في حضرة المحبوب
إلى سيدي الإمام
علي بن أبي طالب
شعر/ أحمد معروف شلبي
بماذا إذا ما جئتُهُ أتقرَّبُ
وإن رضى المحبوب بالرُّوح يُطْلبُ؟!
قرابينيَ الثَّكلى دُمًى لا دمٌ بها
ولكنَّ قلبي بالدماء مُخَضَّبُ
وجُرحان: جُرحٌ بالمرارةِ نازفٌ
وآخرُ في جمر الأسى يتلهَّبُ
وحُلمان: حُلْمٌ في السراب مسافرٌ
وحُلْمٌ من الوقْتِ المُراوغِ يهرُبُ
وطيرٌ صموتٌ ليس يشدو على رُبًا
وطيرٌ كسيرُ النفْسِ عانٍ مُعَذَّبُ
** **
أنا اثْنانِ: حادٍ بالصَّبابةِ راحلٌ
وثاوٍ جَثا من ذي الصَّبابةِ يَعْجَبُ
تقَسَّمَ فِكري وانْفعالي ومُهجتي
كأني – إذا أبدو- بريءٌ ومُذنبُ
وأوغَلْتُ في تيهي, فلا لاحَ مشرقٌ
ولم يبْدُ من خلفِ المسافاتِ مغربُ
أُقلِّبُ وجهي في السماءِ مناجيًا
عسى أن يُنيرَ الدَّربَ في الليلِ كوكبُ
فنادتْ من الغيْمِ المطيرِ غمامةٌ:
ألا أيُّها الراجي: إلى أين تذهبُ؟
فقلتُ: فدُلِّيني إلى حيثُ أرتجي
من الدِّفْءِ في الحَيِّ الذي فيهِ أرغبُ
فقالت: إذا انْشقَّتْ سماؤك فجْأةً
وأبصرْتَ نورًا من حوالَيْكَ يُسكَبُ
ففِرَّ – كما فرَّ الكُمَيْتُ – تَشَوُّقًا
(إلى كَنَفٍ عِطفاهُ أهلٌ ومرحبُ)
هنالكَ رهط الحُبِّ والطُّهرِ والسَّنا
وخيرُ امْرِئٍ مَنْ منهمُ يتقرَّبُ
همُ الزُّهْرُ, هم آلُ النَّبيِّ محمَّدٍ
سلامٌ عليهم – كلَ حينٍ – مُطيَّبُ
** **
(عليٌّ) وليُّ اللهِ حِبُّ نبيِّهِ
سَرى وجهُهُ نورًا إذِ اشْتَدَّ غيْهبُ
ووالدُ سِبْطيهِ, وحافظُ وحْيِهِ
ووارثُه الأدنى الوصِيُّ المُقَرَّبُ
وفاديه من أعدائهِ يومَ هِجرةٍ
وقدْ شَرَعوا الأسيافَ.. لا يتهَيَّبُ
وجانٍ رؤوسَ الشِّرْكِ في كل وقعةٍ
تطلّبَ فيها الموتُ ما يُتَطَلَّبُ
** **
هو العالِمُ الفذُ الذي بذكائهِ
ترسَّخَ علمٌ قد تسامى ومذهَبُ
هو الحاكمُ العدْلُ الذي بقضائه
تطَمْأَنَ من يخشى القوِيَّ ويرهبُ
نَدِيٌّ بعُسرٍ أو بيُسرٍ, وَجُودُه
على كفِّهِ غيثٌ إذا الناسُ أجدبُوا
** **
بلاغتُهُ الإعجازُ, قولٌ مُفصَّلٌ
ولفظٌ سماويٌّ .. من الماء أعذبُ
إذا أنشد الشعر الحكيم فآسِرٌ
ويخْطَفُ ألبابًا إذا قامَ يخطُبُ
** **
تسامى عن الأحقادِ حِفظًا لأمَّةٍ
إذا فحَّ ثُعبانٌ أوِ انْدسَّ عقربُ
تسامحَ حتى لم يضنَّ بحقِّهِ
وليسَ قليلاً أنَّهُ منهُ يُغصَبُ
وهلْ مُدَّعٍ حقًّا وقُربى بعيدةً
كمنْ لرسولِ الله بالدَّمِ يُنْسَبُ؟!
** **
تساميْتَ يا رمزَ الفداءِ, فلا قِلًى..
فمِنْ نَهْركَ الدَّفَّاقِ بالحُبِّ يُشْربُ
فكنتَ غناءً للبلابلِ سُحرةً
وقدْ باتتِ الغِربانُ بالشرِّ تنعَبُ
** **
مضيتَ فلم ترتدَّ عمَّا ارْتأيتَهُ
ودونَكَ أفعى قد غدتْ تتوثَّبُ
فلستَ تبالي والفجاجُ تخوضُها
أخلفَك ذئبٌ أم أمامَكَ ثعلبُ
حميتَ ضعافَ الخلقِ صُنتَ دماءهم
كأنَّكَ – إنْ يشتدَّ بأسٌ- لهمْ أبُ
وصُنتَ كتابَ اللهِ لمَّا رأيتَهُ
بصِفِّينَ مرفوعًا لحُكْمٍ يُرتَّبُ
وأنت على علمٍ بأنَّ خديعةً
تُحاكُ, وتدري أنَّ شانيكَ يكذِبُ
طُعِنتَ فلم تفقدْ مع الطَّعنِ حكمةً
وتوصي بحُكمِ اللهِ, فالعَدْلُ أوجبُ
فأنت حبيبُ اللهِ يا من له العُلا
وأنت على عرشِ السماحِ مُنَصَّبُ
** **
أتيتُكَ يا مولايَ طيرًا مُشَرَّدًا
يطاردُه في الأفْقِ سهمٌ ومِخلبُ
أُجَمِّعُ شطْرَيَّ اللذَيْنِ تفرَّقا
وقلبيَ ظمآنٌ – مدى الدَّهْر- مُتعَبُ
أُوَحِّدُ فكري وانْفعالي ومهجتي
وقدْ لاحَ لي الحَيُّ الشريفُ المُحَبَّبُ
فإنْ طابتِ الدُّنيا مُقامًا ولذَّةً
فإنَّ اقترابًا منكَ بالموتِ أطيبُ
بماذا – إذَنْ – يا سيِدي أتقرَّبُ؟
لعلَّ الرضى- لو شئتَ- بالرُّوحِ يُطْلبُ
|