• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع :  قراءة في رواية ( إذا مات عبد الله )  المحتملات المطروحة والتطبيقات الخاطئة  .
                          • الكاتب : جعفر صادق البصري .

 قراءة في رواية ( إذا مات عبد الله )  المحتملات المطروحة والتطبيقات الخاطئة 

 روى الفضل عن عثمان بن عيسى عن دُرست بن أبي منصور عن عمّار بن مروان عن أبي بصير قال: ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم. ثمّ قال: إذا مات عبد الله لم يجتمع النّاس بعده على أحدٍ ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله، ويذهب ملك السنين ويصير مُلك الشهور والأيّام.  
فقلت: يطول ذلك ؟ قال: كلّا ).  
الغيبة للشيخ محمد بن الحسن الطوسي:447/445، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار للشيخ محمد باقر المجلسي:52/210/ب25/54.  
وباختلاف يسير في الخرائج والجرائح للشيخ قطب الدين الراوندي:3/1163-1164. 
تناقل هذه الرواية بعض المحدّثين المعاصرين لزمن المعصوم إلى أن وصلت إلى زمن الغيبة الكبرى واستقرّت في مصنّف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي الموسوم بـ: ( الغيبة ).  
وتناول الكثير من الفضلاء قديماً وحديثاً هذا النصّ بالشرح، ووقع بعضهم في التطبيق الخاطئ البارد والإسقاط الرديء الفاسد. ونحن إنّما عقدنا هذا المقال لبيان بعض الاشتباهات المتدنيّة والقراءات غير المتأنية، ولوقف الترديدات الزاحفة الزائفة والتغريدات الناشزة الضعيفة التي نقرؤها في عصرنا الحاضر ونسمعها تنطلق من هنا وهناك. 
علماً أنّ تناولنا للرواية سيكون من ناحيتين: سنديّة ومتنيّة، لكي لا نكون ممّن يقبل الأخبار بتساهل وهوى أو يردها بتساهل وهوى، بل بذلك المنهج ( السندي المتني ) نكون أقرب للإنصاف وألصق بالموضوعيّة للمقصد وأدنى للهدف إن شاء الله جلّ جلاله. 
نبدأ أولاً بدراسة الرواية من ناحية السند: 
بدأ صدر سند الرواية التي نقلها الشيخ الطوسيّ بالفضل وهو ابن شاذان الثقة العدل. 
ويستحسن بنا التوقّف ههنا للتأمّل في مسألة تتعلّق بطريق الشيخ الطوسي إلى روايات الفضل بن شاذان 
قال الأستاذ حيدر حبّ الله: « وطريق الشيخ الطوسي في الفهرست إلى الفضل بن شاذان ضعيف ـ كما صرّح به السيد الخوئي ـ إذ تارةً فيه عليّ بن محمّد بن قتيبة، وأخرى فيه حمزة بن محمّد وآخرون ممّن لم تثبت وثاقتهم. 
نعم طريق الشيخ الطوسي في المشيخة إلى الفضل بن شاذان معتبر على المشهور، لكنّ الجزم بأنّه استخدم هذا الطريق في هذه الرواية غير واضح، لأنّ طرقه في المشيخة عادةً ما تكون طرقاً له إلى ما رواه في التهذيب والاستبصار، لا إلى مطلق ما رواه عن الراوي ولو في كتابٍ آخر غيرهما ككتاب الغيبة. 
بل نحتمل جدّاً أنّ طريقه في كتاب الغيبة إلى الفضل بن شاذان هو طريقه إليه في الفهرست، وهو الطريق الضعيف، وذلك أنّه قد روى الطوسي في الغيبة عن الفضل بن شاذان ـ مكرّراً ومراراً ـ بطريقٍ فيه عليّ بن محمّد بن قتيبة الذي لم تثبت وثاقته على المعروف ( انظر ـ على سبيل المثال ـ: الغيبة: 161، 162، 163، 177، 185، 187، 189، 190، 332، 335، 336، 337، وغير ذلك ) ». 
إضاءات الشيخ حيدر حبّ الله في الفيسبوك. 
وكتب الشيخ محمّد عبّاس دهيني: « وهذه الرواية ضعيفة سنداً، لا أقلّ بـ: ( محمّد بن سفيان البزوفري ) وهو مجهول الحال، و ( دُرست بن أبي منصور الواسطي ) الذي لم تثبت وثاقته ». 
إجابة على موقعه الرسمي. 
ودوّن الشيخ محمّد العريبي البحراني التالي: « عثمان بن عيسى الرواسي الكلابي وجه الواقفة، والصحيح وثاقته في الأحكام وترك حديثه فيما يتعلّق بالإمامة والمعارف كغيره من أمثاله. 
ودرست ابن أبي منصور واقفي، لا يروي عنه عثمان بن عيسى. 
وعمار بن مروان وثّقّه النجاشي. 
وأبو بصير، إمّا الأسديّ المتهم، أو المرادي الثقة، والأقوى أنّه الأوّل. 
وقد تفرّد بروايته الشيخ بهذا الطريق، وكتابه الغيبة ليس للاعتماد، بل لجمع أدلّة المسألة تأييداً، وقد يكون فيها الاختيار. 
وأضاف: أن الخبر من الغريب المتفرّد الطريق والألفاظ والمعنى، غير مشهور ولم يرو في الكتب المشهورة التي وضعت للعمل بكاملها، مجمل الدلالة، لم تتحقّق لنا قرائن التصديق به مع احتمال نسبته للواقفة ». 
إجابة عن سؤال وجّه إلى فضيلته ونشرها على موقعه. 
أقول: تضعيف البعض لطريق الشيخ الطوسيّ في الفهرست إلى ابن شاذان لأجل ابن قتيبة غير مُتسالم عليه ففي وثاقته خلاف، ويحقّ للباحث المدقّق مخالفة الرأي الذاهب إلى تضعيفه إذا ثبت له بعد الفحص متانة غيره وتفوّقه، وهذا ما حدا بكثير من الرجاليّين لاختياره. 
وأمّا الاحتمال الذي ذكره الشيخ حيدر حبّ الله من أنّ طريق الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة إلى الشيخ ابن شاذان هو طريقه في كتاب الفهرست فلا ننكره، لكنّه يبقى في أحسن تقدير ضمن دائرة الاحتمال الراجح ( الظنّ ) ولا يرقى إلى الظنّ المتاخم للعلم والمسمّى بـ: ( غلبة الظنّ ). 
وربّما تضعيف الشيخ دهيني لمحمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري يُقبل إذا ثبت حقيقة أنّ البزوفري وقع في أحد طرق الشيخ إلى الرواية. 
 لكن من باب الأمانة فإنّ بعض المعاصرين يقبل الاعتماد على الرواية التي يرد البزوفري في طريق إسنادها، وقد عبّر الشيخ عليّ النمازي عنه بأنّه ممّن روى عنه الأجلاء، منهم: المفيد، وأحمد بن عبدون، والحسين بن عبيد الله. وقد روى عنه أحمد بن إدريس القمّي. 
راجع ذلك في مستدرك علم رجال الحديث للنمازي:7/59/13171. 
وبالتالي يمكن لمن يعتقد بهذا المبنى أُخراجه من حيّز التضعيف والترقيق إلى حيّز القبول والتوثيق. 
نعم، هناك نقاش في بقيّة رجال السند، وما ذكره الشيخ العريبي ففيه نظر، ولا بدّ هنا من التوقّف والتكلّم في ثلاث جهات لاجلاء بعض النكات: 
الجهة الأولى: إنّ القول بوثاقة حديث عثمان بن عيسى في الأحكام دون المعارف وما يتعلّق بالإمامة فغير واضح، بل يصعب قبوله وتبّنيه ما دامت حجج إثباته غير قائمة و براهين إلزامه غير مقنعة، فقد عدّه الشيخ الكشي من أصحاب الإجماع الثالث. 
وذكر الشيخ الطوسي في كتاب العدّة أنّ الطائفة عملت برواياته لأجل كونه موثوقاً ومتحرّزاً عن الكذب، قال وهو يتحدّث عن كيفيّة قبول الرواية وتوثيق الرواة ما نصّه: « وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل: الفطحيّة، والواقفة، والناووسيّة، وغيرهم، نظر فيما يرويه، فإنّ كان هناك قرينة تعضده، أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به. 
وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب إطراح ما اختصّوا بروايته، والعمل بما رواه الثقة. 
وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه، ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرّجاً في روايته موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد. 
ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل: عبد الله بن بُكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل: سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال، وبنو سماعة، والطاطريّون، وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه ».  
العدّة في أصول الفقه:1/150-151. 
كما عدّه الشيخ ابن شهرآشوب من ثقاة أبي الحسن عليه السلام.  
راجع: الموسوعة الرجاليّة الميسرّة للشيخين عليّ أكبر الترابي ويحيى الرّهائي:1/560. 
الجهة الثانية: إنّ القول بعدم رواية عثمان عن دُرست في غير هذا الموضع اليتيم صحيح بحسب تتبّعي، لكن طبقته لا تمنع روايته عن دُرست، فلاحظ. 
كما أنّ دُرست وقع في إسناد كتاب نوادر الحكمة ولم يستثن منه، ووقع في إسناد تفسير القمّي في كلا القسمين، ويروي عنه البزنطي وابن أبي عمير بسند صحيح في الكافي، ولأجل هذه الوجوه استظهر بعضهم منها توثيقه، وقد وثّقه المحقّق المرجع الخوئي، والشيخ مسلم الداوري وغيرهما.  
راجع: معجم رجال الحديث للخوئي:8/145، وأصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق للداوري:2/29-30، والموسوعة الرجاليّة الميسرّة:1/342. 
الجهة الثالثة: فيما يتعلّق باتّهام الأسدي إن كان المقصود به فساد المذهب ( الوقف ) أو التخليط على ما نُقل عن بعض السلف، فلا يُسلم بهذه الطعون، ولا يُركن إلى هذا المقصد تمام الركون، حيث إنّ الشيخ الكشي بحسب بعض النقول عدّه من أصحاب الإجماع المذكور، وذهب إلى توثيقه المشهور.  
راجع: رجال الكشي:174، رجال النجاشي:441/1187، اختيار معرفة الرجال للطوسي:2/673، والفوائد الرجالية للشيخ مهديّ الكجوري:155، وتنقيح المقال في علم الرجال للملا عليّ كني:160، وسماء المقال في علم الرجال للشيخ أبي هدى الكلباسي:1/343، ومعجم رجال الحديث:21/89، ومستدركات علم رجال الحديث:8/340، والموسوعة الرجاليّة الميسرّة:2/357. 
ولا يضرّ موقف العلّامة الحلّي منه بمستوى وثاقته، فهو وإن كان لا يقبل مذهبه ويقدح بعقيدته، لكنّه يرى العمل برواياته، كما ذكر ذلك صريحاً في كتابه الرجالي المسمّى بخلاصة الأقوال في معرفة الرجال:416/ف26/ب1/3. 
وعليه فإنّ القول باتّهامه لرفض رواياته لا يخلو من تأمّل، بل يرى بعضهم أنّ هذا القول غير قابل للاعتماد، كونه خلاف التحقيق. 
ثمّ على فرض قبول تضعيفه فإنّ الميل إلى أنّ الأوّل ( الأسدي ) هو المراد به دون الثاني، ينقصه الدليل المطمئن المؤكّد وتعوزه القرائن الموثوقة والشواهد، وبالتالي لم يتوفّر لدينا اطمئنان على أنّ أبا بصير الذي يروي عنه عمّار بن مروان هو الأسدي لا البختري. 
ومهما يكن فإن كان البعض يرى سند الرواية فاقداً للاعتبار كما سمعنا، فإنّ هناك من يرى اعتباره كالشيخ أحمد الماحوزي في النصوص على أهل الخصوص:614 هامش، والشيخ جلال الدّين الصغير، والشيخ محمد الريشهري في كتابه موسوعة الإمام المهدي عليه السلام:7/287. وهو الظاهر من كلام الشيخ علي الكوراني في أسئلةٌ مهدويّة/آخر ملوك الحجاز/السؤال رقم:24. 
ويلزمنا تذكير القارئ الكريم أنّ صحّة سند الرواية لا يعني بالضرورة صحّة صدروها عن المعصوم. 
ثانياً: الرواية من ناحية المتن. 
عند مطالعة متن الرواية بعد صرف النظر عن سندها وغضّ الطرف عن صحّة صدورها نرى أنّه يشتمل على ألفاظ عائمة ومفردات غامضة وفقرات مجملة تحتاج إلى توضيح وتبيين نوردها إليكم بالترتيب الآتي: 
( من يضمن لي موت عبد الله )، ( أنا أضمن )، ( له )، ( القائم )، ( لم يجتمع النّاس بعده )، ( لم يتناه هذا الأمر )، ( دون صاحبكم )، ( ويذهب مُلك السنين )، ( يطول ذلك ). 
نستهلّ بيان تلك المفردات بالتدرّج: 
الضمان لغة: يطلق على الكفالة والالتزام، وكلّ شيء أحرز فيه شيء فقد ضمنه، وضمنت الشيء ضماناً: كفلت به، فأنا ضامن وضمين. وكلّ شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إيّاه. أنظر: العين للشيخ أحمد الفراهيدي:7/51/باب الضاد والنون والميم معهما/مادة: ضمن، وتاج اللغة وصحاح العربيّة للشيخ إسماعيل الجوهري:6/2155/فصل الضاد: مادة: ضمن. 
ولنا هنا وقفة قصيرة مع أحد مشايخ أهل الجمهور فقد أثار إشكالاً محتملاً على لفظة أو مفردة ( من يضمن لي ) بحجّة أنّها تبدو غير متوافقة مع السياقات القرآنيّة والمعارف الشرعيّة، حيث إنّ الموت حقّ على كلّ البشر، فكلّ من عليها فان وكلّ نفس ذائقة الموت، فلا مخلّد بينهم. 
انتهى إشكاله. 
لكن هذا الإشكال يمكن تذليله إذا قرّبنا الصورة بمعنى حمل الضمان على البشارة المشروطة وما إلى ذلك، وبموت ( عبد الله ) يتحقّق جواب الشرط فيما يأمله المؤمنون المنتظرون. 
ويرى الشيخ العريبي أنّ الضمان يراد به الشرط الخبري، وهو العلامة. 
وقال: « إن صحّ الخبر فمحمول على المشيئة كما هو ظاهر الخبر بقوله: ( إِنْ شَاءَ اللَّهُ )، فيكون من العلامات التي يُرجى أن يُفرّج الله بها عن المؤمنين ». 
هذا، كما أنّنا نوّد الإلفات إلى أن مصادر أهل الجمهور المعتمدة قد أخرجت أحاديثاً نبويّة تذكر نفس المفردة ( نفس اللفظة ) العترويّة، ننقل لكم بعضها: 
منها: ما أخرجه الشيخ محمّد البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه، أضمن له الجنّة، الحديث ). 
 صحيح البخاري:7/184/كتاب الرقاق. 
ومنها: ما أخرجه الشيخ أحمد بن حنبل في مسنده عن ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ( قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من يضمن لي واحدة أضمن له الجنّة، الحديث ).  
مسند أحمد:5/279. 
ومنها: ما أخرجه ابن حنبل وغيره بسندهم عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم اضمن لكم الجنّة، الحديث ).  
مسند أحمد:5/323، السنن الكبرى للشيخ أحمد البيهقي:6/288، المستدرك على الصحيحين للحاكم للشيخ أبي عبد الله محمّد الحاكم النيسابوري:5/358-359 وصحّحه، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير للشيخ عبد الرحمن جلال الدّين السيوطي:1/165/1095. 
إذن الإشكال المطروح يصحّ رفعه بما تقدّم،ويحقّ لكم نفض غباره بما سمعتم. بل وفق هذا يسع الباحث أن يميل إلى تبنّي فرضيّة مهدويّة الرواية والقول بعلائميّتها المستقبليّة. 
إذا اتّضح لك ذلك أيّها القارئ الكريم فأعلم أنّ بعض الباحثين يرى أنّ حديث الإمام الصادق عليه السلام كأنّه كان يتحدّث مع أصحابه عن عصره، ويستدلّ على ذلك من توجيه كلامه عليه السلام ( للحاضرين ) في زمنه السامعين حديثه، من قوله لهم ( من يضمن ) ( لي )..( أضمن ) ( له ). 
وبكلمة مبسّطة: إنّه عليه السلام يُخبر جلساءه من يبشّره ( منهم ) بحقيقة موت عبد الله فيبشّره ( الإمام ) حين سماع الخبر الحقيقي ( من هذا الناقل ) بقيام القائم منهم وظهور أمره وبسط نوره. 
ولفظ ( القائم ) يُراد به من يقوم بأمر الإمامة والخلافة، والمحتمل منه أمران: 
الاحتمال الأوّل: يُراد به الإمام الصادق عليه السلام، أو المعصوم الذي يجيء بعده ويكون معاصراً لزمن الحاضرين، أو من يجيء بعده بقليل.  
وبالتالي فإنّ هذا الوصف يصحّ إطلاقه على الأئمّة السابقين على ولادة الإمام الثاني عشر ممّن يقوم بالأمر منهم، صلوات الله وتحيّاته على نبيّنا وعليهم. 
وبناء على هذا الاحتمال يكون ( عبد الله ) هذا شخصيّة معاصرة للإمام، ويترجّح أنّه أحد حكّام بني العبّاس، ولعلّه المنصور الدوانيقي. 
 ويميل إلى هذا الاحتمال الشيخ حسين الخشن في كتابه علامات الظهور بين حلم الانتظار ووهم التطبيق:52. 
وإذا قبلنا بهذا الرأي فسيواجهنا السؤال التالي: هل تحقّق موت عبد الله ؟  
وإذا مات عبد الله حقّاً فلماذا لم يستلم الإمام الصادق أو الكاظم عليهما السلام زمام أمور السلطة الدنيويّة ؟ 
ثمّ ألم يعلم المعصوم بتعليم الله إيّاه أنّ مُلك بني العبّاس طويل ؟ 
أليس هو عليه السلام كان قد أخبر المنصور بذلك، ومن ثمّ أمر أصحابه وشيعته بالصبر والانتظار وعدم الانخراط مع الجهات المسلّحة والتحزّب الثوري لمعارضة بني العبّاس والخروج على سلطانهم كما جاء ذلك في الأخبار ؟ 
راجع: روضة الكافي للشيخ محمد بن يعقوب الكليني:8/24 و142 و148/ح7 وح383 وح412، والغيبة للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني:203/ ب11/2. 
وروي أنّ الإمام الباقر عليه السلام صرّح للمنصور بذلك أيضاً قبل تصريح الإمام الصادق عليه السلام له. 
أنظر: روضة الكافي:8/116/ح255. 
ويمكن الإجابة عن ذلك باعتماد صيغتين: 
الصيغة الأوّلى: يُحتمل حصول البداء في هذه العلامة، ولعلّ قوله عليه السلام: ( إن شاء الله ) يوحي بإمكان حصوله. 
 وبناء على هذا لم يمت عبد الله ولم ينخرم حكم المملكة القائمة، ولم ترجع الخلافة الشرعيّة المرتقبة إلى المعصوم. 
وربّما يعضّد بعضهم هذه الصيغة المختارة بما جاء في بعض الروايات المعلّلة بعدم رجوع الخلافة إليهم عليهم السلام وتأخّرها، لأجل قيام شيعتهم وأتباعهم بكشف قناع الستر وإفشاء السرّ الذي أمروا بكتمانه عن غيرهم. 
راجع: الكافي:1/228-229/كتاب الحجّة/ب139 كراهيّة التوقيت/1، وغيبة النعماني:304/ب16/10.  
ومنه تعلم الإجابة عن الشقّ الأخير من الأسئلة المتعلّقة بعلم المعصوم بطول مدّة ملكهم. 
وعن ذلك قال الشيخ حيدر حبّ الله: « إذا كان هذا هو نصّ الرواية ولم يسقط الراوي شيئاً هنا ولو سهواً، فإنّ الرواية قد تبدو غريبة، وذلك أنّ الإمام يتكلّم عن شخص اسمه ( عبد الله ) ويقول للنّاس بأنّ من يخبره بموته يضمن له القائم، وهنا إمّا أن يكون عبد الله هذا شخصاً محدّداً كان معاصراً لزمن الإمام وزمن صدور هذه الرواية، أو يكون شخصاً آخر قد يأتي في قادم الأزمان، فعلى الاحتمال الأوّل يبطل التعاطي مع هذه الرواية اليوم، لأنّ المفروض أنّ عبد الله هذا قد مات في تلك الأيّام ومع ذلك لم تحصل حالة ظهور الإمام المهديّ، فإمّا تكون الرواية موضوعة، أو يكون قد حصل البداء فيها من حيث كونها من العلامات غير الحتميّة بناء على صحّة هذه النظريّة ». 
الصيغة الثانية: يُحتمل تلاعب الواقفة بالرواية وتدخّل أيديهم في صياغة متنها ونسج فقراتها كي تنطبق على الإمام الكاظم عليه السلام الذي يعتبرونه قائمهم المنتظر وإمامهم القائم. 
وقد مال إلى هذا الرأي الشيخ محمّد العريبي والشيخ حسين الأميري.  
والله تعالى العالم بالحقائق وبما هو للصواب مطابق. 
الاحتمال الثاني: يُراد به إمام الزمان ومنقذ الأديان وشريك القرآن ومهديّ الثقلان عجّل الله فرج خروجه المنتظر وسهّل ظهوره المقرّر. 
ومن هذه الزاوية فقد حاول بعضهم وفق ما فهمه من لفظ ( القائم ) تخصيصه بالإمام المهديّ عليه السلام. 
 ولكن بحسب قناعتي فإنّ هذا الفهم لا يستقيم، لأنّ هذا الوصف غير مختّص به عليه السلام، والقرائن المتوفرّة في الأخبار الأخرى لا تولّد الاطمئنان للأخذ بها، كونها غير متّحدة الموضوع مع غيرها. 
على أيّ حال لو تساهلنا ومشينا مع الاحتمال الثاني- ومع غضّ النظر عن إجمال الرواية في تبيان هويّة عبد الله وتحديد شخصيّته- فحينها سيكون ( عبد الله ) شخصيّة مستقبليّة حقيقيّة لا رمزيّة ستظهر في قادم الزمان قريباً من عصر ظهور إمام الإنس والجان. 
وعلى ضوء ذلك يترتّب ما يلي: 
إنّ ( عبد الله ) هذا يتمتّع بشخصيّة قويّة نافذة، بل يُستفاد من الرواية أنّه صاحب سلطة. 
ولعلّه أحد ملوك الدولة العبّاسيّة الثانية، أو أحد ملوك الدول المجاورة الفاعلة والمؤثرّة في المنطقة. وقد يوحي بذلك بعض الأخبار التي تحدّثت عن ظهور الفرج بموت العبّاسي، ففي  معتبر ابن أبي يعفور قال: ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أمسك بيدك هلاك الفلاني - اسم رجل من بني العبّاس -، وخروج السفياني، وقتل النفس، وجيش الخسف، والصوت. 
 قلت: وما الصوت، هو المنادي ؟ 
فقال: نعم، وبه يعرف صاحب هذا الأمر، ثمّ قال: الفرج كلّه هلاك الفلاني من 
بني العبّاس ). 
غيبة النعماني:266/ب14/16. 
وكذلك روى النعماني بسنده عن محمد بن الصامت قال للإمام الصادق عليه السلام: ( ما من علامة بين يدي هذا الأمر ؟ 
فقال: بلى. 
قلت: وما هي ؟ 
قال: هلاك العباسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء. 
فقلت: جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر ؟ 
فقال: لا، إنّما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا ). 
غيبة النعماني:269-270/ب14/21. 
ووردت الإشارة إلى أنّ هذا سيكون حين يصعد أعواد منبر مروان، فعن أبي بصير عن الغمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ( إذا صعد العبّاسي أعواد منبر مروان أدرج ملك بني العبّاس،  الرواية ). 
غيبة النعماني:271/ب14/24. 
ومن هنا يتّضح لك أيّها القارئ الكريم كيف وقع بعض الأعلام في خطأ التطبيق وعلق في شباك الإسقاط حينما اشتبه فتصوّر أنّ ( عبد الله ) هذا هو آخر ملوك بني العبّاس ( عبد الله المستعصم ) الذي قتله هولاكو التتاري.  
راجع: الدرّ النظيم للشيخ يوسف العاملي:759/ب14، والعدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة للشيخ علي بن يوسف الحلي:77/ح131، وأعيان الشيعة للسيّد الأمين:2/73، وعلامات الظهور بين حلم الانتظار ووهم التطبيق:51-52. 
وقد أجاد بعضهم في ردّ بعض التطبيقات الخاطئة التي تناولت عبد الله المذكور، ومن هؤلاء السيّد حسن الميرجهاني في كتابه نوائب الدّهور في علائم الظهور:3/8-9. 
إذا توثّقت من ذلك وفرغت فأعلم أنّه بناء على فرضيّة صحّة المعطيات في احتمالها الثاني فالمرجّح عندنا في تحديد زمكان ( زمان ومكان ) حكم عبد الله ومحلّ تواجده هو دولة بني العبّاس الثانية الكائنة أيضاً في العراق والمتجدّد حكمها فيه بعد اندراسه،  
وهذا الرأي هو مختار فضيلة الشيخ أحمد شحتول علوان، ومحتمل الشيخ محمّد مهديّ زين العابدين  النجفيّ فقد قال عنه إنّه: « آخر خليفة ورئيس من رؤساء بني العبّاس الذين يملكون بغداد ».   
بيان الأئمّة للوقائع الغريبة والأسرار العجيبة:2/531 . 
وذهب الأستاذ عالم سبيط النيلي إلى قناعة أبعد فجزم بأنّه حاكم العراق كما جاء ذلك في كتابه الطور المهدوي:248. 
وغير هؤلاء يرى أنّه حاكم أو ملك الحجاز.  
راجع عصر الظهور للشيخ عليّ الكوراني:198، واليمانيّون قادمون للكوراني:119، والمصلح العالمي للسيّد نذير الحسني:242، ومحاضرة في ملتقى مسجد براثا للشيخ جلال الدّين الصغير، وموقع المؤمّل/فصل: صراع دموي بين قبائل الحجاز على السلطة ومجيء جيش الشام إلى الحجاز. 
واحتمل ذلك الأستاذ حسن النجفي في كتابه علائم الظهور في المستقبل المنظور:187-188. 
هذا، وقد حاول البعض تشييد الرأي الأخير بأمور:  
منها: قرينة تناه الأمر إلى القائم المهديّ عليه السلام، حيث إنّه يخرج من مكّة، وبما أنّ عبد الله حاكم لمنطقة الحجاز، فذلك يشرح لنا ويفسّر عجالة تناه الأمر وسرعة وصوله إلى الإمام الحجّة عليه السلام، فهذا الأمر بنظر البعض يعطي الرأي رجاحة للأخذ به. 
ومنها: ما روته أمّ سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: ( يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكّة، فيأتيه النّاس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويُبعث إليه بعث من أهل الشّام فيُخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشّام وعصائب أهل العراق فيبايعونه بين الركن والمقام ).  
سنن أبي داوود للشيخ سليمان السجستاني:2/423، عقد الدرر للشيخ يوسف المقدسي السلمي الشافعي:69، الحاوي للفتاوي للشيخ جلال الدّين السيوطي:2/126. 
ومنها: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( بينا النّاس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة، يكون عند موته فرج آل محمّد صلى الله عليه وآله وفرج النّاس جميعاً ).  
غيبة النعماني:267/ب14/37. 
الناقة الذعلبة: قيل هي الناقة السريعة. 
ومع صرف النظر عن مناقشة أسانيد تلك النصوص، فإنّ هذا التشييد قد يبدو على بعض جوانبه الضعف، وذلك لوجوه ثلاثة: 
الوجه الأوّل: أنّ تفسير عبارة ( ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم ) بما ذُكر أعلاه ضعيف، فالرواية لا تتحدّث عن القرب المكاني لرجوع الحقّ لأصحابه، وإنّما تتحدّث عن القرب الزماني. 
 كما أنّه لا يوجد في ما بين سطورها ما يُملح إلى أنّ الحكم المنقرض الزائل ( حكم عبد الله ومن يأتي بعده ) يتواجد بتشكيلته المتعاقبة في تلك البقعة المباركة كي نقوم برسم سيناريو يتلائم مع طبيعة تلك المنطقة. 
وعليه فلا تلازم بين خروج الإمام المهديّ عليه السلام من مكّة المُعظّمة وبين انتقال الحكم إليه من أولئك الظلمة ذوي الحكم القصير ورجوعه إلى قبضته في فترة ليست بالطويلة، بل لا ضرورة تقتضيه ولا يوجد مستمسك يدلّ عليه. 
الوجه الثاني: حديث أمّ سلمة وإن كان يتّفق مع الرواية محل البحث ( الرواية المناقشة ) في أنّه عند موت هذا الخليفة وموت ذاك تتضعضع الأمور ويسود الاختلاف، ووردت بعض الأخبار المشعرة بذلك، لكنّه لا يمنحنا سكينة تامّة بانطباقه على ( عبد الله ) بالذات ولا يُعطينا وثوقاً كاملاً بصحّة حمله عليه، لضعف القرائن وخفوت البيّنة، كون خروج الإمام قد عبّر  عنه بحرف ( الفاء ) لا باسم الإشارة ( ثمّ )، وبالتالي فما من دليل مؤكّد حاسم أنّهما شخص واحد، وإن كنّا لا نستبعد اتّحادهما. 
وهناك ملاحظة وهي: خلّو حديث أمّ سلمة من ذكر أمد الاختلاف السلطوي، ومن تعاقب المُلك ( الحكم الدنيوي ) قصير الأجل والمشرف على الزوال الأبدي. 
 على انّه في حديث أم سلمة ثمّة هناك شائبة تلفت نظر الباحث، حيث إنّ متنه يقول أنّ أهل مكّة يخرجونه - أي: يخرجون الإمام المعصوم المهديّ- ويبايعونه بين الركن والمقام، مع أنّ النصوص المعتمدة تذكر أنّ ( الثلاثمائة وثلاثة عشر ) هم من يبدؤون بهذا الفعل. 
نعم، إذا كان حديث أم سلمة قد نُقل بالمعنى وحدث فيه بعض التصحيف الطفيف، وهو المظنون، فإنّه يتّفق مع الرواية المناقشة من هذه الزاوية وحينئذٍ لا توجد بينهما معوّقات أو مشكلة. 
لكن موت هذا الخليفة لا يدلّ على كونه يسكن الحجاز ويعيش فيه، ونفس الإشكالات السابقة الواردة على الرأي الأوّل ترد على حديث أم سلمة، فتمعّن.  
الوجه الثالث: أنّ رواية النعماني، التي يمكن اعتبار سندها بحسب بعض المباني الرجاليّة،  تتحدّث عن سماع النّاس في الموسم خبر موت خليفة أهملت ذكر اسمه ونسبه ومنطقة حكمه، فهي مجملة من هذه الجهة، لكنّها من جهة أخرى تُلمح إلى عصر الظهور وتُشير إلى ظهور السلطة العادلة والحكومة العالميّة، باعتبار أنّ فرج آل محمّد وفرج النّاس جميعاً ( الفرج العالمي ) لا يتحقّق إلّا في زمان استقرار حكومة المعصوم المهدويّة. 
وقد نصّت بعض الأخبار على أنّ فرج شيعتهم يتحقّق حين يختلف بنو العبّاس ويوهي سلطانهم. 
راجع: غيبة النعماني:278-279 و289/ب14/42 و43 و67. 
إذن تبقى علامة الاستفهام أمام مضمون الرواية من حيث إنّها لم تذكر مُلك الشهور والأيّام والحكّام المتعاقبين، ولم تحدّد موقع سلطة هذا الخليفة، ومن ثمّ لا يتهيأ لنا ربط إعلان خبر موته في مكّة لإثبات مكيّة حكومته وحجازيّة سلطنته. 
ومن هذا المنطلق نقول: إنّ أيّ محاولة لصرف لفظ ( الخليفة ) المذكور فيها إلى ذلك الحاكم ( عبد الله ) وإسقاطها عليه هي بنظرنا محاولة قاصرة وحلحلة غير مثمرة ومجازفة لا داعي لها. 
قوله عليه السلام: ( لم يجتمع النّاس بعده على أحد ). 
علّق بعض الأخوة ( المسمّى بأبي لؤلؤة ) في موقع يا حسين على العبارة بما يلي: 
« إن كان المقصد أنّ المعنى هو أغلب النّاس، فهل هذا يعني أنّ أغلب النّاس كانت تجتمع على ولاية عبد الله ؟ 
ثمّ قال لمن يطبق هذه الرواية على مملكة آل سعود: 
هل نظام المملكة أصلاً يؤخذ من أغلبية النّاس عبر التصويت الديمقراطي وغيره ؟ 
فلذا نجد أنّ هذه الرواية لا دلالة عليها سنداً ومتناً، فتسقط ». 
وكتب الباحث الطائي في منتدى موقع الكفيل: 
« عبارة المعصوم ( ع ) ( لم يجتمع النّاس بعده على أحد )، أي: لم يحصل إجماع وتوافق على من يخلفه كما حصل لمن سبقه في الحكم. 
وهذا لا يعني أنّه لا يملك أحد من بعده !  
بل يملك بعده ملك، ولكن بدون اجتماع من النّاس عليه لحصول اختلاف بينهم. 
أي: عدم اجتماع النّاس على أحد من بعد عبد الله، هو إشارة وعلامة يجب أن تكون واضحة مُفعّلة واقعيّة حتّى يصدق عليها القول/التوصيف. 
ثمّ ذكر أنّ الخلاف بينهم يلزم أن يكون واقعيّاً يؤدّي إلى صراع وتقسيم البلاد. 
وأضاف: لا نعلم كم المدّة بالدقّة ستكون بين ( بدأ الاختلاف وعدم اجتماع النّاس على أحد )، وبين ( تحقّق الفرج الموعود بعده، وكما وصّفه الإمام ( ع ) بأنّه لا يطول ) ». 
وأوضح الشيخ جلال الدّين الصغير: « المقصود هنا بـ: ( النّاس ) ليس عموم النّاس، وإنّما الجهة السياسيّة المعنيّة بحكم عبد الله، هؤلاء لن يجتمعوا على أمر من بعد عبد الله ». 
أقول: سواء أكان المجتمعون هم الجهة السياسيّة أو غالبيّة المكوّن الإسلامي في منطقة الحدث، فإنّ عدم اجتماعهم على ملك بعينه سيؤدّي حتماً إلى تفاقم الوضع الداخلي وعدم استقرار الحكم من بعد موت عبد الله، وحينها تتبدلّ صورة الحكم من حكم طويل الأمد إلى حكم الشهور والأيّام.  
ولا ريب انّه في هذا إشارة إلى انتقال الحكم والسّلطة من شخص لآخر بالانقلابات أو الموت. 
قوله عليه السلام: ( لم يتناه هذا الأمر ). 
يرى بعض الأفاضل أنّ المقصود به: أنّهم لا يجتمعون على مُلك جامع، ولا ينتهي هذا الأمر من عدم الاجتماع إلّا بظهور المعصوم عليه السلام. 
وبعبارة ثانية: إنّ انتقال المُلك السريع بينهم سوف لا يتوقّف ولا يستقرّ حتّى يصل إلى المعصوم المنتظر. 
قوله عليه السلام: ( صاحبكم ).  
يراد به: إمّا الإمام الصادق عليه السلام، وإمّا الإمام المهديّ المنظر عليه السلام.  
ومن المعلوم أنّ اختيار القارئ سيكون تبعاً لتبنّيه مقصد الرواية وترجيحه له، وسينسحب ذلك الترجيح لمقصد الرواية على قول الإمام الآتي في العبارة التالية. 
قوله عليه السلام: ( ويذهب مُلك السنين ويصير مُلك الشهور والأيّام ). 
المفهوم من العبارة أنّها جاءت للدلالة على عدم استقرار الوضع السياسيّ بعد هلاك تلك الشخصيّة، والتغييرات السريعة التي تحصل في النظام الحاكم، كما يقول النيلي في كتابه الطور المهدويّ:248. 
وهذا يعني أنّها مرحلة حسّاسة وخطيرة ومتأزمّة حيث يذهب فيها ذلك الإجماع المُدّعى والتوافق المزعوم فيما بين أعضاء الكتلة الحاكمة، وقد يعمّ الاضطراب بين العباد في أرجاء البلد بسبب هذا التقلّب الحادّ. 
لقد علّق بعضهم على العبارة بالتالي: « أي: الذين تطول سلطنتهم ويملكون سنيناً متعدّدة وتصير السلطنة بالشهور والأيّام، بأن يكون هذا يملك ثلاثة أشهر، وهذا أربعة مثلاً، وكذلك الأيّام ».  
بشارة الإسلام في علامات المهديّ عليه السلام للسيّد مصطفى الحيدري:171. 
وبمعنى آخر: « أنّهم كلما نصبوا بعده شخصاً لا يبقى سنة كاملة، ولا تمضي شهور أو أيّام حتّى ينصبوا غيره ».  
عصر الظهور للكوراني:199. 
وقبل العبور إلى الفقرة الأخيرة أحببت إخباركم بأنّي عثرت على خبر مرسل أظنّ تفرّد بنقله المؤرّخ علي المسعودي فقد حكى فيه عن محاولة المأمون العبّاسي ( المغرضة ) بنقل الأمر وتسليم الحكم إلى الإمام الرضا عليه السلام، فأجابه الإمام عليه السلام قائلاً: ( إنّ هذا الأمر ليس بكائن فينا إلّا بعد أن يملك أكثر من عشرين رجلاً بعد خروج السّفياني ).  
إثبات الوصيّة:225، عنه مسند الإمام الرضا عليه السلام للشيخ عزيز الله العطاردي:1/115. 
والخبر قد لا يستسيغه البعض ولا يرى بينه وبين رواية ( إذا مات عبد الله ) نسبة تربطه بها، لكنّ أقول له: أنّي أوردته هنا من باب الاستئناس به، فربّما يُفهم منه- إن كان الكلام عن ملوك بني العبّاس بعد خروج السّفياني - التالي: 
وهو بقاء ملكهم إلى ما بعد خروج السّفياني في أوّل أمره. وأنّ توالي هذا العدد الكبير من الملوك ( يتراوح عددهم ما بين العشرين إلى الثلاثين ) خلال فترة قصيرة جداً يذكّرنا بموت عبد الله وذهاب ملك السنين. 
قوله: ( فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلا ).  
يُحتمل منه معنيان: 
أحدهما: أنّ سؤال الراوي ( ومقصوده ) كان هكذا: هل تطول مدّة بقاء عبد الله حتّى يهلك ؟ 
 فأجابه المعصوم بالنفي، وأنّ أجله قريب. 
ولا بدّ أن تعرف أخي القارئ وأختي القارئة إنّ المعرفة بموت الأشخاص تعدّ من العلم المكتسب الذي يُعلّم الله عزّ وجلّ به بعض عباده المخلصين ويأذن سبحانه بإفاضته عليهم. 
وثانيهما: أنّ سؤال الراوي ( ومقصوده ) كان هكذا: هل تطول مدّة حكم من يأتي بعد موت عبد الله حتّى يحقّق الفرج ؟ 
وبعبارة أبسط: هل تطول مدّة ملك الشهور والأيّام إلى حين إمساك المعصوم زمام الحكم ؟ فأجابه المعصوم بنفي كون المدّة طويلة. 
وقد ذكر نحو هذا الشيخ الصغير، والباحث الطائي. 
وعن ذلك كتب الشيخ حسين الخشن ما يلي: « ظاهر الخبر هو الحديث عن ظهور الإمام المترتّب على موت عبد الله، فالسائل لا بدّ أنّه يسأل عن القضيّة الجوهريّة التي هي محطّ نظر الإمام في الخبر وهي ارتباط ظهور صاحب العصر بموت الملك عبد الله، وهذا ما يتطلّع إليه المؤمن ويسأل عنه أكثر من غيره ». 
إجابة على موقعه. 
وكيف ما كان وعلى الاحتمالين فإنّ الفترة بين انتهاء الحكم وتحقّق الفرج التامّ ليست بالطويلة عند المعاصرين لها والمنتظرين. 
والله تعالى العالم بالأسرار وببواطن الأمور. 
نرجو أن نكون قد وفقّنا في إيضاح محتملات الرواية محلّ البحث وكشف إجمالها أو إبهامها، وبيان ضعف التطبيقات الخاطئة وزيف استغلال متنها. 
ويجدر بنا قبل توديع الموضوع وإغلاق المبحث التذكير بأنّ الخطر الكبير على الدّين يكمن في تأويل الحديث وتجييره لصالح نوازعنا، أو شرحه بما يُوافق رغباتنا ويُلائم متبنّياتنا. 
وكم هو دقيق قول الإمام الباقر عليه السلام لأبي سعيد الزهري: ( تركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه ).  
المحاسن للشيخ أحمد البرقي:1/215/كتاب مصابيح الظلم/ب8 باب التثبّت/102، الكافي للكليني:1/50/كتاب فضل العلم/باب النوادر/9. 
ختاماً نتمنّى أن يدّكر المُتعقلون المُتفقّهون ويرعوي المُتمنّون المُستعجلون. 
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى وآله الطاهرين والمرسلين ومن تبعهم بإحسان ووالاهم إلى يوم الدّين. 
 
جعفر صادق الحسيني البصري




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=139098
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 11 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16