• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حديث معرفي في الحسين وشهره .
                          • الكاتب : نعمه العبادي .

حديث معرفي في الحسين وشهره

ساعات تفصلنا عن بداية عام هجري جديد، حيث يطل شهر المحرم الحرام، والذي صار يسمى بعاشوراء نسبة الى اليوم العاشر منه الذي حدثت فيه فاجعة كربلاء العظيمة، ويسمى شهر الحسين (ع) وشهر الحزن، ويرتبط الشيعة ارتباطا عميقا بهذا التاريخ، إذ يعد اكثر حضورا وتركزا ووجدانهم من يوم عيد الغدير الذي تشخصت به هويتهم، بل يحضر في وجدان الكثير من غير الشيعة ممن تربطهم صلة نفسية ووجدانية بالحسين وذكراه، ويفتح عاشوراء ( الذكرى، والحادثة، والحدث، والطقوس، والسرد، والموقف، والتوظيف، والفهم) جدلا عميقا ( بينيا وخارجيا) يعود الى لحظات الحدث الاولى، بل الى ما قبله، ومع كل ذلك، لم يتم انجاز الاسئلة المهمة المتصلة به، ويخرج جداله من حبس الآيدلوجيا الى فضاء المعرفة، كما ان السياسة لعبت دورا محورا في تحديد جغرافيته سعة وضيقا، وقد ملأ المنتج التعبوي والخطاب العاطفي والفعاليات الحماسية، الخافقين ولكن الانجاز المعرفي والفلسفي والوجداني العميق لا حضور له إلا في ازقة ضيقة مهملة في خارطة الحضور والاهتمام، ومع اني ادرك ان هذا النص ينتمي الى تلك الازقة المهملة إلا انني اجد  من الضروري ان يكون مستهلا لمحرمنا المرتقب، وفيه اشير الى:
(1) يتداول معظم المسلمين التهاني في اليوم الاول من العام الهجري، وهي ممارسة متماهية مع رأس السنة الميلادية بدون وعي، فالمفترض ان بداية السنة الميلادية هي اشارة لمولد السيد المسيح (ع) بغض النظر عن الجدل حول دقة التاريخ، وهو حدث يقتضي الفرح والبهجة إلا ان العام الهجري مناسبة تؤرخ لهجرة النبي محمد ( ص) من مكة الى المدينة، وهو حدث غير سار في حقيقته، فقد تضمن اخراج النبي واصحابه من بيوتهم وديارهم ومن مجاورة بيت الله الحرام، وكان هذا الاخراج عقب حصار مرير ومعاملة قاسية من عتاة الكفار والمشركين، لذلك فإن القرآن الكريم عدل الهجرة بالجهاد في اكثر من خطاب وساواها بالحرب والقتال، وجعل للهجرة والمناصرة والايواء مكانة مهمة في تاريخ المسلمين، لذا فإن هذا الحدث بعيدا عن تضمن المحرم لشهادة الحسين وعاشوراء التي بصمته ( إلهيا وإنسانيا) بسمة الحزن،  لا يقتضي الابتهاج والسرور بقدر ما يقتضي العبرة والوعي والتأسف على الظروف المريرة والحزينة التي مر بها المسلمون الأوائل، وان ظهور الدعوة وقوتها وتاسيس دولة المدينة التي جاءت عقب الهجرة لا تحوله الى حدث سار، لذلك كانت العودة الى مكة مرة ثانية تسمى بعام الفتح، اي انها عودة انتصار بعد انكسار الخروج القهري منها.
(2) في مقال سابق عندما تناولت ذكرى الشهيد مسلم بن عقيل، وهو سفير الحسين الى الكوفة واول شهداء الملحمة الحسينية، اشرت الى مركزية الكوفة من الحدث الحسيني بوصفها الجغرافية الانسب من كل اقاليم الارض لتحريك واطلاق عملية التغيير والمواجهة، وان الكوفة بما فيها من جدل الاضداد وصراع خطي علي بن ابي طالب ومناويئه هي جغرافية الحدث الاساسية ومرتكزه، وان كربلاء المقدسة مع علو شأنها وعظم مكانتها واحتوائها حادثة عاشوراء ثم تضمنها لقبر الحسين المقدس والشهداء، هي جغرافية وان كانت مختارة في الارادة الربانية والعلم المسبق لكنها بحسب الفهم الظاهري انتجها الخيار الاضطراري الذي احدثته مسارات المواجهة، فتشكلت شخصيتها الحسينية في ظل تداعيات الحدث، وما اريد التأكيد عليه هو الالتفات الواعي سواء في تناول الحادثة او في توظيفها الى موقع الكوفة منها، وعلاقتها المعنوية في مسار المنتج العلوي ومنتج اهل البيت عليهم السلام عموما، وصلة المكان بتشكل الهوية وتبلورها ثم في تصحيح الكثير من الفهومات المخطوءة التي انتجت حولها، وكذلك في متابعة المسيرة التغيربة التي اتصلت صميميا بواقعة الطف.
(3) لقد حظى الحسين وواقعته باوسع واكبر تغطية وتناول واستذكار لحادثة في تاريخ الانسانية ( وهو يستحق ذلك بجدارة) ، وقد كان لهذا التخليد عناية ربانية قصدية، انجزها الانبياء باشارات مختلفة ثم ركزها النبي محمد (ص) بممارسة عملية واضحة، ومن بعده اهل البيت جميعا،ومع ان الحسين الاكثر حضورا في وجدان النخبة والعامة من الشيعة إلا ان منجزا معرفيا يتناسب مع معطى هذا الحدث لم يتحقق بشكله المطلوب، وظل الاحياء ممارسة طقسية واستذكارا وجداني، والكتابة سردا حدثيا او تحليلا تفكيكيا للمجريات التاريخية، فلم يتحول الحسين وحدثه الاستثنائي وما يتصل به الى سؤال فلسفي تشتغل عليه حقول الفلسفة من زوايا موشورية، ولم يعبر الحدث الى فضاء السيسولوجيا والتحليل الاجتماعي لكل ما يتصل بالحدث وتداعياته وما انتجه، ولم تاخذ اللغة طريقها الى الاثر الذي انتجه الحدث الحسيني في الخطابين الخاص والعام، ولم يصار الى نقاشات معرفية واجرائية في حقل السياسة والاستراتيجيات لتفكيك محتوى الحدث وما فيه من زخم عظيم ما يزال يغذي وجدان الحياة بشعلة لاهبة، كما ان حقول الثقافة والنقد والفن لم تشتغل على الحسين والحسينية، وهي فراغات معرفية ونواقص علمية وفكرية وحاجات انسانية لا بد من الشروع بانجازها
، لذا ينبغي ان ينقل الحسين الى الجامعة واروقة الجدل المعرفي ومحطات بناء الوعي، بعيدا عن حساسية الهويات والاضافات المخصصة، وان بقاء الحسين والحسينية في اروقة المسجد والحسينية والموكب والنشاطات الشعبية خسارة عظيمة لا تغتفر، وان مسؤولية كبيرة سوف يتحملها كل من له وعي ازاء هذا التقصير الذي يقتضي تداركا فوريا.
(4) ان البعد العاطفي وتجلياته المختلفة وابرزها البكاء والنواح واللطم على الحسين لا يمثل مادة وعي دانية، تقتصر على العامة ويترفع عنها او يتعالى عليها النخبة، فهذا الفهم والتقنين خطيئة عظيمة، لان في الحسين الحزن والوجع والتفجع منتجا روحيا ونفسيا ووجدانيا وتربويا بل ومعرفيا،فضلا عن كونه دينيا، لا مجال للتفريط به، لذا فإن هذه الممارسة ليست كاشفا لتدرجات حضارية بحيث يورد السؤال الكثير من انصاف المتعلمين واشباه المثقفين ( كيف تبكي او تلطم على الحسين وانت شخصا نخبويا) معللين ذلك بانه ممارسة حضارية يتم التعالي عنها بعد ان يلتحق الفرد في زمرة ما يسمى بالمثقفين، وهم لا يعون الاثر العظيم الذي ينجزه هذا الحزن الواعي ، الذي لا طريق للحصول على آثاره إلا من خلال التفجع للحسين وآله ولمصيبة كربلاء، وهذه الاشكالية ينبغي على الحقل الثقافي والحضاري ان يحلها بوعي، ويعيد لصراخ عصابوية الوعي الادراك اللازم لتلمس فهم صحيح موضوعي، يجعل الممارسة العاطفية على الحسين ارتقاء حضاري.
(5) ان هذا الفضاء المرن والسخي بمساحته المفتوحة وخياراته المتعددة يتيح ويلزم كل ذي وعي ان يشكل صورة حسينية متداولة لا تقتصر على نشاطات البعد العاطفي والمنشورات البسيطة والعزائيات المتبادلة، وانما ينبغي ان يتم الشروع بانجاز المتطلب المعرفي الحسيني باشكال ونماذج مناسبة وبحسب قدرات وامكانيات واهتمامات كل طرف، كما لا يفوتني التأكيد على محاولة نقل الجدل المعرفية باللغات الاساسية ذات التداول الواسع وفي مقدمتها الانجليزية، وهي استحقاق ينبغي ان ينري له اهله.
عظم الله اجوركم بشهادة الحسين وذكراه ورزقنا جميعا الاشتغال في ساحة الحسين الخالد...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=137302
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 08 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20