك بدلا من احبج .
هناك اخطاء في حوارات الممثلين تغاضى عنها المخرج اما بسبب كثرة الاعادة والعجز في ادائها بالشكل الصحيح او عدم درايته بهذه الاخطاء .
مشهد اعدام ابو فاهم ومرتضى والاتصال الهاتفي بايقاف التنفيذ يذكرنا بالافلام المصرية.
لم يكن هناك مبررا ان تظهر العراقيات بالشكل الخلاعي في سبيل عكس صورة العراقيين المشوهة واندماجهم بالمجتمع الغربي بهذا الشكل وهذا تجني على العوائل العراقية المحتشمة والتي حافظت على ثقافتها وموروثاتها الاخلاقية والاجتماعية ولاحظنا ذلك لدى الممثلة اسماء صفاء وابنتها وصديقاتها وجمانة فؤاد بشكل يدعو للاستهجان.
وهناط مشاهد كلاسيكية بهجوم الكامرا على ابواب وشبابيك البيوت والدوائر ومن ثم بعد ذلك المشهد الخاص بهذه الغرفة او البيت او البناية طريقة مصرية اكل الدهر عليها وشرب.
 لكن يجب ان لا ننكر جمالية التصوير للمبدع جمزة عوالمة وكامرته الجميلة بانتقالاتها السلسة واحتوائها على عنصر الشد والتناغم مع اداء الممثلين والمؤثر الصوتي والموسيقى التصويرية وان افتقرت الى اللقطات المركزة (كلوزاب) على ردود افعال الممثلين ربما يكون السبب في ذلك هو عدم لمس المخرج منهم ما يدعم هذا التوجه في التقاط اثار الانفعال على وجوههم او عدم قناعته بهذا المنحى التصويري وفي هذا الصدد يجب ان ندلو بدلونا اتجاه الممثلين العراقيين والسوريين فانا اقولها ولا اتردد من قولها من اراد لعمله الفني العراقي ان يفشل فليستعن بممثل سوري فقد كانوا عالة على المسلسل قصمت ظهره وافقدت المشاهد ذاك الاحساس المطلوب لنجاح العمل ان كانوا يمثلون شخصية سورية او عراقية , تحس ان هناك عملية تهجين مقززة.
هناك حالة نجدها دائما في المنجز الدرامي العراقي وبسبب تقليل النفقات يستعان بكومبارس قد جلب من المسطر او بائع شاي في قارعة الطريق لا يفقه من ابجديات الفن ولو الشيء اليسير ويقحم بعمل بمواجهة عمالقة لهم الباع الطويل في عملهم ليكون هذا الكومبارس وبالا على العمل بشكل واضح وهذا ما حصل في المسلسل كما في بنت ابو فاهم وزوجة احسان وشاكر صديق عيدان ابن حسون ورجال الامن والحزب كافة لم يكونوا بالشكل الذي يساهم من رفع رصيد المسلسل جماليا وكأن مخرج المسلسل نسي الطرف المهم والاهم في بناء العمل الدرامي المتمثل بالممثل كما اني لاحظت في احد مشاهد زج العوائل العراقية في السجن رجل وقد ارتدى عباءة كان من ضمن السجناء وهذا الاتجاه لمعالجات المخرج ليس له ما يبرره مطلقا.
اما الشخصيات الرئيسية كالممثل القدير مهدي الحسيني وعبدالمطلب السنيد وهناء محمد وطلال هادي وحسن هادي وناهي مهدي الذي فاجأنا باداءه الرائع وفريد عواد وهند طالب المفاجاة المتميزة والقديرة انعام الربيعي, فهم من تحمل اعباء نجاح المسلسل  اما الاخرون كسلام زهرة وكريم محسن واسماء صفاء وصبا ابراهيم وسعد محسن وهيثم صالح وحسين عجاج ومناف طالب اثبتوا عدم اهليتهم للادوار البسيطة وكانك تحس بتعاليهم على الدور المناط بهم مما يؤشر وجود تراخي من قبل المخرج في ادارتهم .. ورغم حزني الشديد لادائهم المتواضع الا اني فرحت بالطفل محمد الحسيني ابن الفنان القدير مهدي الحسيني في اداءه الرائع المتميز والذي يؤكد مقولة ابن البط عوام.
بشكل عام المؤلف وبتجربته الاولى في عالم الدراما العراقية اثبت علو كعبه وقدرته على صنع الضحكة والدمعة لدى المشاهد وكتابته تنبع من صلب واقعه فلم يتسور المحراب ويأتي لنا بشيء خارج عن حدود التجربة ومن خلال هذه المقالة اردت ان أقول أيها المنتجون انتبهوا وإلا خسرتم نجما لامعا في سماء السيناريو اسمه ماجد ألفهدي احتضنوا هذه الموهبة الفذة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13036
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28