• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قرأءة في فتوى الدفاع المقدسة .
                          • الكاتب : عمار العامري .

قرأءة في فتوى الدفاع المقدسة

تعد زعامة المؤسسة الدينية الشيعية (المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف) الأقوى قراراً بين الزعامات الدينية في العالم الإسلامي والديانات الأخرى, وأصوبها رأياً, وأكثرها استقلالاً, طيلة مئات السنين الماضية, منذ أن وطأ الشيخ الطوسي ارض النجف الاشرف عام 448ه/ 1027م حتى تقلد سماحة المرجع الديني الأعلى الأمام علي الحسيني السيستاني زعامة الحوزة العلمية في النجف الاشرف عام 1993 م/ 1413 هـ.

وقد مرت مرجعية الإمام السيستاني بعدة مراحل مهمة متعددة, الأولى؛ مسؤوليته بالمحافظة على الحوزة العلمية بالنجف الاشرف, والمرحلة الثانية؛ مواكبة التغييرات السياسية التي حدثت بعد عام 2003, ومعالجته التحديات الخطيرة اتجاه أبناء الشعب العراقي, وكان التحدي الأول: دعوته للعراقيين كافة للمشاركة بالاستفتاء على الدستور الدائم عام 2005, والتحدي الثاني: يكمن في إخماده لنار الطائفية بعد تعرض مرقد الإمامين العسكريين "ع" عام 2006 للتفجير من قبل الزمر التكفيرية, أما المرحلة الثالثة؛ عندما تعرض العراق لاجتياح العصابات الإرهابية لمدينة الموصل في10 حزيران 2014, فبادر سماحته لإصدار فتواه (بالدفاع المقدس) والتي لم تصدر مثيلتها في العالم الإسلامي منذ مئة عام خلت.

ليست ذات مغزى عسكري وأمني فقط, لصد تمدد العصابات الإرهابية, التي كانت تنوي إسقاط حكومة بغداد, بذريعة الدفاع عن حقوق طائفة معينة, إنما كانت للفتوى المقدسة مضامين سياسية واجتماعية متعددة, لأنها تعد من نوادر الفقه الشيعي, فطوال قرن من الزمن, ورغم صدور العديد من الفتاوى الجهادية الدفاعية مماثلة, لم نجد هناك فتوى أوضح إبعاداً واشمل مدلولات بالشكل والمضمون, تبرز خلال فترة زمنية لم تتعد السنة, فكل تلك الفتاوى المباركة, التي سبقتها لم تشخص أبعادها ألا بعد مالا يقل عن عقد من الزمن, أو أنها تقتصر على بُعد معين رغم أهميته, ألا فتوى الدفاع المقدس للإمام السيستاني, وبسبب التداعيات العقائدية والفكرية والسياسية والاجتماعية, التي تسببت بصدورها, فضلاً عن حالة الغليان نتيجة اجتياح بلد كالعراق, يمتلك أرثاً دينياً وحضارياً وتاريخياً, ويعتبر عاصمة دولة التمهيد للظهور الشريف لمقام الحجة المهدي المنتظر "عج", من قبل عصابات إجرامية تحمل أفكاراً تكفيرية مدعومة إقليمياً ودولياً, وتسعى لتدمير الثقافات والحضارات المتعاقبة في العراق منذ أكثر من (6000) سنة. 

حيث ثبت من خلال الفتوى المقدسة إخمادها بوادر الفتن الطائفية والحرب الأهلية المخطط لإشعالها, والتي كادت تجر المنطقة إلى تقسيمها الجيوسياسي, رسمت حدوده في دوائر المخابرات الإقليمية والدولية, كما أن الفتوى المقدسة شخصت أخطاء مرحلة ما قبل صدورها, ليكون العراق والعالم بعد ذلك أمام حقيقة ولادة "الحشد الشعبي" الوليد الشرعي لفتوى الدفاع المقدس, والركيزة الأساسية لإنقاذ الوطن والمقدسات, الذي استطاع بالتوكل على الله وأرادته العقائدية مسك زمام المبادرة الأمنية والعسكرية على الأرض, وإلا ما كان هناك موطن اسمه العراق.

إن فتوى الدفاع المقدس للسيد السيستاني شكلت منعطفاً مهماً في حياة العراقيين خاصة والشيعة عامة, وإنها أنهت السجال والجدل غير المباشر حول من هي الزعامة الشرعية للمذهب عامة؟ فقد أثبتت المواقف والتضحيات الجسام, بأن المرجعية الدينية هي القيادة الحقيقية للإرث الحضاري والتاريخي للشيعة, وأيضا أغلقت الأبواب أمام الانتهاك المتوقع لحرمة المقدسات, بفضل اندفاع المجاهدين والقيادات الميدانية, والذين برزوا البعُد الوطني للفتوى المقدسة, بعد استجابتهم على مختلف منابعهم ومشاربهم وتوجهاتهم للتصدي للزمر التكفيرية التي أرادت تدمير حضارة بلاد الرافدين, كما إن لأبناء العشائر الأصيلة الدور الكبير بالوقوف بحزم لإفشال كل مخططات الإرهاب, الذي تمادى ودنس ارض الأنبياء, لأسباب منها؛ انخفاض المستوى المعرفي للنخب المتصدية في المجالات الاجتماعية والتعليمية, والذي خلف أزمة في الوعي المجتمعي والسياسي فضلاً عن الفكري.

ولم تقتصد المرجعية الدينية على إصدار الفتوى المقدسة, وإنما قدمت بعدها لائحة (المقاتل المثالي), وهي مجموعة من التوصيات التي أصدرها السيد السيستاني, لتكون بمثابة مسارات وإرشادات ليس فقط لمجاهدي الحشد الشعبي والقوات الأمنية في العراق, إنما تصلح أن تكون (لائحة لحقوق الإنسان) في الجانب العسكري والحربي لكل جيوش العالم. 

وأن حكمة الإمام السيستاني وبُعد نظره, واطلاعه التفصيلي على الإحداث جعلته يتخذ القرار المناسب بالوقت المناسب, ليبقى صوت المرجعية الدينية عالياً شامخاً على جميع الأصوات, وإنها ودليلاً على عقليته القيادية وقيادته الحكيمة والحريصة على الأمة, حيث مثلت قوة وجود المرجعية الدينية العليا, وقراءتها الإستشرافية للمستقبل. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=132849
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 04 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29