• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : زيارة الاربعين ... شعيرة واهداف .
                          • الكاتب : احمد الخالدي .

زيارة الاربعين ... شعيرة واهداف

في كل دول العالم هناك طقوس وممارسات اعتادت عليها بعض الشعوب لتكون كرنفالا سنوياً تجتمع لاجلها اعداد من الناس لتخليد رمز وطني او لاحياء ذكرى عظيم من العظماء او ليكون ملحمة رياضية تشترك فيها جملة من دول العالم , وتتباين الاهداف التي يجتمع لاجلها بني الانسان وتختلف في غاياتها لكنها في النهاية تتحدد بوقت معلوم ولا تشمل جل بقاع الارض ولا تجمع كل اجناس البشر ..
لكن هناك مناسبة تجتمع لاجلها كل الاجناس والالوان والقوميات وبمختلف اللغات كلهم ينادون بكلمة لا تختلف في لفظها ولا معناها حيث ترى الملايين من الناس من معظم دول العالم يخرجون بمسيرات منظمة وينادون بلوعة وحرقة ( ياحسين ) تشمل جل بقاع الارض من اقصى شمالها الى ابعد نقطة في جنوبها ويختلط شرقي الارض بغربيها يهتفون بأصوات تمتزج بالعبرات ضاربين بأيديهم على الرؤوس والصدور مرددين ( ابد والله لا ننسى حسينا ) , رافعين الشعارات والهتافات التي تقرأ فيها المظلومية وفي نفس الوقت تشعر في طياتها بالثورة , وما تلك الثورة الا على من ظلم النبي محمد في اهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين , والثورة على من اراد القضاء على الدين وعلى سنة النبي الامين صلوات الله عليه , الثورة على كل من سنّ الظلم واسس له واجراه بيده او لسانه او رضي بهذا الظلم على محمد وال محمد بقلبه , والثورة على من يحاول ان يكرر ما فعله اجداده من قتلة الحسين عليه السلام فيفتي بتكفير اتباع اهل البيت عليهم السلام ويأمر اتباعه من اراذل الخلق وحثالة المجتمع بقتل محبي الحسين عليه السلام وما حب هؤلاء الموالين للحسين واهل بيته ومحافظتهم على استذكار نهضته واستخلاص العبر منها الا حباً لله تعالى الذي انزل في كتابه المبين ( قل لا اسئلكم عليه اجراً الا المودة في القربى ) ولرسوله الذي قال ( حسين مني وانا من حسين احب الله من احب حسيناً ) ..
فأذا رأينا تلك الملايين من البشر تمشي لذلك القبر الطاهر الذي يتضمن جسد الحسين عليه السلام عرفنا ما كان يقصد ابو عبد الله الحسين عليه السلام حين قال ( انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر ) وقد اصلح بأبي وامي وقد نجح والله في نهضته المباركة , لأن المسلمين في كل عام يبكون شهداء العدالة والحرية ويلعنون امية وال امية وسيستمر ذلك الى ان ينصب الله سبحانه وتعالى الموازين للناس ويكون الحاكم هو صاحب الثأر ..
واذا قال قائل لم كل هذا البكاء والنحيب في كل عام ولم تذرفون الدموع على رجل قاتلَ وقَتَلَ وقُتِلْ قبل اكثر من الف عام ؟! لِمَ لا تنظرون الى شؤونكم وتهتمون بمصالحكم وما الدين الا ان تقيم الصلاة وتأتي الزكاة وتساعد المحتاج ؟.. فنقول لهذا القائل الجاهل . ان الدين الذي تزعم انك تدين به ماوصل الينا الا بفضل هذا الرجل الذي ضحّى في سبيل بقاءه اجلّ التضحيات , فكيف لا نبكي حسينا ً وقد ضاقت عليه الارض بعد رحبها وقتل غريباً ضماناً هو وثلة قليلة من اصحابه واهل بيته .. كيف لا نبكيه وقد تكالبت عليه الاعداء من كل جانب هذا يضربه بالسيف وذاك يطعنه بالرمح وذلك يرشقه بالسهام وهذا يرضخه بالحجارة كيف لا نبكي حسيناً وقد قُطّعت اوصال فلذات كبده ومزقت اجساد اخوته وبني عمومته وصحبه امام عينيه كيف لا نبكيه وقد ذُبح رضيعه بين يديه عطشاناً يتلوى من حرارة جراحه كيف لا نبكيه وقد طحنت خيل الاعداء صدره وداست ظهره واُحرقت خيامه ويُتمت عياله وسُبيت نساءه وطيف برأسه على رمح طويل والنساء ينظرن اليه .. كيف لا نبكيه وقد كان في بدنه عليه السلام اكثر من الف جرح بين ضربة سيف وطعنة رمح وكانت جراحه طعنة فوق طعنة وضربة فوق ضربة , كيف نصبر ولا نبكيه وقد سُلبت رحله وتُرك على صعيد كربلاء من غير غسل ولا دفن ثلاثة ايام عار على رمضاء كربلاء ..
هذا وهو ريحانة خاتم النبيين وسيد المرسلين وابوه سيد الوصيين وامه سيدة نساء العالمين وهو الامام المفترض الطاعة على لسان الصادق الامين , قطب رحى الامكان وعلة عالم التكوين ومركز تقديس كل الممكنات الذي لولاه لساخت الارض بأهلها .. فهل تتعجب اذا امطرت السماء دماً ؟!!
نعم تعجّب لأن السماء لم تهوِ على الارض ولم تصدم الكواكب بعضها حزناً لمن وقف ليضحي بكل ما يملك ويهب كل ما يملك لله تعالى ولأجل ان يبقى دين الله ودستوره فاعلاً في حياة المسلمين داعياً بأخلاص نية ( اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ) لقد اعطى الامام الحسين عليه السلام كل ما يملك لله فلا عجب ان يعطيه الله اضعافاً مضاعفة وهو اكرم الاكرمين ولا عجب ان ترى الارض تموج بأهلها والسموات تضج بملائكتها ,ومما اعطى الله تعالى للامام الحسين عليه السلام هذه الجموع المؤمنة التي تتجه بمسيرات مليونية الى ملاذ المظلومين وناصر المستضعفين حامل لواء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمان يأمر الناس فيه بالمنكر وينهون عن المعروف في زمان يرتقي اللعناء منبر سيد الانبياء , وهذه الجموع تعلم ان الحسين عليه السلام هو قائد الفتح وهي اذ تندبه انما تندب العدل والرحمة الالهية التي جعلها الله في رسوله الكريم صلى الله عليه واله وهي اذ تبكي لمصابه انما تعلم كم هو مؤلم فقد الاحبة والاعزاء وقد قدم عليه السلام في ظهيرة عاشوراء كل احبته واعزاءه بل حتى طفله الرضيع قرابينا على مذبح الشهادة لكي تبقى لا اله الا الله شعار التوحيد للمسلمين ولكي يبقى حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة ..
وهناك من يضع اشكالاً قائلاً ( اما كان هناك خيار للحسين عليه السلام الا ان يقذف بنفسه واهل بيته بين اسنة الرماح وبيض الصفاح حتى يستقيم دين الله في الارض ؟! اما كان الاولى ان يصالح يزيد لكي يحفظ دمه ودماء اهل بيته ولا يلقي بنفسه الى التهلكة ؟؟!!
وجواباً على هذا الاشكال نقول : لقد وصل الحال بالامة الاسلامية انها ابتعدت عن منهاج القران وشريعة الرحمن وانحرف مسار الاسلام الى ما يوافق اهواء الحكام واصبحت ترى الحق فتعرض عنه وترى الباطل فتتهالك عليه واختلط الحلال بالحرام لذا كان عليها ان تصلي خلف كل برٍّ وفاجر وصار واجباً عليها ان لا تبيت الا وللحاكم في عنقها بيعة حتى وان اعتلى منبر رسول الله صلى الله عليه واله بالسيف وكان منها ان تسمع الطلقاء يخطبون على منابر المسلمين فيقول قائل منهم : (إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك.وانما قاتلتكم لاتأمر عليكم وقد اعطاني الله ذلك وانتم كارهون ) ولأن الناس على دين ملوكهم صار هذا الحاكم ومن تبعه هم خلفاء الله وصار دينهم هو دين الله . وكان لا بدّ لمثل هؤلاء النيام من صعقة مدوية ترجّ الافاق ويهتزّ لها الوجدان الانساني لكي يتنبه الغافلون من هذا الاستغراق في الغيّ والضلال وكان لابدّ لهذا الليل الذي اسدل ستاره على المسلمين من شمس تشرق عليه لكي يرى المسلمون بنور الحسين عليه السلام التي اشرقت في عاشوراء الشهادة على ثغور ثعالب امية واذنابهم الذين يتربصون للمسلمين في عتمة ظلامهم وظلمهم . وكان خروج الحسين عليه السلام الى كربلاء هو مقدمة هذه الصحوة وصوته ( الا من ناصر ينصرنا . اما من موحد يرجو الله فينا ) صرخة تتردد في اذان الدهور الى ان تقوم الساعة .
وكان دم الحسين الذي سقى بطاح كربلاء ضروري لتعود شجرة النبوة خضراء نضرة بعد ما اماتتها سنن الطواغيت ..
وما جموع الوالهين بحب محمد وال محمد وتوجههم بمسيرات مليونية الى قبلة الحرية والفداء الا تلبية لذلك النداء وتقديماً للنصرة . وهذا هو النصر الذي اراده ابو عبد الله وهذا هو الفتح الذي تنبىء به صلوات الله عليه .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين , اللهم ثبت لنا قدم صدق مع الحسين واصحاب الحسين وارزقنا شفاعته يوم الورود انك سميع الدعاء ...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=13136
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29