(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم).(1)
نستدل بهذه الآية على أن الصوم واجبٌ مارسته جميع الأمم ولكن صورة الصيام في تلك الاديان غير معروفة نظرا لكثرتها وتنوعها واختلافها في الكتب المقدسة وكل تشريعات الصيام صدرت عن اشخاص عاديين وليس تشريع إلهي نزل به الوحي على انبياءهم كما يتضح ذلك من خلال النصوص التي حفلت بها الكتب حتى انهم صاموا إذا أرادوا قتل شخص وسلب ماله ، وأن داود صام لكي يخدع ربه فيعفوا عن ولده الذي انجبه من زنى وهكذا في المسيح الذي صام امتثالا للشيطان ثم فشل في الامتحان.
ولكن ما نريد قوله هو أن في الاناجيل الأربعة توجد نصوص تُشير إلى أن السيد المسيح عليه السلام لم يأمر اتباعه بالصوم بل امرهم أن لا يصوموا إلى أن يُرفع عنهم إلى السماء وهذا ما نقرأه في ثلاث اناجيل بينما سكت الإنجيل الرابع عن ذكر اي شيء يتعلق بذلك .فهل كان السيد المسيح عائقا عن صيام من يتبعه ويؤمن به؟ فقد كان اتباعه يُلحون عليه بأن يصوموا كما يصوم أتباع يوحنا ولكن المسيح كان يرفض.
ففي نص غريب أورده كل من متى وولوقا ومرقص يقولون فيه : (وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون، فجاءوا وقالوا له: لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين، وتلاميذك لا يصومون فيأكلون ويشربون؟ فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا. ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام).(2)
إذن يتبين من هذا النص أن يوحنا كان يأمر أتباعه بالصيام حسب الديانة اليهودية وكان اليهود يعتقدون أيضا أن السيد المسيح ايضا نبي محلي حيث فهموا من قوله : (بأنه لم يأت لكي ينقض رسالة موسى بل ليُتمها) ولذلك استغربوا عدم صيام السيد المسيح وتلاميذه واتباعه يأكلون ويشربون ليلهم ونهارهم. ولذلك طرحوا هذا السؤال ، لأنهم يعلمون بأن أي نبي يأتي إما ان يكون تابعا للنبي الذي قبله ، او يكون مستقلا في رسالة خاصة تنزل عليه ولذلك كان لابد له من ان يأتي اتباعه بالعبادات مثل الصوم والصلاة وغيرها.
ولكن السائلين فاجأهم جواب السيد المسيح من أن أتباعه لا يصومون ما دام هو فيهم ولكن متى ما يُغادرهم ويرتفع عنهم إلى السماء ، عندها سوف يصومون، وهذا من أغرب الأجوبة حيث أن النبي يجب ان يكون القدوة في كل شيء فلا يُمكن أن يأمر أتباعه بشيء لم يُمارسه هو امامهم فيتأسون به.
وفي هذا النص اشارة لطيفة جدا لربما لم يلتفت لها احد من قبل وهي قول السيد المسيح (متى ما ارتفع عنهم العريس) . فهذه إشارة إلى أن السيد المسيح سوف يتم رفعه وسط حشد من الملائكة كأنه عرّيس يُزف إلى عروسه وهذا النص ينفي الصلب. وعندما يُرفع سوف يصوم المسيحيون احتفالا بمناسبة نجاة نبيهم من الموت ورفعه إلى السماء ، كما أن اليهود يصومون ابتهاجا بنجاة موسى من فرعون.وكما احتفل المسلمون بقدوم النبي محمد (ص) ونجاته من قريش.
السؤال المطروح على الاخوة المسيحيين هو : هل فعلا أن السيد المسيح أمر اتباعه بعدم الصيام إلا بعد رفعه إلى السماء ؟ فإذا كان كذلك أين آيات الصيام ومن الذي سوف ينزلها بعد رحيل السيد المسيح هل سوف ينزل الوحي على أحد غير السيد المسيح ، كيف سيكون ذلك ؟ ومالنا لا نرى المسيحيين يصومون بمناسبة رفع السيد المسيح إلى السماء كما امر المسيح كما يقول النص (متى ما ارتفع عنهم سوف يصومون). أين هذا الصيام؟
المصادر :
1- سورة البقرة آية : 183.
2- إنجيل مرقس 2: 19. إنجيل لوقا 5: 34.وإنجيل متى.
|