• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل يستطيع البشر الاتصال بالجن وهل سُحر الأنبياء ؟ (1) .
                          • الكاتب : مصطفى الهادي .

هل يستطيع البشر الاتصال بالجن وهل سُحر الأنبياء ؟ (1)

 بالامكان حسم الموضوع بآية قرآنية واحدة تدل دلالة واضحة بأن الأنبياء ايضا لا يستطيعون رؤية الجن إلا بإذن الله ولبعضهم وليس كلهم وحسب مقتضيات المرحلة التي يُبعثون فيها. 
توحي لنا الآية القرأنية بقولها : (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا). (2) اجمع المفسرون على أن النبي لم ير الجن بل صرفهم الله إليه وهو يتلو القرآن فاستمعوا وآمنوا وهذا ما نراه واضحا ايضا في قوله تعالى : (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن). (3) واتفقت كلمة المفسرين أيضا على أن النبي (ص) لم يعلم بهم ولم يشعر أنه صُرِف إليه، حتى أخبره الله بذلك وأمره ان يخبر قومه بذلك.(4) 
ولربما يحتج البعض بأن القرآن أيضا يقول : (وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا). هذه الآية تحكي حال اهل الجاهلية وإيمانهم بالخرافات فعن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: (كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما). (5) وقال المفسرون : كان الرجل في الجاهلية إذا نـزل بواد قبل الإسلام قال: أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.وقال المفسرون في معنى قوله تعالى : (فزادوهم رهقا). فيزيدهم ذلك خوفا والرهق هو (الفرَق) اي الزيادة في الخوف والعذاب النفسي، ومنه أخذ الارهاق والارق الذي يمنعهم من النوم لشدة فرقهم من الجن ان يتلبسهم وهم نيام ، وعند الصباح عندما يستيقضون يخجلون من انفسهم لما عاشوه من ارق بسبب تلك الاوهام.

الناس عندما يروا افعال الانبياء الخارقة ومعاجزهم التي لا يجدون تفسيرا لها يرمونهم بأنهم على اتصال بالجان وان الجان يُساعدونهم عن طريق السحر فيوهمون الناس بهذه المعجزات . ولذلك نرى ان كل نبي أتى إلى قومه رموه بالسحر وان فيه جان وقد اخبرنا القرآن بذلك بقوله : (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ او مجنون).(6) ومن ذلك ما قاله فرعون للسحرة عن موسى : (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). (7) وهذا ايضا قيل عن السيد المسيح من انه يشفي الناس عن طريق الجانّ والسحر الذي علمه إياه رئيس الشياطين (8)

وكان آخرهم محمد (ص) عندما رماه قومه ايضا بالسحر والجنون او الجانّ : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا).(9) وقالوا عن نبي الله نوح : (إن هو إلا رجلٌ به جنةُ). اي انه مجنون او به مسٌ من الجان. وقد استغل بعض ضعاف النفوس قوله تعالى : (يتخطبه الشيطان من المسّ). فقالوا بأن الشيطان يخترق الانسان ويترك اثرا واضحا عليه فقيل للانسان بانه ممسوس . وهذا من الاخطاء الفاضحة لأن الآية وباجماع المفسرين تتعلق بيوم القيامة و من يتعامل بالربا حيث يقوم من قبره كالمجنون المصروع (قال: المرابون يبعثون يوم القيامة وبهم خَبَل من الشيطان).

واما قوله تعالى : (الذين اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا الله). المسّ هنا هو الغضب على قول اغلب المفسرين (وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه، وذلك كالغضب والوسوسة. وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزلَّه عن طاعة ربه، أو يوسوس له. والوسوسة والاستزلال هو الطائف من الشيطان).

أما علميا فإن العلوم التجريبية المادية لا تؤمن بغير المحسوس ولا تؤمن بما وراء الغيب فكل مدار بحثها في المادة وما ينتج عنها فقط ، اما علوم الغيب فقد انكرتها تماما . فكل من يطلب منك علميا ان ُتثبت شيئا غيبيا فهو واهم إنما علوم الغيب علوم عقلية ذات بعد روحي. ولذلك حاربت كل الأديان فكرة استحضار الأرواح والاستعانة بالجان أو ضرب الاكباد وتفريق الترافيم او الاتصال بالتوابع ، وفسرت ما يُصيب الانسان من امراض او جنون على انها اصابات وامراض نفسية او خلل في بعض وظائف الدماغ، وقدمت البحوث والعلاجات لهذه الحالات.

أما دينيا فإن الدين ينفي ان يكون هناك اتصال بين الإنسان والجان وقد اعلنت الأديان الحرب على هذه الممارسات فيقول (لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع، فتتنجسوا بهم. أنا الرب إلهكم).(10) يقول القس فكري في تفسير الفقرة أعلاه : (كانوا يتصورون أن الجان مخلوقات روحية مستقلة أو هم أرواح الموتى ومنهم من قال أنها الشياطين، ومنهم من قال إنها صورة خيالية. وهم كانوا يحاولون الإتصال بها كقوى فوق الطبيعة لمعرفة المستقبل وإلحاق الضرر بأعدائهم. وكان هناك من يسمونهم التوابع وهؤلاء أشخاص تدخل فيهم هذه الأرواح وتتكلم على ألسنتهم. وكان هؤلاء التوابع ينبئون عن المستقبل مثل روح العرافة الذي أخرجه بولس الرسول وهذا ما يسمى الآن تحضير الأرواح والعمل وفك العمل والحجاب وكلها من أعمال الشياطين. وهذا يُحَرِّمَه الله لأن معناه الوحيد أن الله غير قادر على حمايتى وتدبير أمورى لذلك فأنا أذهب للشيطان ليحمينى وبذلك يتم تحويل الناس من عبادة الله إلى عبادة الشياطين والايمان بالجان وغيرها من الارواحيات الكاذبة.(11)

التوراة وفي ظلمها المعهود للأنبياء زعمت أن بعض الأنبياء يلجئون إلى الجان ولكن الله يُميته كما يقول :(فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب لأجل طلبه إلى الجان للسؤال). (12) 
فهذا النبي وحسب قول التوراة لم يلتزم بما امره الله من عدم الالتجاء للجان فاماته الله. وكان الله قد حذر هذا النبي و امره ان يقوم بتبليغ الناس بأن لا يلتفتوا إلى اعمال الشياطين ومحاولة الاتصال بالجان لأن ذلك نجاسة للروح : (لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع، فتتنجسوا بهم. أنا الرب إلهكم.( (13) ثم اصدر الله حكمه بقتل كل من يتجه في اعماله للجان او التوابع واعتبر ذلك من زنا الروح فقرر قتل من يقوم بذلك : (والنفس التي تلتفت إلى الجان، وإلى التوابع لتزني وراءهم، أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها). (14)

ومن جملة الاعمال التي يعتبرها الناس وسيلة اتصال بالجان وتعلم السحروالتي نعتبرها من وساوس النفس والتي يُترجمها الناس على انها طلبات الجان وخداع الشياطين الطلب من الانسان امور ترهقه جدا مثل ان يقتل ابنه بأن يرميه في النار حيّا حتى ينجح عمله ، ولكنه في نهاية الامر يكتشف خسارته لابنه وعدم تحقق مراده ومن ذلك ان (منّسي) احد حكام اليهود ــ ويُقال انه نبي ــ بعد أن منّ الله عليه بالحكم انحرف واخذه الغرور واستخدم كل ما من شأنه ابعاد الناس عن الله واغاظته واستخدم كل الوسائل من اجل ادامة ملكه واخافة الناس يقول الكتاب المقدس (ورمى ابنه في النار، وعاف وتفاءل واستخدم جانا وتوابع، وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته). (15) وبسبب هذه الأعمال ازال الله ملك منّسي ودفعه الله إلى يد اعدائه فأصبح غنيمة ونهبا لجميع أعدائه ولم ينفعه جانّ ولا سحر بل زال ملكه بسبب هذه الأوهام .
ونظرا لاستخدام الملوك والاباطرة والقياصرة والكهنة للسحر وبكثرة فقد رمى اهل مكة محمد صلوات الله عليه بالسحر فقالوا عنه ساحر لاعتقادهم بأنه ايضا يفعل مثل اولئك الملوك. (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ او مجنون).

فكثير من الناس وحتى من ذوي النفوذ والسلطة عندما يُصيبهم الفشل بسوء تدبيرهم بدلا من أن يلجئوا إلى الله وعقولهم التي وهبهم او مستشاريهم يهرعون إلى هؤلاء الدجالين الذين يستنزفون ما تبقى لهم من مال. ولو القيت نظرة بسيطة على هؤلاء الدجالين لرأيتهم ضعاف النفوس فقراء يرتزقون على امثال هؤلاء الموسوسين ولو كان عند هؤلاء المشعوذين اي اتصال بالجن او المخلوقات الاخرى أو أنهم يستطيعون تغيير حال أي انسان لبدأوا بأنفسهم ولأصبحوا أثرياء من دون اللجوء إلى ابتزاز الناس واخافتهم وسلب اموالهم عن طريق الاحتيال والشعوذة. مثل شخص يزعم ان عنده (حجر الرزق) خرزة لجلب الرزق وانه يريد ان يبيعها . فلو كانت فعلا حجر رزق لما باعها ولأثرى بسببها والمشكلة ان الناس يُصدقون ويشترون امثال هذه الاحجار التافهة بالمبالغ الخيالية.

المصادر: 
1- يوعز مؤلف قاموس الكتاب المقدس دائرة المعارف الكتابية المسيحية إلى ان الجان كلمة غير معروفة في اليهودية والمسيحية فيقول : ( نلاحظ أن كلمة الجان لا توجد إلا في الترجمات العربية ولعلها تأثرت بالفلسفة الإسلامية في الترجمة).فمع ورود كلمة الجن والجان في الكتاب المقدس ولمئآت المرات إلا أن القاموس يقول بانها تسللت عبر الترجمات العربية من العرب والمسلمين. 
2- سورة الجن آية : 1.
3- سورة الاحقاف آية :29.
4- تفسير الطبري راجع تفسير الآية 1 من سورة الجن. 
5- تفسير الطبري وتفسير الامثل وغيرهم . 
6- سورة الذاريات آية : 52.
7- سورة الشعراء آية : 49. 
8- كما في إنجيل متى 9: 34 حيث رمى اليهود عيسى بأنه إنما يشفي المرضى بمساعدة رئيس الجن الذي علمه طرقا سحرية لشفاء المرضى : (أما الفريسيون فقالوا :برئيس الشياطين يخرج الشياطين). اي بما علمه رئيس الجن من سحر.

9- سورة الفرقان آية 8 . ويقول كذلك في سورة يونس آية :76 : (فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحرُ مبين).في الدرجة الأولى يأتي القرآن كاوثق واصدق حديث وعليه المعوّل وإليه المرجع اما ما يرد في الاحاديث ففيه نظر ، ولذلك فإن القرآن وصف كل من يتهم النبي بأنه مسحور او اصابه السحر يصفه بأنهُ (ظالم) ولذلك لقوله تعالى : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا).واول من قال بأن النبي مسحور هو (عائشة) فهي اول من ظلم رسول الله ص واتهمته بأنه مسحور وقامت بتأليف قصة طويلة عريضة ، فكل من يؤمن برواية ان النبي مسحور او يتداولها فهو ظالمٌ لرسول الله (ص).
10- سفر اللاويين 19: 31.
11- شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري تفسير سفر اللاويين 19.
12- سفر أخبار الأيام الأول 10: 13.
13- سفر اللاويين 19: 31.
14- سفر اللاويين 20: 6. ولما كان زمن موسى زمن سحر فقد اعلن الله الحرب على السحرة فامر موسى بقتل السحرة كما يقول : (لا تدع ساحرة تعيش).ثم اعطاه العصا ليُبطل بها السحر اي يكشف بها مكر السحرة. سفر الخروج 22: 18. 
15- سفر الملوك الثاني 21: 6.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133494
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28