• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تغييرُ المعايير قَبْلَ أَيِّ إِصلاحٍ .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

تغييرُ المعايير قَبْلَ أَيِّ إِصلاحٍ

                           مُقدِّمة؛
   *بتاريخ [٢٨ تمُّوز] المُنصرم أَجرى الزَّميل حسين رزَّاق، رئيس تحرير صحيفة [الوَطن الجديد] البغداديَّة، الحوار التَّالي حولَ الوضع الرَّاهن في العراق ومقوِّمات وسُبل التَّغيير للنُّهوض بالبلادِ.
   أَدناه نصِّ الحِوار الذي نشرتهُ الصَّحيفة في عددِها الصَّادر اليوم [الإِثنين (٥ آب)]؛
   س١/ ماهي قراءتك للمشهدِ السِّياسي الحالي؟ وما هو، باعتقادك، السَّبب الذي يجعلهُ مأزوماً؟.
   الجواب؛ مشكلةُ العراق الحقيقيَّة منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن هو في إِختلال المعايير، ولذلكَ تظل العمليَّة السياسيَّة مأزومة لازالت هَذِهِ المعايير لا يجري إِستبدالها أَو حتَّى لا يحاولُ أَحدٌ إِصلاحها.
   فكلُّنا نعرف بأَنَّ المعيار الحاكم هو المُحاصصة، التي كان يمكنُ أَن نستوعبها ونفهمها وأَن تكونَ سبباً من أَسباب التَّعايش والإِنسجام لعبورِ المرحلة الإِنتقاليَّة إِذا انحصرت في صناعةِ القرار فقط وعند مناقشتهِ، كما حصلَ في دولٍ عدَّةٍ إِنتقلت من مرحلةٍ إِلى أُخرى، إِنَّما تدحرجت المُحاصصة لتشمل كلَّ مفاصل الدَّولة والشَّأن العام، نزولاً إِلى أَبسطِ ورُبما أَتفهِ حلقاتِ الدَّولةِ، عندما انتقلت من المُحاصصة المذهبيَّة والإِثنيَّة إِلى المُحاصصةِ الحزبيَّة والعشائريَّة والمناطقيَّة والزَّعاماتيَّة! ولذلكَ تحوَّلت إِلى نقمةٍ وغضبٍ ولعنةٍ سيظلُّ العراق يعاني منها إِذا لم يتمَّ مُعالجتها بأَسرعِ وقتٍ!.
   أَنا شخصياً أَتذكَّر جيِّداً عندما قلتُ مرَّةً لأَحد أَبرز قادة [التَّحالف الوطني] الحاكم آنذاك، قلتُ لَهُ؛ لا تُشغِلوا أَنفُسكم ووقتهم وتضيِّعوا جُهدكم بالتنفيذيَّات والنُّزول إِلى الحدِّ الأَدنى منها، وانشغلُوا، بدلاً عن ذَلِكَ، ببناءِ الدَّولة وتقديمِ الرُّؤية ووضع حلُولٍ للمشاكلِ العويصةِ والمُستعصية التي ورِثها البلد من نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين.
   كُونوا رجال دَولة ولا تكونُوا طلَّاب سُلطة ونفوذ وإِمتيازات بالمُحاصصة.
   لكن للأَسف لم يأخذ أَحدٌ بالفكرةِ وانشغل الجميع بأَتفهِ الأُمور وظلُّوا يختصمُون على أَبسط المواقع في الدَّولة حتى تحوَّلت إِلى كانتونات على طريقةِ [لصاحبِها].
   وبسبب ذلك أَغلقوا كلَّ الأَبواب أَمام عامّّة الناس واحتكرُوا كلَّ شَيْءٍ لهم لوحدهِم، فلم يعُد بإِمكانِ المُواطن المُشاركة في الحياة العامَّة كُلَّا حسْب طاقاتهِ وكفاءاتهِ وخبراتهِ وتجاربهِ واختصاصاتهِ، وفِي المُجتمع، كما هو معلومٌ، طاقاتٌ جبَّارةٌ وخارقةٌ لا يمكنُ أَن تُقارن بطاقاتِ [العصابةِ الحاكِمةِ] مهما احتوت من طاقاتٍ وكفاءاتٍ.
   فالمُجتمعُ محيطٌ يزخرُ بالطَّاقات لا يجوزُ مقارنتهُ بالأَنهرِ والرَّوافدِ.
   س٢/ الأَداء الحكومي والبرلماني الحالي ضعيفٌ  ولم يتحقَّق شيئٌ من كلِّ الشِّعارات والبرامج التنمويَّة التي طُرحت منذ العام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن؟.
   لماذا؟!.
   الجواب؛ هي المُحاصصة مرَّةً أُخرى والتي أَلغت مفهوم الأَغلبيَّة والأَقليَّة السياسيَّة، وليست المذهبيَّة أَو الإِثنيَّة أَو العشائريَّة أَو المناطقيَّة، ولذلكَ فشل مجلس النوَّاب في تحمُّل مسؤُوليَّاتهِ الدستوريَّة على صعيدَي التَّشريع والرَّقابة، من جهةٍ، وهي التي أَنتجت النظريَّة سيِّئة الصِّيت التي تعتمد مفهوم أَن يكونَ كلَّ البرلمان وكتلهِ السياسيَّة في الحكومة، وأَن تكون الوزارات ملكٌ صِرف لخلفيَّة الوزير الكتلويَّة والسياسيَّة والأَيديولوجيَّة.
   هذا الشَّيء ينطبقُ على كلِّ الحكومات التي تعاقبت في بغداد منذُ التَّغيير ولحدِّ الآن بما فيها الحكومة الحاليَّة. 
   أَمَّا بالنِّسبة للبرلمان فالذي يتحكَّم في إِراداتهِ ومساراتهِ التشريعيَّة والرقابيَّة مجموعةٌ من السياسيِّين لا يتعدَّى عددهُم عدد أَصابع اليدَين! أَمَّا بقيَّة النوَّاب، فمعَ جُلِّ الإِحترام لهم جميعاً، فإِنَّهم لا يتعدُّون كونهُم كومبارس يرفعُون ويُنزلُون أَيديهم عند التَّصويت بالرُّوموت كونترول الذي يُمسك بهِ زعيم الكُتلة حصراً، صاحب المال والصُّولجان! والذي يسوقهُم كراعٍ يهشُّ على غنمهِ في حضيرةِ الحيوانات.
   قلَّ ما تجد أَنَّ نائباً حجز مقعدهُ تحت قُبَّة البرلمان برصيدهِ الشَّخصي، وقلَّ ما تجد نائباً حجز مقعدهُ تحت قُبَّة البرلمان بعددِ أَصواتٍ يُعتدُّ بهِ! وإِنَّ مثل هذا النَّائب تراهُ مُحاصراً من قِبل [العِصابة الحاكِمة] ليسَ بامكانهِ فعلُ شيء يُعتدُّ بهِ.
   كلُّ هذا أَضعف البرلمان والذي كان ينبغي أَن يكونَ أَقوى مؤَسَّسة في الدَّولة وفِي النِّظام السِّياسي الديمقراطي.
   س٣/ هل يستطيع السيِّد عبد المهدي الخروج بالعراقِ من عُنق الزُّجاجة؟.
   ماهي نُقاط القوَّة والضَّعف لديهِ؟.
   الجواب؛ الدَّولة ترتكز على أَساسَين إِثنَين؛
   الرُّؤية والآليَّات ومن ضمنِها الأَدوات.
   وأَنا شخصيّاً أَثقُ بالرُّؤية التي يحملها السيِّد رئيس مجلس الوُزراء الدُّكتور عادل عبد المهدي، فهو صاحبُ خبرةٍ وتجربةٍ وعلى مُختلفِ المُستويات، كما أَنَّهُ إِبن العمليَّة السياسيَّة الحاليَّة منذُ بداية الثمانينيَّات ولحدِّ الآن.
   لكنَّني أَشكُّ كثيراً بالآليَّات والأَدوات.
   إِنَّهُ أَسير إِرادات الكُتل النيابيَّة والزَّعامات السياسيَّة التي اتَّفقت على تسميتهِ رئيساً للحكومة، باعتبار أَنَّهُ لا يمتلك كتلةً نيابيَّةً معيَّنة تتبنَّى رؤيتهُ وبرنامجهُ وتدافع عَنْهُ تحت قُبَّة البرلمان، ولكونهِ كذلكَ مُستقلّاً لا يتَّكئ على حزبٍ مُعيَّن، ولذلك فهوَ كالرِّيشة في مهبِّ الرِّيح يتعرَّض للإِبتزاز والضَّغط من قِبَل هَذِهِ الكُتل والزَّعامات التي تضع العصي في عجلةِ حكومتهِ ليلَ نهار، لدرجةٍ أَنَّها شلَّت الكثير من جُهدِها وكبحت الكثير من حركتِها واندفاعِها، فضلاً عن محاولاتهِم لتخريبِ خُططهِ وبرامجهِ ومشاريعهِ الحكوميَّة.
   إِنَّهم يتدخَّلون في تسميةِ كلِّ عناصر إِدارتهِ!.
   ولتوضيحِ الفكرةِ لنأخُذ مثلاً الأَمر الدِّيواني الأَخير الذي أَصدرهُ رئيس الحكومة مؤخَّراً والمتعلِّق بالحشدِ الشَّعبي.
   إِنَّهُ أَمرٌ صائبٌ ينسجمُ بالرُّؤية مع الدُّستور والقانون وتحديداً مع قانون الحشد الشَّعبي الذي شرَّعهُ مجلس النوَّاب العام الماضي.
   كما أَنَّهُ ينسجم مع فتوى الجِهاد الكِفائي التي أَصدرها المرجع الأَعلى والتي تأَسَّس على أَساسِها الحشد الشَّعبي.
   وهو ينسجم بالتَّأكيد مع الخِطاب المرجعي الذي ظلَّ أُسبوعيّاً، وعلى مدى أَكثر من سنتَين، يشرح رُؤية المرجع الأَعلى والغاية من الفتوى المُباركة، والتي لم يكُن في حساباتها بالتَّأكيد إِضعاف الدَّولة ومؤَسَّساتها بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال، والعكس هو الصَّحيح، فالفتوى للتَّعضيد ولحمايةِ هَيبة الدَّولة.
   كلُّ هذا وأَكثر جَاءَ في الأَمر الدِّيواني الأَخير، ولذلكَ فهو صحيحٌ وسليمٌ كرُؤيةٍ.
   ولكن؛ هل أَنَّ الآليَّات والأَدوات الحاليَّة التي يُمسك بها القائد العام كفيلةٌ بتنفيذهِ؟.
   هُنا السُّؤَال العريض وهنا مربط الفَرس كما يقولون، وأَنا أَشكُّ بذلكَ، والمسؤُول عن هذا الفشل في التَّطبيق، إِذا ما حصل، وعن الآليَّات والأَدوات هو كلُّ الكُتل النيابيَّة التي يتشكَّل منها مجلس النوَّاب والحكومة، فهؤُلاء مجتمعين يدفعُون باتِّجاه المُحاصصة.
   لا يكفي أَن تمتلك رُؤيةً سليمةً، بل لابُدَّ أَن تمتلكَ الأَدوات والآليَّات لتنفيذ الرُّؤية.
   ولتوضيح الفكرة أَكثر دعني أَسوق المثال الثَّاني؛
   وزير الخارجيَّة يحاول أَن يلتزم بضوابط المهنة في وزارتهِ، وتحديداً في إِختيار وتعيين السُّفراء وخاصَّةً في عواصم مراكز القرار الدَّولي والإِقليمي.
   فعندما استلم الوِزارة اكتشفَ هو وفريقهُ أَنَّ الوُزراء الذين سبقوهُ، وبالتَّنسيق مع الكُتل السياسيَّة وفِي إِطار المُحاصصة، عيَّنوا كلَّ مُتردِّيةٍ ونطيحةٍ في هَذِهِ الوزارة السياديَّة، وأَنَّ عدداً من المُرشَّحين كسُفراء لا يعرفُون شيئاً عن تاريخ العراق المُعاصر ولا يميِّز بين نهرَي دجلةَ والفُرات ونهر النِّيل!.
   ولمَّا شرعَ الوزيرُ وفريقهُ في تحديدِ ضوابطَ جديدةً، حقيقيَّة وعلميَّة ومهنيَّة، شنَّت الجيوش الإِليكترونيَّة التَّابعة للقِوى السياسيَّة وخاصَّةً المُتضرِّرة من الضَّوابط الجديدة، حملةَ تسقيطٍ وتشهيرٍ وفضائح واتِّهامات ضدَّ السيِّد الوزير ومدير مكتبهِ والفريق المعني بوضعِ الضَّوابط الجديدة!.
   وفِي هذا المثال تتَّضح علاقة الرُّؤية مع الآليَّات والأَدوات، فبينما أَنَّ الرُّؤية صحيحة، وهي المعمُول بها في كلِّ دُوَل العالَم التي تحترم سيادتها وسمعتها ومكانتها على اعتبار أَنَّ السَّفير هو الدَّولة فإِذا قَالَ أَو صرَّح بشيءٍ في عاصمةٍ من العواصِم فإِنَّما قالت بلادهُ، نرى أَنَّ الآليَّات والأَدوات المعمول بها في ظلِّ المُحاصصة تُعرقل الآليَّة وقد تُلغيها وتستبدلها بآليَّات بائِسة وسقيمة هي التي كانت السَّبب في فشلِ ديبلومسيَّتنا في العالَم وفِي المنطقة.  
   س٤/ من يصنع الحكومات العراقيَّة برأيك؟ هل هي الإِرادة الوطنيَّة أَم القرار الخارجي؟.
   هل مِن مزيد؟.
   الجواب؛ للعامل الخارجي، الإِقليمي مِنْهُ والدَّولي، أَثرٌ في صناعةِ الحكومات في بغداد أَكثر من أَثر الإِرادة الوطنيَّة، للأَسف الشَّديد، وهذا سببهُ تضارُب الإِرادات وتنوُّع الولاءات وقوَّة تأثير المال والسِّياسة والنُّفوذ.
   هذا هو الواقع الذي لا ينكرهُ إِلَّا مُغفَّل أَو مُتقصِّد لتبريرِ الخطأ والفشل.
   مُشكلتنا في العراق أَنَّنا لم نتخلَّص، في الحقيقة والواقع، من النُّفوذ الاجنبي، الدَّولي والإِقليمي، منذُ تأسيس الدَّولة العراقيَّة الحديثة في عشرينيَّات القرن الماضي ولحدِّ الآن.
   حتى الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين الذي كان [أَسدٌ على شعبهِ] ينهش بلحمهِ ويكسر عظمه، والذي كان يتشدَّق بالوطنيَّة والإِستقلال السِّياسي والسِّيادة، عندما خدعَ الرَّأي العام العربي الذي ظنَّ فِيهِ بطلاً قوميّاً قادراً على أَن يطال قلب [إِسرائيل] بصواريخهِ! كانَ في الحقيقةِ أُلعوبة بيدِ القرار الخارجي، الدَّولي مِنْهُ والإِقليمي، أَلم يحثُّهُ الأَخير ليشنَّ الحرب على جارتهِ الشرقيَّة وشعارهُ [مِنك الرِّجال ومِنَّا المال]؟!.
   أَلم يتنازل عن [١٠٪؜] من الأَراضي والمياه الوطنيَّة لكلِّ دُول الجِوار في إِطار إِتفاقيَّات ثنائيَّة بائِسة كانت الغاية الحقيقيَّة منها هو الحِفاظ على سُلطتهِ فقط؟!.
   وأَخيراً؛ أَلم يبصُم على كلِّ شَيْءٍ في خَيمة صَفوان ليبيع العراق وسيادتهِ وخيراتهِ للأَجنبي، حتَّى تندَّر بهِ العراقيُّون فأَطلقوا عليهِ إِسم [بصَّام حسين] وفِي نِهاية المطاف ليسلِّمهُ إِليهِ بالكامل عام ٢٠٠٣ ليختبئَ [بطل القادسيَّة] و [سيف العرب] في حُفرةٍ حقيرةٍ؟!.
   ٥/ هل تعتقد أَنَّ الأَمريكان ساهمُوا في بناءِ عمليَّة سياسيَّةٍ عراقيَّةٍ مُتعثِّرةٍ وهشَّةٍ؟!.
   وإِذا كان كذلكَ، فلماذا؟.
   الجواب؛ لا أَشكُّ في ذلك، والسَّبب يعودُ إِلى طبيعة القِوى السياسيَّة التي استُخلفت في السُّلطة.
   إِنَّها قِوى ضعيفة سياسيّاً ولا تمتلك من خبرةِ السُّلطة شيئاً ولا تتمتَّع بالولاءِ والحسِّ الوطني بشيءٍ أَبداً!.
   فالقوى الشيعيَّة ولاؤُها إِلى الشَّرق من بلادهِم، وهي ظلَّت تعيش عُقدة المظلوميَّة لدرجةِ الإِنتقام إِلى جانب عقليَّة المُعارضة! والقِوى السنيَّة ظلَّت تحنُّ إِلى العهدِ البائد وتُحاول بشتَّى الطُّرق أَن تعودَ مستفردةً بالسُّلطة، ما هيأَها نفسيّاً للإِنبطاح أَمام كلِّ القِوى الإِقليميَّة والدوليَّة لتحقيقِ هذا الهدفِ البائس، حتى أَنَّهم وظَّفوا الإِرهاب والفتوى التكفيريَّة التي كان يُصدرها فُقهاء بلاط [آل سَعود] أَقذر توظيفٍ.
   أَمَّا القِوى الكرديَّة فكعادتِها على مرِّ التَّاريخ ظلَّت مُقسَّمة الولاءات تتأَرجح شرقاً وغرباً وشِمالاً وجنوباً، ولذلك لم يبقَ من ولائِها للعراقِ شيءٌ يُعتدُّ بهِ ويُمكنُ تلمُّسهُ تحدوهُم روح الإِنفصال أَبداً.
   في وسط هذه الحالة المُمزَّقة والمُشتَّتة، ماذا ينتظر المرء من الولايات المتَّحدة، الدَّولة الغازِية، أَن تفعلهُ بالبلادِ؟!.
   وبعودةٍ سريعةٍ لكلِّ ما كُتب عن تلكَ الفترة يتَّضح للمرءِ أَنَّ [الجماعة] كانُوا ممتلئِين غيرةً وشرفاً وحميَّةً عندما يتعلَّق الأَمر بسلُطاتهِم وامتيازاتهِم ورواتبهِم وخصوصيَّاتهِم، الا أَنَّ مؤَشِّر كلَّ ذلك يستقر على نُقطةِ الصِّفر عندما يتعلَّق الأَمر بالبلدِ وسيادتهِ وعافيتهِ وسمعتهِ!.
   س٦/ الكلُّ يصرخ ليلَ نهارٍ  ويلعن ويشتم المُحاصصة في العلن لكنَّهُ سرّاً يتمسَّك بها؟.
   ما سبب هذه الإِزدواجيَّة؟!.
   الجواب؛ هي ليست إِزدواجيَّة، إِنَّما هي لذرِّ الرَّماد في العيُون ولإِيهام وتضليل المُواطن الذي اكتشفَ أَنَّ كلَّ هذا التَّدهور سببهُ المُحاصصة التي أَلغت مفهوم [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب] بالكامل تقريباً.
   إِنَّها طبيعة الأَشياء، فعندما تكون السُّلطة والمَوقع مغنماً وليس مسؤُوليَّة، يَكُونُ الهدف الأَساس للقِوى السياسيَّة هو تقاسُم السُّلطة والنُّفوذ وهذا لا يتحقَّق إِلَّا بالمُحاصصة، لأَنَّهُ بغيرِها تكون المُنافسة حامية الوَطيس، وبالمُنافسة الحقيقيَّة لا يصمد ولا يتقدَّم الصُّفوف إِلَّا الكفوء صاحب الخِبرة والإِختصاص، نظيف اليد والنَّزيه! وكلُّ هذا لا تُحبُّه القِوى السياسيَّة، ولذلك فإِنَّ جلَّ مَن تصدَّى للسُّلطة أَو للموقع  لم يُعان شيئاً ليحقِّق غايتهُ وما يصبو إِليهِ لأَنَّهُ لم يُنافس أَحداً وإِنَّما حمَلتهُ المُحاصصة على جناحَيها وبُسرعة البرق، ليحجز مقعدهُ في الموقع المُحدَّد لكتلتهِ كحُصَّةٍ لا علاقةَ لها بالمعايير الحقيقيَّة.
   ولا ننسى فإِنَّ السُّلطة الْيَوْم هي أَسرع وأَقرب الطُّرق لتحقيق الثَّراء الفاحش، فلماذا يرفضُون المُحاصصة في السرِّ؟ حتَّى إِذا رفضُوها بالعلن لذرِّ الرَّماد في العيُون ولترضيةِ الخطاب المرجعي الذي بحَّ صوتهُ وهو يحذِّر كلَّ أُسبوع ويلعن المُحاصصة!.
   س٧/ ماذا تقولُ للتَّاريخ بشأنِ طبقةٍ سياسيَّةٍ فشلت في تقديمِ مُنجزٍ للشَّعب؟.
   الجواب؛ قبل ١١ عام التقيتُ رئيس مجلس الوزراء الأَسبق في نيويورك، وقلتُ لَهُ، إِنَّ التاريخ سيكتب عن هَذِهِ الطَّبقة السياسيَّة التي تصدَّت للسُّلطة في مرحلةٍ مِفصليَّةٍ من تاريخ العراق الحديث وهي تشبه إِلى حدٍّ كبير مرحلة التَّأسيس عام ١٩٢١.
   وأَضفتُ قائلاً لَهُ؛
   فإِمَّا أَن يترحَّم عليها إِذا بنَت دولةً عصريَّة أَو....
   قاطعني قائلاً؛
   أُبشِّرك فإِنَّ التَّاريخ سيلعنها، وهو طبعاً واحدٌ من هذه الطَّبقة السياسيَّة بل على رأسِها لأَنَّهُ تسنَّم السُّلطة [٨] سنوات، فما نفعلهُ سيدمِّر البلد ولا يبقي شيئاً.
   وهذا هو رأيي، ولنترك الكلمة الأَخيرة للتَّاريخ فهو قاسي ولا يرحم.
   س٨/ هل يتحمَّل الشَّعب المسؤُوليَّة في إِستمرار طبقةٍ سياسيَّةٍ لا تُنتج سِوى الخَيبات؟.
   الجواب؛ أَكيد فإِنَّ الشَّعب هو المسؤُول الأَوَّل والأَخير، وهو قادرٌ على التَّغيير إِذا شاءَ وأَراد، فالشُّعوب قويَّة لا يقف بوجهِ إِرادتِها شيءٌ.
   إِنَّ الشَّعب مسؤُولٌ عن فشلِ وفسادِ هذه الطَّبقة السياسيَّة، وهو قادرٌ بمليُون طريقة لتغييرها إِذا أَراد، إِلَّا أَنَّهُ من الواضح فإِنَّ الشَّعب لم يُقرِّر بعد تغييرها.
   نعم، هو متذمِّر ويكتب وينشر ويتكلَّم ولكنَّهُ لم يفعل شيئاً فلم يُنظِّم نفسهُ ولَم يتَّفق على خُططٍ وخرائط لإِنجاز التَّغيير.
    على الأَقلِّ مثلاً هو لم يُقاطعها فشعار [علي وياك علي] و [بالرُّوح بالدَّم] وتشبُّعهُ بنظريَّة عبادة الشخصيَّة لازالت كلَّها هي الحاكِمة في الشَّارع، وهذا دليلٌ على عدم وجود الإِرادة الحقيقيَّة للتَّغيير.
   ختاماً؛ شكراً جزيلاً لصحيفةِ [الوَطن الجديد] وأَخصُّ بالذِّكر الزَّميل العزيز والقدير رئيس التَّحرير الزَّميل حسين رزَّاق لإِتاحتهِ لي هَذِهِ الفُرصة الثَّمينة لأَطلَّ من خلالها إِلى القُرَّاء الكِرام.
   دعواتي للجميع بالتَّوفيق والسَّداد لما فِيهِ خير العراق ونهوضهِ ليبقى رأسهُ مرفوعاً عالياً شامخاً.
    ٥ آب ٢٠١٩
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=136537
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28