• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٩) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (١٩)

   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.
   الصِّدقُ سلوكٌ وسيرةٌ وليسَ ما تقولهُ وتتحدَّث بهِ عن نفسِكَ، فالَّذين يدَّعونَ ذلك كثيرُون أَمَّا الصَّادقُونَ فقليلُونَ.
   والصِّدقُ يُصدِّقهُ البلاء وما يُنتجُ من واقعٍ ولا يُظهرهُ الرَّخاءُ! وبالصَّبرِ يصدقُ الصِّدقُ!.
   يَقُولُ تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ۗ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}.
   وإِذا أَردنا أَن نقفَ على معاييرِ الصِّدق فما علينا إِلَّا أَن نقفَ على سيرةِ الإِمام عليّ بن أَبي طالبٍ أَمير المُؤمنينَ (ع) [تُصادف ليلة التَّاسع عشر من شهرِ رمضانَ الكريم عام [٤٠ للهجرةِ] ذِكرى تعرُّضهِ فجراً لضربةٍ غادرةٍ من عدوِّ الله المُجرم إِبن مُلجم في محرابِ الصَّلاة في مسجدِ الكُوفة بسيفٍ مسمومٍ استُشهد على أَثرها بعدَ ثلاثةِ أَيَّام].
   يَقُولُ (ع) يصفُ علاقة الصِّدق بالنَّصر {فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ}.
   فما هِيَ معاييرُ الصِّدق في سيرةِ أَمير المُؤمنينَ (ع)؟!.
   ١/ لم يطلُب السُّلطة ولَم يتقاتل من أَجلِ الحصولِ عليها بذريعةِ أَنَّهُ أَحقُّ بها مِن غيرهِ أَو لسابقتهِ في الإِسلامِ والجهادِ، فلا دماءَ سالت ليتسلَّق السُّلطة ولا أَموال أَنفقها ليعتلي سدَّة الحُكم! ولَم يُرشِ أَحداً ولَم يوظِّف الدِّعاية والتَّضليل والغُش والتَّزوير للوصُولِ إِلى السُّلطة!.
   يقول (ع) يصفُ طلب الخلافةِ لَهُ {فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ}.
   وعندما اعتلى سدَّة الخِلافة رفضَ رفضاً قاطعاً أَن يلجأَ إِلى الظُّلم لتثبيتِ أَركانِ سُلطتهِ! كما رفضَ رفضاً قاطعاً ان يُداهن أَو يميِّز بينَ النَّاس لتثبيتِ سُلطتهِ، فضلاً عن أَنَّهُ رفضَ أَن يسندَ سُلطتهُ بأَوتادِ الظَّلمة والفاسدينَ والجبَّارين!.
   يَقُولُ (ع)  لمّا عُوتبَ على تصييرهِ النَّاس أُسوةً في العطاءِ من غيرِ تفضيلٍ إِلى السَّابقات والشَّرف؛
   {أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ}.
   ثمَّ قال {أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهَ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الاخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وَدُّهُمْ، فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وَأَلاَْمُ خَدِين!}.
   ويُضيفُ (ع) {لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ، وَلاَ يُضَارِعُ، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ}.
   ولذلكَ منعُ كلُّ ذَلِكَ في حكومتهِ! فعندما أَشارُوا عليهِ أَن يترُك الطَّاغية مُعاوية يتربَّع على كُرسي الولايةِ في الشَّام يوطِّئ لَهُ الخلافةِ كانَ جوابهُ {وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هذَا الاَْمْرِ وَعَيْنَهُ، وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطنَهُ، فَلَمْ أَرَلِي إِلاَّ الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ. إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الاُْمَّةِ وَال أَحْدَثَ أَحْدَاثاً، وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً، فَقَالُوا، ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّروا}.
   وفِي جوابهِ خُلاصةٌ لجوهرِ ما حدثَ من فتنةٍ إِنتهت بمقتلِ الخليفةِ الثَّالث الذي نخرَ الفسادُ المالي والإِداري في عهدهِ كلَّ مفاصلِ الدَّولةِ والمُجتمعِ!.
   ٢/ الصَّبر أَعظم أَسلحتهِ (ع) لحمايةِ الصَّالح العام، فلم يشأ أَبداً أَن يُضحِّي بهِ من أَجلِ مصالح خاصَّة أَو ضيِّقة.
   يَقُولُ (ع) {أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.
   فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً}.
   ويُضيفُ (ع) {فلمَّا مَضى(ص) تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِهِ(ص) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ!.
   فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الاِْسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد(ص) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الاِْسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الاَْحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ}.
   وقالَ (ع) لمّا عزمُوا على بيعةِ عُثمان {لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي، وَوَاللهِ لاَُسْلِمَنَّ مَاسَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خَاصَّةً، الِْتمَاساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ}.
   *يتبع...
 لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=134187
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28