• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : السرد الناطق ، التجريب المنتج والصورة المبهرة قراءة في  رواية (( تفضل معنا  وو))* للروائي مهدي زبين .
                          • الكاتب : حميد الحريزي .

السرد الناطق ، التجريب المنتج والصورة المبهرة قراءة في  رواية (( تفضل معنا  وو))* للروائي مهدي زبين

وداعا  حكايات جدتي :-

الروائي مهدي  زبين  مهموم بتجديد اسلوب السرد ، يحاول ان يبتكر  اسلوبا سرديا مختلفا  عما كتبه  ليس  عن  بقية الروائيين  ولكن  ايضا   مخلفا  عن اساليبه السردية  السابقة ، اسلوبا  عابرا للتقليد ،  وكذلك في  طبيعة  الثيمة  المعتمدة في السرد   ليتجاوز المألوف ، لم يكن يعبث  او   يجرب  بعبثية او دون دراية  ولكني ارى انه كان موفقا  جدا في بث روحا  جديدة غي الرواية العراقية  لتكون بعيدة عن التكرار والاجترار .

 لايحتفظ  مهدي في رواياته  سوى ميزة واحدة،  او لايكرر في رواياته الا على ميزة واحدة   تميزه  عن سواه  الا وهي  ميزة بث الحياة والحركة وانسنة المفردة  فيتلقها القاريئ   كروح  منظورة  وليس  كحروف  مسطورة  ، انه  اسلوب (السرد الناطق)  كما   ارى (( تهمس خطواتي  عند مدخل القاعة ))  ص7،((عصافير الكلام)) ووو8،  وهو اسلوب    لايتمكن منه  الا   مالك خيال  باذخ  وثروة لغوية  ثرية ،  قادر على تخليق  روح  للعبارة والحرف ... كم اتمنى ان تصيبنا  عدوى  هذا الاسلوب السردي   لتحفل كتاباتنا   بالحياة  فنشهد  حروفنا  وعباراتنا   كائنات  ناطقة  تعيش في كوكب  عملنا القصصي والروائي .

هذه  الرواية  هي   توصيف   لحالات  واستعمالات  وصور  عبارة ((تفضل معنا ))  العبارة ذات الاستعمالات  المختلفة حسب المكان والزمان  والواقع المعاش  ،  وحسب  الفرد الناطق  بهذه العبارة ، فعلى الرغم من كونها   عبارة  تحمل قدرا من الاحترام والاحتشام  والتقدير والتوقير   للمخاطب   للداعي  وللمستدعى ...

ففي مجتمعنا   لها  دلالات مختلفة   منه  :- الدلالة على  المجهول الدال على الخوف والارهاب والترويع  حينما يكون  الداعي  رجل  امن  في بلد اللاقانون ، حينما  يتقضلك  معه من الشارع  او البيت  او محل العمل  دون ان  يكون لك  في في طرح اسئلة من انت ، لماذا  والى اين ؟؟  فالسؤال ممنوع   والعتب  مرفوع  في بلد  الخوف  والقهر والخنوع ..

  1.   (( تفضل   معي))  كما حصل  مع  عامل الاخشاب  وصاحبه  واقتياده   (( تفضل معنا))  الى دائرة الامن  واتهامهم بسرقة سيارة الاخشاب  التي تعود   لصديق المسؤول  ، فلابد  من  القبض على فاعل  كائن  من يكون  ولايهم ان يكون  بريئاً  ولا علاقة له بالتهمة ، المهم ارضاء المسؤول واثبات الجدارة ، دون  أي  احساس بالذنب  او  تانيب الضمير  حتى وان ادت التهمة الملفقة  التي يجبر البريء الاتهام بها تحت التعذيب   الى الاعدام   حيث  سيكون راضيا  بالاعدام  كخلاص  من   شدة التعذيب  ...

المؤلم ايضا  هو موقف  الناس في مجتمع  الخوف والخنوع  هو تاييدهم  لفعل  السلطات القمعية والامنية   دون علم بمجريات الحدث  فالسلطة  هي الاعلم وهي   صاحبة الحق    المطلق  ولايمكن الاعتراض او التساؤول  ((  تتخاطف اصوات صبية ورجال تشفي بنا:"حيل بيهم" و "عاشت ايديكم"" منصورين ..( حيل بيهم ذوله الارهابيه، فروخ ... )) ص27-28

 فالروائيهنا يوجه  سهام النقد  واللوم اللاذع الى مثل هذه السلوكيات العدوانية  التي زرعتها سلطة الخوف  في نفوس  العامة من الناس.

اخيرا   يتم القبض  على السيارة المسروقة  والسارق  في احدى السيطرات ،  يطلق سراح المتهمين مع    عبارات التحذير وعدم الكلام عما حصل .!!!

  1. ((تفضل  معنا ))   للجنة الاتحادية    لماذا  تكتب  ومن تعني   ب((اكرهكم ))
  2. ((تفضل معنا))  الاستاذ  يريدك    المنظمة الحزبية ،   هنا  تظهر لنا  العبودية والخنوع    من قبل  ((الرفاق))  امام   مسؤولهم  المتغطرس (جبتوه ))  فياتي الحواب ((نعم رفيق  (شنو )) يعصي  على الحزب؟)  ص39 .

وبعد ذلك  يتحولون الى فئران مهانة  حينما يتصاغر مسؤولهم امام   ورقة   يبدو انها  ممهورة  بمهر  مسؤول كبير ،  يوجه اللوم   للرفاق  (( والله النوب اللي يتعرضله ميلوم الا نفسه ، يلله ولو منا ))!!

حتى انهه لم  يدقق في  الورقة    كونها منتهية  المفعول  واتت بطريق الصدفة   في يد((المتهم))   بمناكدت الحزب والثورة ، هذه  صورة   للشخصيات   الكارتونية المتنمرة على الناس والمتصاغرة  امام الاسياد ، صورة لذكاء وفطنة  الفرد  العراقي  وضحكه على ذقون قود السلطة  وزبانيتها .

  1. ((تفضل  معنا ))  لتلبية  حاجة مخرج سيمائي الى كومبارس   يردد كلمات  يلقنها له  وهو يسجل فلما سينمائيا في  المطار ، لايعلم ذلك الا بعد اخذ منه الخوف والرعب مأخذه   وهو يقاد للمجهول ، فيضحك على نفسه .
  2. (( تفضل معنا ))  ليفرغ   الطائرة من احمالها  من فراخ الدجاج  ،  فيخلس  قناني    مياه   علامة ((بيريه)) بنية   وخضراء اللون   متوهما انها     قناني بيرة ،  فيعطيه مضيف الطائرة   منا  مايشاء ، فيسكره  الخجل والوهم   وجهله   بان يكون الماء  بمثل هذه العلب  الجميلة  نظيرة علب البيرة في بلادنا .
  3. ((تفضل  معنا)) دعوة من الحبيبة لحضور امسية  جميلة ، يعيش   حلم  سعادة اللقاء  بالحبيبة ،   تتناوبه اللهفة  والشوق   و مشهد  المافجأة  للمحب   في قاعة الامسية   الفخمة ، يفتش  عنا  يتفرس  الوجوه  ، يمسح  بنظراته  المنصة   وكراسي الجلوس   فلا يجدها  ، يصاب   بالصدمة   حينما يعلم انها  قد فارقت الحياة  حينما يدله  بعضهم عن  لافتة النعي في مقدمة القاعة .

عبر ماتقدم فالرواية  تكاد  تكون مجموعة من  القصص القصيرة يربطها    رباط  واحد   فيلبسها  ثوب الرواية    الا وهو   عبارة ((تفضل معنا )) بمختلف  تجلياتها المؤلة المرعبة ، المدهشة ، الغير متوقعة  الساخرة من الذات  ومن الاخر   ، افرادا او سلطات ، قيما  وسلوكا  وممارسات ...

وقد حملت  هذه القصص   اجمل ميزة من ميزات القصة القصيرة  وملاحتها  الا وهي القفلة  او  الخاتمة الصادمة المدهشة .

مهدي  زبين لايمارس السرد الخيطي المتسلسل متنكرا لحكايا الاجداد والجدات و (سوالفهم) التي كانت تشدنا صغارا في ليالي الشتاء الجميلة  ونحن نتحلق حول  منقلة  الحطب  ونتعطر برائحة مسك الجدات   ورائحة  الشاي المهيل ،  يقطع الصور  ويعرض سلسلة  متناثرة الاجزاء لحياة انسانية معاشة ، لناس  فقراء   ، بسطاء ،   محايدين   حرمتهم سطوة سلطات  ظالمة  واعراف بالية وقهر  الفاقة والعوز من نعمة الامان  والاحساس   بقيمة الذات  وصيانة الكرامة .

فلو  اقتطعنا  احد هذه القصص  فستكون  مكتملة ولاتحتاج لاستكمال بنيتها السردية   وحبكتها الى استدعاء القصص الاخرى في الرواية .

انها   محاولة لعرض بانورامي   لصور وومارسات  وتجسيدات   وتمظهرات ال((تفضل معناو ..))  في  حياتنا   الاجتماعية  المعاشة ، يمكن للقاري ان يضيف المزيد من  من تمظهرات  ((تفضل معناو))  مثلا  ((تفضل معنا)) لتناول وجبة  طعام  في مطعم فاخر  ونحن نعاني من  الافلاس المزمن ، ولكن الداعي المتفضل يتسسلل  خارج المطعم ولايدفع  الحساب  ونقع  نحن في المصيدة ،   وتفضل معنا لحسناء تنتهي بكمين  فنكون فريسة  للضرب   والابتزاز ودفع  الغرامات ، وتفضل معنا  لتصريف وتبادل   بعرض مغري  لعملة باخرى    لنتبين بعد حين انها عملة مزيفة  وهناك الكثير   من المشاهد .

فتظهر لنا  حربنة  هذه ((تفضل معنا ))  وقدراتها الكبيرة على الايهام  ، فمرة  سوط جلاد ، ومرة افعى  قاتلة ،  او  حبيبا  مفقود  ،  او ثعلبا   ماكرا  ..

 الامر الرئيس الذي اكد عليه الروائي  ان  هذه  ((التفضل معنا ))  غلفتها  السلطات  بالخوف  وحرمة ورهبة السؤال  والتساؤول   وهي    صفة   وتوصيف الانظمة الديكتاتورية   في حياتنا اليومية .

(( "تفضل معنا" يالها من جملة أنيقة ، لكنها توحي باتجاهات متناقضة ، ظاهرها يساير اللطافة واللياقة العالية ، كأن احدا يدعوك الى وليمة نزهة، أو مناسبة عزيزة، أو تعني قصدا مغايرا ، يفسره سياق الموقف، أنت تحدد صيغة العبارة وكيفية القائها، وتوصيلها الى تأويل يطابق التهديد...))  ص21.

 

*طبع  واصدار فضاءات الفن   ط2 2019 .

رقم الايداع في دار الكتب والوثائق  ببغداد(1349)لسنة 2019.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=137035
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28