• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ياليتني كنت ترابا .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

ياليتني كنت ترابا

 في العموم فإن قول الإنسان : ياليتني كنت ترابا . أمنية يتمناها في مواقف معينة يتمنى فيها انه لم يُخلق ، فهي تُقال عند الحزن والألم أو اليأس الشديد نتيجة لعاقبة بعض الأمور أو المصير الذي يصير إليه الإنسان في نهاية أي أمر يسوئه، وهو شبيه القول : (يا ليت امي لم تلدني).(1)

وكذلك مثل قول مريم سلام الله عليها (ياليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا). (2) فجميعها تعطي نفس المعنى .وشبيههُ قول عائشة : (ياليتني كنت نسيا منسيا). قالته عائشة عندما احتضرت وتذكرت معركة الجمل وكثرة من قتل فيها من المسلمين فقالت: ( إن يوم الجمل معترض في حلقي، ليتني مت قبله، أو كنت نسيا منسيا). (3). فكلا القولين يعطيان نفس المعنى في تمني الخاطئ أنهُ لم يُخلق.

والنسي هي خرقة الحيض التي لا يطمع بها أحد . وفي معناها الاعمق ، اي ان بيضتي التي خُلقت منها يا ليتها سقطت ولم اكن.
في تفسير سورة مريم قال الفراء : النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها ؛ فقول مريم : ( نسيا منسيا ) أي حيضة في خرقةٍ مُلقاة.

وفي تفسير الطبري (ويقول الكافر يومئذ ياليتني كنت ترابا . تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به، يا ليتني كنت ترابًا كالبهائم التي جُعِلت ترابًا. لأن البهائم لا عذاب عليها إنما تذهب مباشرة للتراب وفي الحديث : إن الله يحشر الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير: كونوا ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا).(4)

وقد ورد في بعض التفاسير أن أمنية الكافر هذه لها علاقة باللقب الذي منحهُ رسول الله (ص) لعلي (ع) وهو أبو تراب وفي ذلك اقوال ، منها ــ وهو الذي يتبناه المخالفون ــ بأن عليها غاضب فاطمة (ع) ثم خرج من البيت ونام في المسجد واصاب التراب شقه ، فجاء النبي وقال له قم يا ابا تراب؟! وهذه الرواية لا تستقيم لأن الرسول (ص) لم يكن غمّاز لمّاز فهو لا يُطلق على الناس القاب جزافا ولم يكن لاعبا وكل قوله حكمة يُلقيها الله على لسانه (لا ينطق عن الهوى) فلا يمنحُ وساما لاحد إلا عن استحقاق وحكمة إليهة ومن هنا ندرك عظيم اسرار هذا اللقب (أبا تراب).وأن عليا وفاطمة (ع) اجل وارفع شأنا من أن يتشاجرا وقد (اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) بنصٍ ثابتٍ من القرآن.ولذلك فإن عليا (ع) سبق خصومه وقطع عليهم الطريق لعلمه بأنهم سوف يُسيئون استخدام هذا اللقب وما سوف يفتريه عليه الحاقدون فقال عن فاطمة(ع) : (فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا. ولقد كنت أنظر إليها، فتنكشف عني الهموم والأحزان).(5)

وهناك حديث عن ابن عباس ، قال : سمعت رسول الله (ص) قول : (إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة قال ــ ياليتني كنت ترابا ــ أي يا ليتني كنت من شيعة علي) . (6) وتفسير ذلك هو أن الكافر باالاسلام او بالولاية عندما يرى كثرة أتباع علي عليه السلام وهم مثل ذرات التراب عددا وما يتمتعون به من زلفى ،يتمنى ان يكون مثلهم لانه من المعروف انه في آخر الزمان عندما يظهر المهدي سلام الله عليه سوف يُدين العالم كله له ويتّبعون ما هوعليه ، وبما أنه من اهل البيت ومن ابناء علي عليه السلام فإن من يتبعوه سوف يتبعون دينه هذا الدين الذي حاول معاوية ان يقضي عليه لانهُ يُمثل خط علي (ع) حيث اصدر معاوية اوامره لجلاوزته قائلا : (من رأيتموه على دين علي فاقتلوه واهدموا داره واقطعوا عطائه). (7) اي شردوا حتى عائلته واهله وعشيرته بعده واقتلوهم جوعا ــ اقطعوا عنهم العطاء ــ اي رواتبهم ورزقهم الذي كان يجري لهم من بيت المال.

معاوية هذا عندما شعر بدنوا اجله جزع جزعا شديدا فقال عندما احتضر قولا مشابها حيث قال (ياليتني لم املك ساعة).(8)

المصادر: 
1- الخنساء في رثاء أخيها صخر حيث قالت : الا ليتَ أمّي لم تلدني سويةً ــ وكنتُ تُراباً بينَ يديِ القوابلِ.

2- سورة مريم آية : 23.
3- بلاغات النساء: ٢٠ كلام عائشة، ومسند أبي يعلى: ٥ / ٥٧ ح ٢٦٤٨ قال : إسناده صحيح ومستدرك الصحيحين: ج٤ ص ٩ ذكر أزواج النبي.

4- تفسير الطبري تفسير الآية المذكورة. 
5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٣ - الصفحة ١٣٤.

6- مناقب آل أبي طالب ج 3 / ص111 ، لابن شهر آشوب ، طبعة مؤسسة العلامة للنشر، قم/إيران.وفي ذلك تجسيد لقول الرسول (ص) لعلي (ع) : (ابا تراب)) : روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال: (ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح به إذا دُعِيَ بها).يقول العلامة المجلسي (يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته (ع) بأبي تراب؛ لكونه (ع) صاحبهم وقائدهم ومالك أمورهم سمّي أبا تراب) . (البحار : 35/51) .

7- شرح نهج البلاغة (11/44-46) وانظر وصية معاوية الى واليه على الكوفة في تاريخ الطبري(2/112).

8- وقوله مأخوذ من قصيدة شعرية منها :
لعمري لقد عمّرت في الدهر برهةً * ودانت لي الدنيا بغدرٍ وغادرِ 
فيا ليتني لم أكن في الملك ساعةً * ولم أعش في لذات عيشٍ نواضر 
وكنت كذي طمرين عاش ببلغةٍ * فلم يك حتى زار ضيق المقابر




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=132259
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 04 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28