• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : البكاء أداء لأجر الرسالة (١) .
                          • الكاتب : الشيخ يحيى رسلان العاملي .

البكاء أداء لأجر الرسالة (١)

  رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) إبراهيم (37). 
 
اشتملت شخصية أمير المؤمنين على داعيين هامين للعداوة والبغضاء: 
١- فهو رأس الحربة في جميع حروب النبي صلى الله عليه وآله الدفاعيّة ضد المشركين، وقاتل مردة المشركين ورؤوس القبائل المعادية للإسلام، ما جعل في ذمته ثارات كبرى لمجتمع قبليّ جاهليّ، لا ينسى الثأر العادي، لأحد أبناء القبيلة، فكيف إذا كان الدم لكبير من كبرائها الذين يقوم المجتمع الجاهلي على تقديسهم باعتبارهم السلطة العليا. 
وهذا ما أشار إليه دعاء الندبة:" وكان بعده هدى من الضلال، ونوراً من العمى، وحبل الله المتين، وصراطه المستقيم، لا يُسبَق بقرابة في رحم، ولا بسابقة في دين، ولا يُلحق في منقبة يحذو حذو الرسول صلى الله عليهما وآلهما، ويقاتل على التأويل، ولا تأخذه في الله لومة لائم، قد وتر فيه صناديد العرب، وقتل أبطالهم، وناهش ذؤبانهم، فأودع قلوبهم أحقاداً بدريّة وخيبريّة وحنينيّة وغيرهن، فأضبّت على عداوته، وأكبّت على منابذته حتى قتل الناكثين والقاسطين والمارقين."(١). 
٢- وهو شخصيّة سابقة لمجتمعها بكل مقاييسها، سبقاً لا يترك مجالاً للمقارنة- فضلاً عن المجاراة- ما يجعله محط حسد أبناء المجتمع لا سيما أعيانهم والمترئسين منهم. 
هذا الخطر الداهم المترتب على هذا الغلّ المخزون في قلب المجتمع حتّم حصول تدبير إلهي يحمي الهداية المستمرّة للعترة من بعد سيّدها المصطفى صلّى الله عليه وآله  فنزلت الآية الكريمة: "قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". 
فكان الفرض التشريعي الإلهي لمودّة العترة الطاهرة باعتبارها أجر النبي صلّى الله عليه وآله على جهوده في إخراج الناس من الظلمات إلى النور. 
والمودّة هي الحبّ القلبيّ المتجلي عمليّاً، فهي ليست مجرّد الحب. 
ولكن هل يكفي الأمر التشريعي الإلهي لإزالة الغلّ الناتج عن الثأر من جهة، والتميّز من جهة أخرى. 
وهل أن الامتثال للفرض الإلهي وحده جعل المؤمنين يتجاوزون العصبية والحمية، ويحبون الرجل الذي قتل كبراء قبائلهم. بل بلغ بهم الأمر أن يقدموه على أنفسهم، فلا يبقى مكان في القلب إلا لحبه حتى ولو حكم بحكم يخالف هوى النفس أو مصلحتها. بل يصل الأمر إلى تقديم النفس والولد قرابين على مذبح هذا الحب. 
أم أنها إرادة تكوينيّة إلهيّة، قارنت بين استحكام الإيمان في القلب، وبين اشتعال قاهر لهذا الحب، وبين رين النفاق على القلب وبين استحكام مطلق للبغض؟ 
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني . ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني. وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله أنه قال: " يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق"(٢) 
فهذا الحبّ هو حبٌّ ربّاني جعله الله في قلب المؤمن ، نتيجة طلب خاصّ مستجاب من سيّد الخلق صلى الله عليه وآله ، نزل على إثره قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ). (٣) 
فآية المودّة أظهرت الإرادة التشريعية الإلهية لهذا الود، وهذه الآية أظهرت الإرادة التكوينية. 
فمن آمن بالله حقاً جعل الله الود لعلي عليه السلام في قلبه،  فهو حب إلهيّ يتُرجم في الخارج فكان من ترجمته أن حكّمه الله بقلب المؤمن فأنساه أحبّاءه حتى صار حب ولي الله أعلى من كل حب سوى حب الله. 
  وغدا وحده علامة الإيمان دون الصلاة أو الحجّ أو الزكاة . 
ذلك أن الإيمان أمر قلبي، فعلامته قلبيّة من سنخه، وهو الحب، لذا فهو أدلّ عليه من العبادات البدنيّة. 
بل إنّ الإيمان مرادف لحب علي عليه السلام . 
وهذا الحب يترشّح من إمام إلى إمام حَتَّى يسّتقرّ في ساحة إمام الزمان عجَّل الله تعالى فرجه، ولذا يسهل على أهل الإيمان طاعته حين ظهوره، لاستحكام حبّه في قلوبهم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=137390
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 09 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29