هَرَعَ من كان في البيت على صوت صياح وبكاء... هرعوا إلى مكان نومها، وأحدهم يصطدم بالآخر، فقد كان الصوت مخيفاً مصحوباً بالصراخ، كادت قلوبهم تسبق أقدامهم ليروا وحيدتهم وما الذي أصابها! مدللتهم التي يتسابقون لتلبية حاجاتها... الأم كانت أسرع خطوات من الأب، لأن قلبها سبق كل خطوات العالم، دخلت وهي مدهوشة وضمّتها إلى صدرها... هنا انتهبت وهي تلمس أمها في كل ناحية من جسمها، وقد فتحت عينيها، كان الشرار يتطاير منهما ليحرق من بجنبها، وتتلعثم بكلمات: أمي، أمي، هل أنا أحلم أم ماذا؟ هل أنتِ أمي حقاً إلى جنبي؟ وهذا الواقف هو أبي؟ وهذا بيتنا؟ هل ما زلت على قيد الحياة؟ فأخذتها في حضنها الدافئ الذي اعتادت أن تستقر فيه وهي تهدئها... نعم أنتِ كما أنتِ! ها نحن معك ((حبيبة أمك الغالية)) تكلمي: ماذا حدث؟ مهلاً يا أمي، دعيني ارتشف قليلاً من الماء... كأني دُعيت إلى سفرٍ ، جاءني نداء: هلمّي إلى رحلة، وجهزي نفسك، وهيا بنا، هلمي معنا... فخرجت حتى وصلت إلى مكان يشبه المطار، أو مكان يذهب الناس فيه إلى أماكن مختلفة، حتى استوقفني اثنان لم أر اقبح منهما خلقة في حياتي! وأنا فزعة مرعوبة من قسوتهما... وسألاني بزجر: إلى أين؟ فتلعثمت بالكلام، وأجبتهم: جاءني نداء إلى رحلة! فنظرا في أوراقي وجوازي، ونظر أحدهما إلى الآخر نظرة كدت أُصعق من هولها، وقالا: انتظري قليلاً... وأنا أنظر إلى من حولي، أرى أناساً بملابس جميلة، يصحبهم أُناس بغاية الجمال وبغاية الرقة... وأرى آخرين يُسحبون بسلاسل ويصرخون يستغيثون! ولكن لا أرى أحداً يسمعهم أو يغيثهم! سألت وسألت، لماذا هم هكذا؟ فكانت الإجابة: لو لم تؤجل رحلتك لكنتِ معهم، فكم تبرجت وخرجتِ وأنتِ متزينة؟ كم ليلة نمتِ على صوت الغناء؟ وكم وكم وأنا في هذه الدهشة التفت إلي أحدهم وقال: قد أُجلت رحلتكِ إلى غير هذا الموعد...
|