• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الصّومُ والبرمجةُ العقليّة .
                          • الكاتب : زعيم الخيرالله .

الصّومُ والبرمجةُ العقليّة

كثيرٌ من الناسِ يَصعُبُ عليهِ الخُروجُ من عاداتِه التي اعتادَها ، ومألوفاتهِ التي أَلِفَها ، وَرُوتينِ الحياةِ الذي أَدمَنَ عليه ؛ فيأتي الصومُ لِيَكسِرَ العادةَ والمألوفَ والروتينَ.
نَحنُ كَبَشَرٍ تَتَحَكَمُ فينا (الصورةُ الذِّهنِيَّةُ) ، وقد تكونُ هذهِ الصورةُ الذهنية مطابقةً للواقع فتكون حقيقة ، وقد لاتكون مطابقةً للواقعِ فتكون انطباعاً خاطِئاً او (اعتقاداً خاطِئاً) (Misbelief) .
كيف يمكن للصوم ان يغير الصورة الذهنية؟
----------------------------------------
للصوم ثلاثةُ مُستَوَياتٍ :
1- الصوم الفقهي : وَيُعَبَّرُ عنهُ بصومِ العَوام ، وهو صيامُ عامَّةِ الناسِ وهو : صيامٌ عن امورٍ مُحَدَدَةٍ ، ذَكَرَتها المُدَوَّناتُ الفقهيةُ منها : الاكل والشُرب والجماع .... وهذا الصوم أدنى مراتب الصيام ، ويتعلقُ بالجانب الجسدي من الانسان .
البعض من الناس الذي اعتاد الاكل والشرب والعلاقات الاخرى يتصور انه ليس بامكانه ان يصوم ؛ لانه لايقوى ان يترك الطعام والشراب ، وهذا ناتج من الصورة الذهنية الخاطئة . قبل شهر رمضان اعتاد هذا الشخص ان ياكلَ ويشربَ بمواقيت محددة ... ولكنه بممارسته للصيام يكتشف انه بامكانه ان يصوم والسبب انه كانت لعقله قبل شهر رمضان برمجة مختلفة ، وفي هذا الشهر تَتُمُّ برمجةَ عقلهِ بطريقةٍ مُختلفةٍ، فتتغير الصورةُ الذهنيةُ السايقة التي كانت اعتقاداً خاطئاً بعدم قدرته على الصوم ، الى صورة ذهنية تعبر عن الواقع وهي : قدرته على الصوم .المهمُّ ان يستبدلَ الانسانُ الاوهامَ والانطباعاتِ الخاطِئةِ التي تعشعش في عقله بالحقائق . وهذا مايقومُ به الصومُ.
الصوم محاولة لاكتشاف الذات ، واكتشاف قدرات الانسان ، واردته القوية على التحمل والصبر ، حتى تتحقق ملكة التقوى عند الانسان وهي الحكمة من الصوم كما يقول الله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)، سورة البقرة .
2- صوم الجوارح: وهو ان تصومَ كلُّ جوارحِ الانسان ، تصومُ عينُهُ عمّا لايحل النظر اليه ، ويده عن البطش والاعتداء والتجاوزعلى الاخرين ، وتصوم رجله عن العدوان وعن السير في دروبٍ يحرمُها الله على عباده. هذا الصوم هو صومُ الخواص . الصيام الشائع عندنا هو الصوم الاول ، اما الثاني فقليل من الناس يصومون هذا المستوى من الصوم .
البرمجة العقليّة لها دور في رفع مستوى الصوم عندنا ، حينما نبرمج عقولنا على ان لانقترب من محرمات الجوارح ، كمحرمات اللسان : الغيبة والنميمة .
البرمجة العقليّة تعتمد على كسر الصورة الذهنيّة السائدة بعدم قدرتنا عن الكف عن محرمات الجوارح ، هذه الصورة قائمة على اعتقادٍ خاطئ ، على اوهامٍ بعدم القدرة على ترك معاصي الجوارج ، واستبدالها بصورة ذهنيّة مطابقة للواقع تعبر عن ( الحقيقة) ، وهي : قدرتنا على اجتناب معاصي الجوارح .
3- صوم الجوانح : هي صوم دواخل الانسان فكره ونفسه واعماقه عن مجرد التفكير بالمعصيّة . في قِصَةِ يوسُف جاءت الايةُ تُعَبِّرُ عن امرأة العزيز : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ ) ، فقد تحققَ الهَمُّ منها : فالاية استخدمت الفعلَ الماضيَ الدالَّ على التحقق ، وقد التي تفيد التحقيق واللام ، وهي لاتمتلكُ غطاءربانيّاً كغطاء يوسف (ع) يعصمها عن الهم ، وهذا الغطاء هو البرهان الالهي الذي اراه الله لنبيه يوسف (برهان ربه ) ، اما بالنسبة ليوسُف فقد نفت الاية الهَمَّ لوجودِ برهانِ ربه: وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ
ابتعد يوسف (ع) عن الهَمِّ بها لوجود برهان ربه ؛ لان لولا حرف امتناع لوجود .
كل الهواجس الشيطانية والنفسية يصوم عنها اولياء الله تعالى . وهنا اريد ان اتحدث عن دور الصيام في معالجة الغضب . المستوى الثالث من الصوم بامكانه ان يعالج الغضب من خلال كسر الصورة الذهنيّة التي تصور الانسان الواقع في قبضة الغضب واسره ؛ بانه غيرُ قادرٍ على ان يتخلص من غضبه . هذا وهم ومعتقد وانطباع خاطئ ، فالانسان بامكانه ذلك ، وصوم الجوانح ، الصوم عن كل فكرة شيطانية اوهوىً نفساني ، يساعد الانسان ان يتخلص من غضبه وعقده وكابته ، انه صومٌ يستهدف تطهير الاعماق ، صوم يصوغ الانسان من داخله صياغةً جديدةً .الغضب طاقة كامنة بامكان ان يتحكم فيها اذا اراد ، اما اذا استسلم لهذه الطاقة الهوجاء ، فانها ستدمرُ وتحيلُ حياتَهُ جحيماً لايطاق.
قد يقول قائل : ولماذا صومُ الجوانح ؟ اذا كان الانسان قد ضبط نفسه وضبط جوارحه عن ارتكاب المعصية ، فماذا يؤثر التفكير بها في دواخل الانسان ، والمطلوب ان لاتقع المعصيةُ خارجاً؟ والجواب هو : ان التفكير بالمعصية يترك اثاره السلبية على النفس والعقل . الافكار السلبية تشوه روح الانسان واعماقه ، كما يشوه الدخان منظر البيت الجميل حتى لولم يقع حريقاً يتلفُ البيت.
كل ذلك يتُمُّ من خلال البرمجةِ العقليّةِ التي يسهم بها الصيامُ في هذا الشهر المبارك.
اتمنى للجميع صياماً مقبولاً ، وان يحققَ الصوم اهدافه وغاياتِهِ.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133641
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28