• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حجاب البادية .
                          • الكاتب : باقر جميل .

حجاب البادية

 بينما انظر لصور مقبرة بادية السماوة التي اكتشفت حديثا ، وقع بصري على إحدى ضحايا المقبرة ، والتراب أخذ منها مأخذه ، فأزال ما كان يغطي عظمها ، وما كان ذا نعومة ورقة فجعلها بالية وعظما ، وإذ بالصوت داخل المقبرة يرتفع ، ويرتفع ، وبكل صيحة يتقطع لها نياط قلبي ، حاولت ان أشح بنظري ما استطعت ، لكن صوتها كان أقوى من ان أبقى شحيحا عليه .

نظرت واذا بي أرى حجابا على إحدى الجماجم ، وهي تنادى بصوت يذهب الانفاس من حزنه ولوعته ، امرأة تريد ان يسمع العالم حجم آلامها التي لاقته يوم التقى بها ملك الموت ، وماسات حجابها  الذي ينثر التراب عليه بتلك الساعة المروعة. 
سمعت تلك السيدة ناديني ، وناديني بحزن عميق ، وتقول لي ( إعلم يا بني أني قد ولدت من جديد ، وهذا حجابي قد ولد أيضا !؟ ).
 نظرت الى الجثة والحجاب ما زال ملفوفا على جمجمتها ، وعيوني ملئها الدموع لأنه لم يبقى منها سوى أنين العظام ، وحسرات الجماجم ،وصرخات الأطفال الذين دفنوا معها بنفس اللحظة ، شاهدت حجاب امرأة لم يسقط  عن رأسها ساعة المنية  ، وإذ بها تناديني مرة أخرى  :
اعرف ما تفكر به يا ولدي ، أعرف أنك تنظر لحجاب لم يزل ممسكا بجمجمتي ، بعد كل تلك السنوات التي كنت فيها معه تحت التراب ، فجزاه الله خيرا فقد كان لي مؤنسا في وحشتي .
لم أفقد حجابي يا بني  أمام طغيان المتكبرين ، امام ذروة  قوتهم ، وبأشد لحظات ضعفي ، ، بقيت ممسكة به والتراب ينهال على خدي وعيني ، بقيت ممسكة بحجابي وانفاسي تضعف رويدا رويدا أنا أبعد ما استطعت ما يسد هوائي ،بقيت ماسكة بحجابي ،  وقلبي يخفق بلحظاته الاخيرة وصار ملك الموت امامي ، فناداني واستجدت له حينها .
والان وقد خرجت عظامي مرة أخرى ،فإني يا بني  ممسكة به أيضا بعد أن اصبحت رميما .
خاطبت حجابها بلوعة ومرارة :
 أبعد كل تلك المدة ما زلت يا حجاب على جبهة صاحبتك ؟!
 قال  هيهات ان اتركها ، وهي التي لم تفارقني في ساعة موتها ، فكيف لي أن اتركها في ساعة ظهورها مرة أخرى ، لتروي لكم قصة قل نظيرها ، عن علاقة بيني وبينها !؟
رجعت وقلت لها ، أخبريني ما هي أشد لحظات ألمك ؟؟
قال : تألمت ، لا  بل قتلت مرتين يا بني !؟، الاولى انهم لم يراعوا ضعف بدني ، ودقة عظمي ، والثانية بانهم لم يحترموا حشمتي ولم يوقروا حجابي، لم تكن لديهم المروءة يا بني ، لذلك عزمنا ان نموت معا ، ولن نفترق أبدا .
حزنت لما لاقاه الحجابة وصاحبته ، من تهوين واستخفاف وقتل وتشريد، وبينما فكري شارد بين اللوعة والحزن والمرارة ، وهي تنظر الى ما أصابني  فقالت : 
لا تحزن يا بني ، فمهما قوي الباطل فانه زائل ، ومهما ضعف الحق فلن يغيب ، حاول الطواغيت نزع حجابي عن رأسي عندما هددوني بالموت ، لكني تمنعت فدفنت معه .
وسيجتمع الخصوم عند حكم عدل، لا يظلم عنده أحد أبدا ، وسأشكو اليه  ما لاقيت من محن ومصائب ، وتذكر يا بني  دائما قول السيدة زينب عليها، عندما أعتقد عدوها أنه انتصر عليها (فستحاج وتخاصم، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يبن مرجانة) ، سنجتمع يا بني  وسننظر لمن الفلج ،عندها سيكون يوم المظلوم على الظالم ، أشد من يوم الظالم على المظلوم ،ولينظر الذين ظنوا انهم ليسوا ملاقوا ربهم ، ماذا سيفعلون بيوم اللقاء ؟ (﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]،)
عندها لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من اتى الله بقلب سليم .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=136101
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29