• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المُطالَبةُ بالحُقُوقِ؛ أَهِيَ مِن التَّميِيزِ؟! .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

المُطالَبةُ بالحُقُوقِ؛ أَهِيَ مِن التَّميِيزِ؟!

   [أَلأَنَّني أَسوَدٌ]؟!.
   هذه العبارة كانت الدِّرع الحصينة التي انتزعَ بها السُّود هُنا في الولايات المتَّحدة الأَميركيَّة حقوقهُم من البيض أَيَّام التَّمييز العُنصري وانتشار حركة الحقوق المدنيَّة التي قادها عدد من زعمائهِم وعلى وأسهِم القسِّ الأَسود [مارتين لوثر كِينغ] [١٩٢٩-١٩٦٨]!.
   فلقد تحصَّن بالعبارةِ وأَشهرها بوجه التَّمييز كالسَّيف القاطع كلُّ موطنٍ أَسود بمجرَّد أَن تتعرَّض حقوقهُ للتَّجاوز أَو السَّحق والتعدِّي من قِبل المواطن الأَبيض ومن أَيِّ نوعٍ كانت هذه الحقُوق ومهما كانت تافهة! وبمرورِ الوقت ولكَثرة ما صرخَ بها السُّود بوجهِ البيض حتى تحوَّلت بالنِّسبةِ للآخيرين كشاهدِ إِدانةٍ على تجاوزاتهِم ما زرعَ في نفوسهِم الخَوف والرُّعب والحذر!.
   وبذلك هزمهُم السُّود نفسيّاً حتَّى انتهى بهِمُ الأَمرَ إِلى أَن ينتزعُوا كاملَ حقوقِ المُواطنة وإِيقاف التَّعامل معهُم كمُواطنين من الدَّرجة الثَّانية! لحين حقَّقوا الحلُم الذي صرخَ بهِ [كينغ] عام ١٩٦٨ عندما دخلَ مُواطنٌ أَسود [باراك أُوباما] البيت الأَبيض [٢٠٠٩] لأَوَّل مرَّة في تاريخ الوِلايات المتَّحدة.
   فهل كانَ السُّود عنصريُّون عندما كانُوا يُطالبون بحقوقهِم المدنيَّة وعلى رأسِها المُساواة في الحقوقِ والواجبات؟!.
   إِنَّ طبيعة المُطالبة بالحقوقِ تنبع من طبيعةِ الإِنتهاكات التي يتعرَّض لها المُواطن، فالمُطالباتُ ليست عبثاً أَو نَزوة! وهي لا تكونُ بطريقةِ [يعجبني] أَبداً وإِنَّما هيَ مِن سنخِ التَّجاوز الذي تتعرَّض لهُ حقوق المُواطن.
   ولذلك فالحركات النسويَّة التي تُطالب بحقوقِ النِّساء ليست عنصريَّة كَونها متخصِّصة بالمُطالبةِ بنوعٍ معيَّن من الحقوق المُنتهكةِ! كما أَنَّ المُنظَّمات الحقوقيَّة التي تُطالب في بلدٍ ما بحقوقِ الأَقليَّات مثلاً أَو العُمَّال أَو الطلَّاب أَو أَيَّةِ شريحةٍ أُخرى، هذهِ كلُّها ليست عنصريَّة أَو تمييزيَّة وإِنَّما تنبع رسالتَها وهدفها من طبيعةِ الإِنتهاكات التي تتعرَّض لها حقوق الشَّريحة التي تُدافع عنها! وهذا شيءٌ مُتعارفٌ عليهِ في كلِّ دُول العالَم المُتحضِّر، أَمَّا في بلدانِنا، على اعتبار أَنَّها من الدُّول المُتخلِّفة، فكلُّ حركةٍ أَو منظَّمةٍ أَو دعوةٍ تُطالبُ بحقوقِ شريحةٍ ما تتعرَّض للإِنتهاك تعتبرها السُّلُطات والأَحزاب الحاكِمة بأَنَّها دعوات عنصريَّة أَو طائفيَّة أَو عنصريَّة! لإِرهابِها وإِرعابِها وملاحقتِها بعدَ تسقيطِها إِعلاميّاً وسياسيّاً لعزلِها عن المُجتمع!.
   خُذ مثلاً على ذلكَ المنظَّمات الحقوقيَّة المتخصِّصة بالدِّفاع عن حقوقِ الشِّيعة في العالَم [مثل مُنظَّمة شيعة رايتس واچ] الحقوقيَّة ومقرَّها واشُنطن، على اعتبار أَنَّهم يتعرَّضونَ للإِنتهاكات والمُلاحقات والمُطاردة والسِّجن والقتل ليسَ لشيءٍ وإِنَّما فقط لأَنَّهم شيعة!.
   فلقد ذكرت السيِّدة [نادية مُراد] الحائزة على جائزةِ نوبل للسَّلام مُناصفةً؛ أَنَّ النِّساء اللَّاتي يأسرهُنَّ الإِرهابيُّون عندما احتلُّوا نِصف الأَراضي العراقيَّة، إِذا كُنَّ إِيزديَّات أَو مسيحيَّات كان الإِرهابيُّون يغتصبُوهُنَّ أَو يبيعُوهُنَّ في سوق النَّخاسة، أَمَّا إِذا كُنَّ شيعيَّات فكان الإِرهابيُّون يقتلوهُنَّ لا غَير!.
   إِنَّ هذا التَّمييز حتَّى في طريقةِ إِنتهاك حقُوق الضَّحايا يحتاجُ إِلى مَن يصرخ بهِ لكشفِ الحقائق من أَجلِ حمايةِ حقوق هذهِ الشَّريحة! فذلكَ ليسَ من الطائفيَّة في شيءٍ أَبداً! حالها حال [ضدَّ السَّاميَّة] التي تقف بالمرصادِ لِمَن يُريدُ أَن يغمِزَ في قناةِ اليُهودِ ولَو بحرفٍ!.
   وكذا الحالُ بالنِّسبةِ إِلى الدَّعَوات التي تُنادي بحمايةِ الأَقليَّات في بُلدانِنا، العراق مثلاً، فهي ليست طائفيَّة ولا عُنصريَّة ولا دينيَّة ولا أَيِّ شيءٍ من هذا القبيل! فهي تستند إِلى طبيعة الإِنتهاكات التي تتعرَّض لها هذهِ الشَّرائح!.
   ليسَ من العيبِ أَبداً أَن تُطالبَ أَيَّة شريحة إِجتماعيَّة أَو مكوِّن إِجتماعي بحقوقهِ ولكنَّ العيبَ كلَّ العيبِ بل ومن الجريمةِ بمكانٍ أَن تتجاوزَ أَيَّةَ شريحةٍ أَو مكوِّنٍ على حقوقِ المكوِّنات الأُخرى فذلكَ هو الإِنتهاكُ والظُّلمُ بعينهِ!.
   وإِذا كانَ يحقُّ لأَحدٍ [فرداً] من أَيَّةِ شريحةٍ أَن يتنازلَ عن حقوقهِ الشخصيَّة فلا يحقُّ لَهُ أَبداً أَن يتنازلَ عن حقوقِ الجماعةِ [المكوِّن] وهي الفلسفةُ التي نستنتجها من موقفِ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) عندما قَالَ {وَوَاللهِ لاَُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً}.
   إِذا لم يتحقَّق مبدأ المُواطنة وأَنَّ المُواطنين كلَّهم من الدَّرجةِ الأُولى مهما اختلفت دياناتهُم ومذاهبهُم وقوميَّاتهُم ومناطقهُم وخلفيَّاتهُم الفكريَّة والسياسيَّة! وإذا لم يكن الإنجاز هُوَ المعيار الوحيد في التَّنافس على كلِّ المواقع في الدَّولة، فستظلَّ هذه الدَّعوات مشروعة ينبغي الإِصغاء اليها والعملَ على تحقيقِ أَهدافها ومساعدتِها وتمكينِها في ذَلِكَ!.
   للأَسف الشَّديد فإِنَّ المُواطن في بُلدانِنا لازالت حقوقهُ تتعرَّض للإِنتهاك خاصَّةً حقوقهُ الدينيَّة والمذهبيَّة والثقافيَّة والتاريخيَّة! فضلاً عن حقوقهِ المدنيَّة التي نصَّت عليها الدَّساتير! كما أَنَّ خصوصيَّتهُ مُنتهكةً بشَكلٍ سافرٍ! ولذلكَ فليسَ مُستغرباً بل يجب أَن نظلَّ نسمع صرَخات؛
   *أَلِأَنَّني شيعيّاً؟!.
   *أَلِأَنَّني سُنِّيّاً؟!.
   *أَلِأَنَّني مسيحيّاً أَو إِيزديّاً أَو مندائيّاً؟!.
   *أَلِأَنَّني كُرديّاً أَو تُركمانيّاً أَو عربيّاً؟!.
   *أَلِأَنَّني مُستقِلّاً أَو لا أَنتمي إِلى الحزبِ الفُلاني أَو الأَحزابِ الحاكِمةِ؟!.
   *بل تصلُ بِنَا الحالُ أَحياناً إِلى الصُّراخ بوجهِ [الأَقوياء الذين يعتدُونَ على حقوقِ الضُّعفاء]؛ أَلِأَنَّني أُقلِّدُ المرجع الفُلاني ولا أُقلِّدُ المرجع العِلَّاني؟!.
   فكلَّما ابتعدنا عن مبدأ المُواطنةِ وضعُفت حاكميَّة الدَّولة وسُلطةِ القانون في البلدِ كلَّما ضاقت دائرة مصدر هذه الدَّعوات أَكثر فأَكثر!.
   فالإِشكالُ والمُشكلةُ ليست فيها وإِنَّما في الدَّولة وفِي طبيعة النُّظُم والقوانين والقواعد التي تحكمَها!.
   ١٧




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130367
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29