• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : صمود .
                          • الكاتب : احمد القرشيون .

صمود

إنفصلَ الرأسُ عن الجسد فلم تندَ منه آهةً تُسمع ، لقد مرَ النطعُ على الرقبة من القفا ، كان المكان هناك اصلب لكن الشفرة مرت بسلام فلم يشعر بألم الجريرة ، ونزَّ الدمُ بركاناً وفاضَ في الآفاق فاستحالت الحياة حينها الى ضياء بهيج ، ومروج خضراء أينعت في الٌطف ورداً وريحاناً فطاف في ارجائها محلقاً  في سماواتها .

وهناك ، هناك في اعلى الوجود ثمة من كان ينتظره منذ دهور واللهفة على محياه ، وآخرون من الأحبة فارقهم قبل ساعات وكانوا يعرفون أنه لاحقٌ بهم . لقد أسرَ لهم في الصباح أن هذه ليلتهم الاخيرة وان موعد اللقاء هنا ، حيث الخلود بلا انقضاء ، وحيث الخير بلا انتهاء .

وإصطف الجمع باستقباله والبِشرُ يتلألأ في الوجوه ، وثمة أنغام صادحة لمزامير عذبة تعم الأرجاء لايُعرفُ من أين مصدرها ،  وعلى مدى الصفين أحبة سبق وخالطهم فمدوا أيديهم برفق كي يمسحوا بها الثوب الخضيب تبركاً ، وآخرين عرفهم من سيماهم بعدما قالت عنهم الكتب القديمة ، والكل يرنو بعين الحب نحو السيد وقد تلألأت في صدره مسحة من كبرياء ، فقد كان الختام كأليق مايكون به . كان الختام معطراً بضوع سماوي لايبلى وإن تقادم الزمن .

وفي نهاية الطريق المعشوشب بالنماء ، ثمة من يراقب وقع خطوه مستعجلا لحظة اللقاء ، والشوق يفصحّ عن نفسه ، والنور يغمرّ المكان بهاءً حتى لتغشاه الأبصار ،، ومضى نحوه  فاتحا ذراعيه  :

جداه ،،،

( قالها لكأنه مايزال بعدّ صغيراً يتقافز فوق ظهره ) _ لشد ماغيرك الختام ياحفيد ، أصبحت أبهى وصرت أنقى وها انت اليوم أحلى .

ومر بشفتيه على رقبته يريد ان يقبلها كما تنبأ أول مرة فرأى فيها أثراً مثل ندبة خفية ، وماكاد يلثمها حتى تألقت سنىً سرمديا،، وراح المكان يضوعُ عطرا فاح شذاه في الارواح فثمل الجمعّ بإكسير النقاء .

رنا السيد من فوق السحاب نحو المكان الذي للتو غادره فأبصر رأسه مايزال شامخا فوق الرمح فأيقن أنه سيظل هادياً لمن ظللَ يومَه القهر السقيم .

وهناك حيث الرأس ندياً طرياً بلا شحوب شاهد الصغيرة وهي تلوي عنقها حزناً عليه وقد انداح القرط من أذنيها ، وإذ بها تذوي رويداً رويداً لفرط الأسى فتستحيل بعدها طائراً أخضر حلقت نحوه وهي تشدو بترنيمة الخلود فحطت على كتفه الموشى ببردة الجد الأمين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=137678
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20