• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المسيحية الجديدة ، كيف انتشرت؟  الجزء الثاني.  .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

المسيحية الجديدة ، كيف انتشرت؟  الجزء الثاني. 

 بعد أن بيّنا في الجزء الأول بأن كل معارك اليهود وحروبهم مع الأمم الأخرى هو بسبب السلب والنهب والسطو على ثروات الآخرين واستعبادهم وليس لنشر دينهم والترويج لرسالتهم. نأتي في هذا الجزء على بيان كيفية انتشار المسيحية وهل فعلا استخدمت التبشير من اجل نشر الدين والترويج لعقيدة المسيح كما يزعمون ؟

المسيح نفسه مع نزول الوحي عليه ودعم السماء له لم يصمد اكثر من ثلاث سنوات حتى رفعه الله إليه تاركا اتباعه بلا كتاب ولا شريعة. وفي الحقيقة لم يكن له اتباع سوى تلاميذه الاثنا عشر وقد تركوه وهربوا عندما القى الرومان القبض عليه ولو كان للمسيح اتباع لرأيناهم في عملية تعذيبه وصلبه المزعومة ولكننا لم نر عند الصليب كما يذكر الإنجيل سوى امه مريم العذراء ونساء اثنين معها.(1)

تميز القرن الأول بعد رحيل السيد المسيح بالفوضى حيث ساد القمع الشديد لكل من يحاول الانتماء للدين الجديد فاستعان اليهود بالإمبراطور الوثني قسطنطين الكبير فسلط الجيوش الرومانية لتقضي على من تسوّل لهُ نفسه، ولذلك بقيت المسيحية في سبات طويل إلى أن ظهر بولص بصورة غامضة ليكون المبشر الأول للمسيحية ثم أتاهم بإنجيل جديد .

وهكذا وبعد خمس سنوات من رحيل المسيح ظهرت المسيحية (البولصية). وهي التي استعان بها الامبراطور الروماني في مجمع نيقية لتأسيس المسيحية الجديدة التي لبست لباس الوثنية الرومانية ثم قام الامبراطور ومن اجل القضاء على الأمم التي استعصت عليه وتحت حجة نشر المسيحية وبالاستعانة بالبابوات الجدد الذين عيّنهم قام بشن الحروب والغارات وتسبب بمجازر مروّعة زاعما أنه يُريد هداية هذه الامم للدين الجديد ولا ندري لماذا يقوم امبراطور وثني يعبد الاصنام بنشر دين لا يعتنقه ؟ فقد قضى هذا الطاغية عمره وثنيا حتى آخر لحظة من حياته ثم قرر في نهاية عمره وهو على فراش الموت باعتناق المسيحية لمّا رأى ان المصلحة في ذلك افضل، ولكن ايُ مسيحية اعتنقها ؟ إنها المسيحية التي صنعها هذا الامبراطور الوثني بالتعاون مع اليهود وعلى رأسهم كعب احبارهم بولص.

على يد هذا الامبراطور تأسست المسيحية بشكلها النهائي الذي نراه اليوم والذي نشأ على ضوئها (العالم المسيحي الجديد). اطلق الامبراطور على نفسه الحبر الأعظم أو الكاهن الكبير وهو من الالقاب الدينية الوثنية (pontifex maximus‏) ، التي لازالت سارية المفعول إلى هذا اليوم حيث أدى تحالف الامبراطور مع الكنيسة إلى نشوء ديانة جديدة جمعت بين (الوثنية الرومانية والمسيحية البولصية). ولكن الأكيد هو أن شكل الكنيسة الذي بناه واسسه هذا الامبراطور قد ازاح نهائيا ديانة (السيد المسيح) وقضى عليها فعمت الفوضى وانبثقت مباشرة عشرات الفرق المسيحية المتناقضة المتناحرة عقائدياً، واصبح هناك عشرات الاناجيل القانونية وغير القانونية وكل إنجيل مغاير لآخر.

هذه هي حقيقة انتشار المسيحية في بداياتها ولذلك نرى الطابع الدموي الذي اصطبغت به حيث قام البابوات الذين خلقهم الامبراطور الوثني باستخدام نصوص الاناجيل اسوأ استخدام حيث زعموا أن المسيح امرهم أن (يُكرهوا الناس على الدخول للمسيحية) مستعينين بهذا النص الذي يقول : (فقال السيد للعبد: اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي).(2) فقالوا أن السيد المسيح ضرب هذا المثل حيث يقصد بـ (السيد) نفسه وبـ (العبد) الاتباع الذين امرهم أن يخرجوا للناس ويُلزموا ــ يُكرهوا ــ الناس على الدخول للمسيحية .

وقد زعم البابوات بأن يسوع امرهم أن يبيعوا حتى ثيابهم وشراء السيوف في اشارة إلى نص لوقا : (فقال لهم: من ليس له سيف فليبع ثوبه ويشتر سيفا).(3) ثم رفع البابوات شعارهم الخالد (لا سلام إلا تحت ضل السيوف). تلميحا منهم لما ورد في نص متى : (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا).(4) وهكذا انطلقت جحافل الصليبية تنشر الدمار والرعب وتصبغ بالدم كل مكان وطأته اقدامها. ولعل اوضح ما استطيع التعبير به عن مدى وحشية ودموية الجيوش المسيحية في نشرها للمسيحية هو القصة التالية:

ما ترويه كتب سكان جزيرة (أسبانيولا) هاييتي الحالية في تجربتهم مع المبشرين الانكليزي وخصوصا رئيسهم الراهب (ولفنجستون). الذي كان مبشرا انكليزيا يعمل في جمعية التبشير اللندنية ، وكان يتطلع الى القيام بأعمال التبشير في أفريقيا الاستوائية لزيادة عدد اتباع (يسوع) هناك. خلاصة الامر فقد كان ولفنجستون مبشرا ولم تكن رحلاته إلى افريقيا وآسيا إلا تمهيدا لاستعمارها عسكريا.

يقول ولفنجستون في أحد تقاريره المرسلة الى الجمعية التبشيرية اللندنية : (إن نهاية الاكتشاف الجغرافي هي بداية العمل التبشيري ، وهذه حقيقة كلية إذ أنه من المحال أن تكتشف ارضا جديدة دون أن ينبه ذلك فينا شوق دعوة اهلها الى الإنجيل). (5)

فعندما دخل ولفنجستون جزيرة هاييتي (اسبانيولا) برفقة بحارة اسبان وهو يرتدي لباس الرهبان ويحمل الصليب بين يديه وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة ، انشغل ضباط الرحلة والجنود أول الامر بإكتشاف الجزيرة وهل تملك وسائل دفاع أو جيشا ، وعندما تبين لهم أن سكان الجزيرة أناس مسالمون ، قاموا باحتلال الجزيرة (وقد تولى هذه المهمة كل من الجنرال دييغو فيلاسكيز ، وومساعده بانفيلودونار ، فأبديا من ضروب القسوة والوحشية ما لم يسبق له مثيل ، متفننين في تعذيب سكان الجزيرة بقطع اناملهم وفقء عيونهم ، وصب الزيت المغلي والرصاص المذاب في جراحاتهم وإحراقهم أحياء على مرأى من الاسرى ليعترفوا بمخابئ الذهب ويصبحوا نصارى ! وقد حاول ولفنجستون اقناع الزعيم (هاتيهاي) باعتناق الدين المسيحي ، وكان مربوطا إلى المحرقة ، فقال له الراهب : أنه اذا اعتنقها سوف يذهب الى الجنة. فسأله الزعيم الهاييتي : (وهل في الجنة اسبانيون) ؟ فأجاب الراهب : (طبعا ، ماداموا يعبدون الاله الحق !!) فما كان من الزعيم إلا أن قال : (إذن ، أنا لا أريد أن اذهب الى مكان اصادف فيه أبناء هذه الأمة المتوحشة). (6)
هذه هي المسيحية غدا واليوم.

المصادر : 
1- إنجيل متى 27: 55 (وكن قد تبعن يسوع من الجليل مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي).
2- إنجيل لوقا 14: 23.
3- إنجيل لوقا 22: 36.
4- إنجيل متى 10: 34.
5- التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، الدكتور عمر فروخ ، الطبعة الرابعة سنة 1970 بيروت.
6- نقلا عن جريدة الحياة اليروتية ، العدد : (2494) السنة التاسعة ، الاربعاء حزيران سنة : 1954 م.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=131958
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 03 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18