• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : من أجل نظام حُكم عربي وحداثة إسلامية .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

من أجل نظام حُكم عربي وحداثة إسلامية

ما من شك في أنّ ممارسة الحكم عبادة. مَثلها في ذلك مَثل خدمة الوطن بصفة أعمّ وما تشمله من سهر على سلامة الفرد والأسرة والمجتمع. إذن يحق التثبت هل السلطة التي تحكم شعب تونس الآن تؤدي هذه العبادة. بالأساس، هل هي تحكم؟ وما هو السبيل لتعميم النموذج التونسي على كل بلد عربي يختار نهج الثورة الفعلية؟
في حقيقة الأمر وتبعا لما نشهده على الساحة السياسية بمختلف مجالاتها، والتي تتعدد بتعدد مجالات الحياة، ليس من الصعب تسجيل نسبة عالية من الفوضى (اعتصامات، إضرابات، تجاذبات) التي تعم قطاعات مختلفة، من شغل وصناعة وتجارة وتعليم وإعلام وأمن. وهي فوضى تتسم بالجمود. أمّا صفة الجمود فيها فتتمثل في غياب الاستطاعة على إيجاد حلول للمشاكل المتسببة في الفوضى. إذن فهو جمود يخص مناهج وأشكال العمل السياسي قبل أن ينعكس على المضامين.
 إنّ لهذا الانخرام من صنف "فوضى/جمود" تداعيات عدّة. و من أخطر هذه التداعيات الاختلال في موازين القوى السياسية بالبلاد. أمّا الخطورة فتتمثل في أن أبَت الآلة السياسية أن تشتغل من أجل إيجاد حلول في الإبّان للمشكلات العالقة.
في باب الوعي بنوعية الورطة المنهجية التي يعيشها المجتمع أعتقد أنّ لاتاريخية القوة السياسية الحاكمة هي السبب الأصلي؛ سبب الأسباب كلها. ولمّا نعلم أنّ هذه القوة في غالبيتها تتسم بتوجهها الإسلامي نلوم عليها عدم الاتساق مع البعد الأشمل في الإسلام: صلاحيته لكل مكان وزمان. وإلا فأين التزامن بين "الحدث" (المشكلة الاجتماعية وغيرها) وبين لحظة "أخذ القرار" من أجل إيجاد الحل ثم تطبيق الحل؟
ذلك أنّ السلطة الحاكمة الجديدة قد أخطأت منذ البداية لمّا لم تُرَكز اهتمامها على استعادة التوازن في ميزان القوى السياسية، بل آثرت جذب المجتمع بأكمله إليها لوحدها. وهذا يعني أنها لم تُراعِ ما يهدف إليه الإسلام ويضمنه من نظرة شمولية متوازنة تؤَمّن حق الجميع في العيش في جوّ من الألفة والتكاتف.
 كما يعني أنّها آثرت العناية بالمضمون الإسلامي لفكرة الحكم والحَوكمة إلى أن أضحينا نصَبّح ونمسي على مواقف هزلية في معظمها من صنف السماح بشرب الخمر في الفنادق؛ جواز ارتداء الملابس النسائية القصيرة؛ إباحة البيكيني؛ اقتراح حوار وطني حول موضوع النقاب. بينما كان على السلطة الحاكمة، وعليها من هنا فصاعدا، أن تعنى بترتيب الشكل والمنهاج، مع الحرص على ترك المضمون الإسلامي والفكرة الإسلامية في ضمانة المجتمع. وإلا فمآل تونس العودة إلى الاستبداد.
في هذا السياق نعتقد أنّ المجتمع المدني بأسره، بجمعياته وبمنظماته وبسائر هياكله، هو المكلف دون غيره بمجاراة المضامين الإسلامية لحياته وحياة أفراده. فهو المقرر لجواز هذه الممارسة ولعدم جواز تلك. وهو القابل للسلوك كذا والرافض لسلوك كذا. وهو المُعدل للسلوك العام وللسلوك الشخصي. وانطلاقا من قرارات الفرد والمجتمع وكل الفاعلين في المجال المدني يتشكل المضمون لدى السلطة الحاكمة ليكون موردا خاما موضوعا على ذمتها.
هكذا من جهة يكون المجتمع سيّد نفسه في ما هو مُناط بعُهدته، مع التزامه بأن يوكل إلى السلطة السياسية الحاكمة إنجاز ما هو من صلاحياتها من جهتها : التصرف في أفكار المجتمع بواسطة منهاج يقوم بمهمة المزاوجة بين سياساتها وبين عقلية الشعب وقيمه وإرادته والتصورات الفكرية للمجتمع الموضوعة على ذمتها.
إذن فالذي جرى إلى حد الآن عموما، كنتيجة للتهافت على المضمون على حساب الأسلوب، هو فشل السلطة السياسية الحاكمة في تبرير خيارها الإسلامي حتى جرت الرياح بما لم تشته سفينتها. ويبدو أنّه ليس هنالك مخرجَين اثنين من هذه الورطة العامة الخانقة؛  إن بالمنطق الإسلامي: "مثلما تكونوا يُوَلى عليكم" - حديث نبوي صحيح؛ وإن بمنطق الحَوكمة المعاصرة والمتمثل في التشاركية وفي التبادلية وفي الجدلية وفي الأفقية وفي التداولية وفي غيرها من التقنيات والمبادئ: حكم الشعب للشعب.
محمد الحمّار
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28