• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سفير السلام .
                          • الكاتب : مروة محمد كاظم .

سفير السلام

هجس في قلب علي عليه السلام سؤالٌ لطالما أراد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جوابه ، قال: (( يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: أي والله إنّي لأحبّه حُبّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإن ولده مقتول ـ ويقصد بذلك مسلم ـ في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون.ثمّ بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى جرت دموعه على صدره، وقال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي))(١) ، وتمر الأيام مر السحاب حتى { جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } [ يس: ٢٠] ،أتى حاملا رسائل الحب من حبيبه كي ينثر بذورها على القلوب المستغيثة به ، فلا هم أخذوا البذور و لا هم من لحقوا به، في ذلك الليل البهيم هربوا مع ظلالهم من النور الذي دعاهم لينير عتمتهم، فروا وهم يسمعون صدى الحسين عليه السلام آتٍ إليهم يستغيث بهم(ألا من ناصر ينصرنا) ، الكوفة كأنها تتقيأ في ذلك الليل قوما خانوا ابن بنت نبيهم، مسلم بن عقيل ذلك العلوي الذي يحب الحسين عليه السلام أن يناديه دوما في رسائله ب(ثقتي) ، لله دره من ثقة و مؤتمن ، ذلك الذي وضع قلبه بيد الحسين عليه السلام و قطع الصحراء حاملا حب الحسين عليه السلام وقضيته زادا وماءً ، ها هو سفير السلام يجوب أزقة الكوفة المظلمة وحيدا ، لم يكن له دليلا سوى قلبه الذي يستشعر الحق و أهله أنى حلوا وارتحلوا، رمى بتنهيدته على تلك الباب التي تمكث على عتبتها (طوعة)العارفة بالله و رسوله و أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم ، جلس على بابها وحيدا و في عينيه السلام، "من أنت أيها الغريب " وأمسك الغريب عن الجواب، ثم قال: " هل لي بجرعة ماء" راحت لتجلب له الماء لتسقيه ، شرب الماء و هو يدعو لها:" سقاك الله بماء الكوثر يا أماه" ثم دخلت وبيدها الإناء ، وعادت و مازال الغريب على بابها، فقالت:
- يا عبد الله ألم تشرب الماء؟!
قال:
- بلى
قالت : فاذهب إلى أهلك
فسكت ،ثم أعادت مثل ذلك فسكت، ثم قالت في الثالثة: سبحان الله! يا عبد الله ، قم عافاك الله إلى أهلك؛ فإنه لا يُصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحله لك(٢) ، فقام وقال:" يا أمة الله ، ما لي في هذا المِصر أهل و لا عشيرة ،فهل لكِ في أجر و معروف و لعلي مكافيكِ بعد هذا اليوم؟
قالت: وما ذاك؟
قال: أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاء القوم و غرّوني و أخرجوني.
قالت: أنت مسلم؟!
قال: نعم
قالت: ادخل
لله درها من طوعة، فعلت ما لم يفعله قومها و آوت إلى دارها مسلمًا و هي أم ابتليت بولدٍ فاجرٍ سليط، لم تخشَ من قومها حين آوته ولا من ابنها السليط، سلمت أمرها لمسلم ونصرته كما سلّم مسلم قلبه لسيده الحسين عليه السلام، فسلّم مسلم واستلم وكذا طوعة...
كان الصبح مذياع خبر وجود مسلم بن عقيل و الواشي بذلك ابن طوعة الذي لا يشبه كرم أمه وطهارتها فقد ابتليت به كما ابتلي بعض الأنبياء والصالحين بأبنائهم ، أفشى سره إلى عبيد الله بن زياد (لعنه الله ) طمعًا بجائزة دنيوية و زلفى تقربه إلى النار لا إلى النور، خرج لهم مسلم وحيدا (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[ النحل: ١٢٠]، تذكروا فيه بسالة آبائه ، يضرب بهم مرتجزا:
أقسمتُ لا أقتلُ إلا حُرًّا
و إن رأيتُ الموتَ شيئًا نُكرًا(٣)
أُثخنت جروحه حتى وقع أسيرا في قبضتهم، ثم أخذوه إلى ابن زياد ، هناك دخل الحق إلى مجلس الباطل و رمى سهامه في صدره الخَرِب وخرج الحق منتصرا متقلدا الشهادة التي لا ينالها إلا من كان ذو حظ عظيم، حين يعجز الظالم قبال دعوة المظلوم لا يعرف سوى لغة الشتم والسب و القتل فلم يكن منه سوى أن يقطع رأس المظلوم كي يسكت دعوته ولا يدري بأن الله يجيب دعوة المضطر إذا دعاه في قلبه ، و رمى بابن عقيل من على سطح قصره الدنيوي الذي تلطخ بدم سفير السلام و بسملة الطف الحسينية...
و رموهُ كالوردِ الذي لا يذبلُ
حتى تضوّعتِ الأزقةُ و العُلُو
هناك حيث أزقة الكوفة التي شهدت على جثتي مسلم و هانئ بن عروة يُجران في الأزقة على مرأى الكوفيين، لا أحد هناك ينادي بظلامتهم، لا نائحة عليهم تنوح و لا كلمة طيبة يتصدق بها عليهم أحدهم كي تشفى الجروح، غرباء حتى بعد موتهم والروح نحو الحسين تغدو و تروح...
.....................
(١)الأمالي للصدوق: ۱۹۱ ح۲۰۰٫
(٢) الكامل: ٢/٥٤١
(٣) تاريخ الطبري: ٤/٢٧٩، الكامل: ٢/٥٤٢.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=136676
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14