• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نشأت الدولة الصفوية .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

نشأت الدولة الصفوية

الدولة الصفوية من أكثر الدول التي نالت نصيبا كبيرا من النقد والتجريح والاتهام والتحامل من قبل الكتَّاب، لا لشيء تختلف فيه عن غيرها من الدول سواء أكان على المستوى السياسي أم العسكري أم سلوك حكامها أم غير ذلك.
لكن الهوى الطائفي يجعل بعض الكتَّاب يقلبون الحقائق رأسا على عقب، ويفسرون كل خطوة بسوء قصد وعن عمد، ويرفعون ناسا وضعهم الله، ويحاولون وضع آخرين بدافع الهوى والتعصب الطائفي المقيت.
ينسب الصفويون الى صفي الدين المولود سنة 650هـ، من ذرية السيد حمزة بن موسى بن جعفر (ع)، وكان صفي الدين من خيرة علماء عصره زهدا وورعا وتقوى، وينحى في سلوكه طريقة علماء الصوفية في شدة العبادة والزهد والعزوف عن الدنيا، وكان يؤم درسه المئآت من الطلاب والمريدين في مدينة اردبيل.
ولما مات سار أبناؤه على نهجه وطريقته فأحبهم الناس، ونالوا شعبية واسعة في مناطق آذربيجان شمال غرب إيران.
قامت الدولة الصفوية على جهود العنصر التركي وليس الفارسي كما قد يتوهم الكثيرون، فقد هاجر الى مناطق أذربيجان الكثير من الشيعة الأتراك في تركيا والأناضول وسوريا بسبب الأضطهاد الطائفي الذي مارسه العثمانيون فتجمعوا في اردبيل وما حولها.
ولما مرَّ تيمورلنك بأذربيجان وقد ساق معه أعدادا غفيرة من الأسرى الأتراك بعد معركة أنقرة سنة 804هـ، التمسه الخواجة علي أحد أحفاد الشيخ صفي الدين أن يطلق سراح هؤلاء الأسرى، فاستجاب تيمورلنك للطلب، وأطلق سراح الجنود الأتراك، فسكن هؤلاء الجنود المحررون في تلك المناطق ودانوا بالولاء لآل الشيخ صفي الدين، باعتباره السبب في تحريرهم من الأسر.
وقام الشيخ الجنيد وهو أحد أحفاد صفي الدين بزيارة الأناضول، ومكث فيها ثلاث سنوات وقد نال شعبية واسعة في أوساط الناس، خصوصا بعد تقربه من أمير الأناضول آنذاك حسن الطويل مؤسس الدولة الجلائرية، حيث تزوج أخته خديجة بيكم، فالتفت القبائل التركمانية ذات الميول الشيعية حول الشيخ الجنيد باعتباره من أحفاد الإمام علي بن أبي طالب (ع).
أنجب الشيخ الجنيد من أخت السلطان حسن ولدا أسماه حيدر، وتزوج حيدر ابنة خاله السلطان حسن الطويل، فأنجب منها ثلاثة أحدهم إسماعيل الصفوي.
عاد الشيخ الجنيد الى اردبيل ومعه عشرة آلاف من اتباعه ومريديه، فانضموا الى أتباع الأسرة الصفوية في أذربيجان، ولما قتل الشيخ الجنيد في معركة بين اتباعه وبين شراكسة القوقاز المسيحيين تولى ابنه حيدر كرسي الإرشاد في الخانكاه (أي المكان الذي ينقطع فيه المتصوف للعبادة)، بمعونة خاله السلطان حسن الجلائري الذي بسط نفوذه على أذربيجان.
قام الشيخ حيدر بتمييز أتباعه عن غيرهم بالزي فأمر بلبس قلسنوة حمراء مخططه باثني عشر خطا في إشارة الى الأئمة الاثني عشر من آل البيت (ع)، فأصبح هؤلاء نواة الجيش الصفوي الذي سموا فيما بعد بالقزلباش.
دخل الشيخ حيدر المعترك السياسي بجمع جيش كبير للثأر من الشراكسة المسيحيين لمقتل والده الجنيد، فقتل حيدر في المعركة سنة 893هـ أيضا.
وأخذ أولاده الثلاثة: يار علي، وإبراهيم وإسماعيل الى السجن في اسطخر في إقليم فارس قرب شيراز، سجنهم أبناء خالهم حسن الطويل خوفا منهم.
بعد أربع سنوات دب الخلاف بين قيادات دولة الجلائريين فقد تمرد رستم والي تبريز على عمه بايسنقر، وانتهت المعركة لصالحه، وكيدا بعمه أطلق سراح السجناء من أبناء حيدر الصفوي على أمل أن يفقوا الى جانبه في حربه مع عمه بايسنقر.
وصل يار علي الى تبريز ليجد الآلاف من محبيه ينتظرونه، فجهز منهم جيشا وأغار على الحاكم الجلائري بايسنقر وألحق به هزيمة منكرة.
فأثار هذا الانتصار مخاوف حاكم تبريز رستم، فأخذ يطارده ولما اشتبك يار علي الصفوي وعلم أن نهايته قد دنت سلَّم أخويه إبراهيم وإسماعيل الى أحد اصدقائه الأوفياء في أردبيل، فسافر بهما من أجل الحفاظ على حياتهما في طرق جبلية وعرة وغابات كثيفة في رشت حتى أوصلهم الى منطقة لاهيجان في جرجان، وكان عمر أول سلاطين الدولة الصفوية إسماعيل سبع سنوات فقط.
نزل إسماعيل ضيفا على حاكم المدينة، فعلمت السلطات الجلائرية بمكانه، فأرسلوا الى حاكم لاهيجان يطلبون تسليمه، لكن أقسم لهم الحاكم أن اسماعيل ليس في أرضه، وكان قد عمد الى حيلة حيث علق إسماعيل الصفوي بحبل مشدود الى غصن شجرة، وبذلك نجى من القتل.
بقي إسماعيل في لاهيجان حتى سنة 905هـ، تعلم خلالها القراءة والكتابة وفنون القتال، ولما بلغ من العمر ثلاثة عشر عاما عاد الى موطن أجداده أردبيل، وأقنعه بعض الأعيان بترك والي أردبيل القوي مؤقتا وتجهيز جيش لغزو جورجيا بدعوى إدخالها الإسلام.
جمع إسماعيل سبعة آلاف مقاتل من الأتراك القزلباش من الأناضول وأردبيل ودخل في معركة مع ملك جورجيا، فانتصر عليه نصرا ساحقا، فاجتمعت عليه تدعمه ما يقارب الثلاثين قبيلة من قبائل الأتراك.
فقادهم أصغر قائد في التاريخ من نصر الى نصر حتى سقطت على يديه دولة الجلائريين سنة 907هـ، واختفت من الخارطة السياسية الى الأبد.
بعد هذا النصر أصبحت كل أذربيجان في قبضة الشاه إسماعيل وألتف حوله الآلاف، فاتخذ من تبريز عاصمة له، وجرت مراسم تتويجه كملك وليس له من العمر سوى خمسة عشر عاما، وبذلك سجل التاريخ ولادة دولة جديدة وهي الدولة الصفوية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=136648
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28