• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نظرة نفسية في الطغيان أو الطغوان !! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

نظرة نفسية في الطغيان أو الطغوان !!

الطغيان في اللغة من طغى يطغى طغيا ويطغو طغيانا , أي جاوز القدر وارتفع وعلا في الكُفر.

وأطغاه المال : جعله طاغيا.

وطغى الماء : إرتفع وعلا على كل شيئ فاخترقه.

وطغى السيل : جاء بماءٍ كثير.

وطغى البحر : هاجت أمواجه.

والطغيان والطُّغوان لغة.

 

وعندما نعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية , فأنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان.

فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين , فأما المواجهة أو الفرار , وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار , لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات.

 

فالمواجهة رغم صعوباتها , لكنها ذات محفزات ومعززات لا محدودة , تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه الإستبدادي حتى النهاية.

 

وكأنه في سباق نحو الهاوية , وكل ما يقوم به ويفكر به ويقرره , إنما من أجل إطالة مسافة السباق وحسب.

فالطاغية ليس غبيا أو جاهلا , وإنما يتمتع بقدر متميز من الذكاء , الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين , الذين يمنحهم المواصفات والمسميات التي تبرر محقهم والفتك الفظيع بهم.

 

ومنبع السلوك الطغياني هو فقدان الأمان الداخلي , ومعظم الطغاة هم الذين فقدوا هذا الشعور في طفولتهم , وصار الشك والتوجس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم.

 

فإن كانوا في عائلة فأن سلوكهم الطُّغواني يتكشف , وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي فيكون تعبيرهم أوضح.

 

وكلما إمتلك هذا الشخص قوة أكبر , كلما إنطلقت آلياته الدفاعية المنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المتأسنة في أعماقه.

 

وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدملة المملوءة بالأقياح , والتي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.

 

وبعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري , وآخرون يحسبونه تعبيرا عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة, وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك , والتي تسببت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس , أو الطفولة المهملة والمنبوذة.

 

وفي واقع السلوك الإستبدادي ,  أنه إستجابات لمنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر , وتمعن في رد فعلها العنيف عليها, حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم , وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية , التي تدفع إلى إجراءات تعسفية قاسية ومرعبة.

 

ولهذا فأن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم , ولا يوجد في عرفهم وفاء أو صداقة, وإنما كل الآخرين أعداء وأعداء , ويتحينون الفرصة للفتك بالطاغية , ولهذا فعليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.

 

ومن رؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه , أن البشر إذا وُضِع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة , فأن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكا ومبررا للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة.

 

وفي واقع ما يدور هو إستحضار آليات الغاب وتأكيدها , والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والإفتراس الشرس للآخرين.

 

وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن تصديقها , إذا حسبناهم من البشر , ولا بد من وضعهم في خانة أخرى , ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر.

 

إن سلوك الطغاة لا يمت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم , وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية , فالتصرفات الوحشية الإفتراسية , التي يقوم بها الطغاة العتاة , لا يمكن للخيال أن يتصورها , ولا يتمكن عقل إنساني من إستيعابها والتصديق بها , والتأريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.

 

ترى مَن يُطعم الطغيان ويمده بقوته وعنفوان سلوكه؟!!

 

فهل أن الضعفاء يلدون الطغاة؟!!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133953
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19