• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أنام ملء جفوني عن شواردها .
                          • الكاتب : يوسف ناصر .

أنام ملء جفوني عن شواردها

(تعقيب على مقال الأخت الأستاذة زينة محمد الجانوديّ)

الأستاذة زينة !

             إنّ الخوض في غمار ضعف اللغة العربيّة في أقلام أبنائها وألسنتهم موضوع يحتاج إلى دراسة عميقة تستند إلى التجربة الكافية ،والبحث اللغويّ القائم على قواعده العلميّة الحديثة. وإذ أُجِلّ  فيك انتماءك الأصيل للغة الآباء والأجداد ، وأبعث لقلمك السيّال على أجنحة الأنسام من روابي الجليل الفيحاء تحيّة تقدير واحترام ، وقد أجاد وأفاد ، وفاض واستفاض في تحليل أسباب ضعف لغتنا العربيّة ، وإذ أوافقك في الرأي وأخالفك في بعض ما عرضتِه من أفكار وآراء تستحقّ كلّ عناية واهتمام ، لا أدري كيف فاتتك الإشارة إلى كفاءات أكثر مدرّسي اللغة العربيّة وأساتذتها في مدارسنا وجامعاتنا ! ولا أتوخّى فيما أقول التجنّي على أحد ، أو تنقُّص أيّ منهم ، فهم أبناؤنا وإخوتنا وأساتذة أولادنا . وفي نظري ، وقبل كلّ سبب ذكرتِه في مقالك ، أنّ واقع اللغة العربيّة وما بلغته من انحطاط وسقوط في عصرنا ، يعود إلى كثرة الشّهادات وقلّة الكفاءات لدى أكثر أساتذتها ومدرسيها ممّن لا يمتلكون ناصيتها، ولا يتضلّعون من أسرارها، ولا يغبّون من بحرها، ولا يعكفون على الدرس والقراءة الدائمة فيها ، لذا شاع اللحن على أفظع ما يكون ، وغدا الخطأ في استعمال مفرداتها صوابًا حين يكتب الناس ويتكلمون،  وصارت لدى "أربابها"  " فوضى لا سراة لها" قد فسدت ألسنتهم في معرفة دقائقها واستعمال أفعالها وأسمائها، وغدا الترحيل " تهجيرًا " والتأسيس "مأسسة" وقيسي عليه !  وحسبي معرفة في قولي هذا يوم كنت أحاضر في جامعة القدس وكلّية هند الحسينيّ ، وأدرّس في حلقات استكمال أُعدَّت لمدرّسي اللغة العربيّة في المدارس الإعداديّة والثانويّة في مدارس الجليل والقدس ، فقد شاهدت وعاينت ، وقرأت وسمعت ما يجلب الغمّ ويبعث الأسى ! فمدرّس العربيّة في عهدنا ـــ ولا أعني كلّ مدرّسيها ـــ يعتمد شهادة نالها من كلّية أو جامعة ، وتنتهي معرفته فيها عند هذا الحدّ من التحصيل وكفى . إنّ اللغة العربيّة يا أُخيّةُ ليست شهادة معلّقة على حائط ، أو اقتناء ألقابها بالطرق المعروفة ..إنها البحث والتقصّي والتبحّر في أسرارها ، والغوص في لججها، والبحث عن دررها في مظانّها وأمّهات مصادرها، وارتياد أزاهيرها في حدائقها، وتشمّم ورودها في رياضها !  فالمتنبي القائل " أنام ملء جفوني عن شواردها" لم يحصل على شهادة "دكتور" أو "ماجستير" من جامعة أو معهد ، فقد كدّ نفسه أعوامًا في تلقّفها عن الأعراب يوم تبدّى في بادية السّماوة ، وبفضل هذا وذاك من الأسباب " ملأ الدنيا وشغل الناس" ، مثَلُه في ذلك مثَلُ أبي تمّام والمعرّيّ والشّريف الرضي ّوغيرهم في العهود القديمة ، والشيخ ناصيف اليازجيّ وابنه إبراهيم اليازجيّ وفارس الشدياق وبطرس البستانيّ ومصطفى الغلايينيّ وخير الدين الزركليّ وغيرهم من اعلامها في العصر الحديث . أولئك لم تكن معرفتهم وقفًا على شهاداتهم بل كانت حصاد دراستهم ، وامعانهم في الاستقراء والتنقيب ، فتخرّج على أيديهم من الأبناء خير المدرّسين في بلاد الشام كالأستاذ نخله زريق ، وغير واحد من الأحفاد كإسحاق موسى الحسينيّ ومحمد إسعاف النشاشيبيّ وخليل السكاكينيّ وغيره . أولئك لم تتوقّف رسالتهم عند تلقين طلابهم قواعدها وآدابها خير تلقين ، وتحبيبها إلى قلوبهم بقدر ما كانوا يُعنَون أشدّ العناية في بعث الانتماء القوميّ وترسيخ الرابط الوطنيّ المنزّه عن الطائفيّة والعنصريّة بين طلبتهم ، فلا يسأل بعضنا بعضًا أنت مسلم أم مسيحيّ ! أسنيّ أم شيعيّ ! أسوريّ أم عراقيّ!. وعندي أنّه ما سقطت أمّة من الأمم في الأرض إلاّ بعد أن سقطت لغتها من ألسنتها ، وهي دليل حالنا وما نكابده اليوم ، فالأستاذ أيكة وارفة الظلال تتدلّى قطوفها ثمراتٍ يانعات ، حين ترتوي جذورها على ضفّة نهر ثرّ دفّاق،  وقد تكون شجرة قتاد ذاوية الغصون ذابلة الأفنان جرداء من كلّ ثمر لا تورق ، حين تعيش في أرض سبْخَة وصحراء تتلوّى أفاعيها من شدة الوهج والحرّ ، ولا رجاء في أن تعطي للسائرين في صحرائها ما ينقع الغليل ويطفئ الظمأ.

 كفرسميع ـــ الجليل الأعلى

*(الكاتب شاعر وأديب ومحاضر للّغة العربيّة)

Yousef.nasser@gmaiL.com


كافة التعليقات (عدد : 4)


• (1) - كتب : عشق كربلاد ، في 2020/11/20 .

أحسنت وليد البعاج سندك لكل شيء يخص زينة هو دعم لصوت المرأة في زمن قل فيه دعم النساء. استمر كن حاضر كل وقت، أنت رمز الانسانية.

• (2) - كتب : وليد البعاج ، في 2019/07/26 .

كلام عميق واحسنت استاذ ناصر بارك الله فيك ومقالاتك في موقع كتابات في الميزان احسنتم تحياتي لك

• (3) - كتب : زينة محمد الجانودي ، في 2019/07/25 .

سوف أنشر مقالك على صفحتي

• (4) - كتب : زينة محمد الجانودي ، في 2019/07/25 .

أشكرك أستاذ يوسف على هذا التعقيب ومنكم نستفيد كل الاحترام والتقدير لكم



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=135001
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 06 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19