• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية ( تحيا الحياة ) الكاتب فيصل عبدالحسن .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة في رواية ( تحيا الحياة ) الكاتب فيصل عبدالحسن

هذا الجهد الروائي المتمكن , من توثيق التأريخي , لاصعب مرحلة , مر بها العراق في تاريخه السياسي العاصف . في الازمنة الشمولية المتسلطة في ظلمها واستبدادها , في خنق الحياة وعصرها عصراً في الاختناق الطاغي . ان المتن الروائي يسلط الضوء الكاشف , لهذه الحقبة او اللحقب المظلمة في تاريخ العراق الدموي . في تحولاتها وصراعاتها على خناق السلطة والحكم , ومن يجلس على عرش السلطان المالك الاوحد . ولهذه يضعنا النص الروائي في رؤيته الثاقبة , امام عدة عتبات متنوعة . في نظام يمارس الرعب بجنون وهوس سادي . والتي تمثل اقسى حالة الشذوذ في تاريخ العراق الحديث .ان يصعد ويتسلق على قمة هرم الدولة العراقية . ليكون القائد الاوحد ( أنا الدولة والدولة أنا ) فرد وضيع ولقيط ويتيم من تربية الشوارع الخلفية , من مواخير الفساد والجريمة والرذيلة . ليصبح مؤسس جمهورية الخوف والرعب في أساليبها النازية المدمرة . أو بالاحرى جمهورية لقطاء الشوارع , دولة مفصلة على قياساته . ليقود الواقع السياسي والاجتماعي الى الانهيار .. والسرد الروائي المحكم في جاذبية السرد المشوق والمركز . يتناول سيرة حياة عائلتين , بينهما تقاطع وعداء وخلاف . الاولى مكونة من اعمام سارد النص الروائي , وبطل الرواية وضابط مسار احداثها , يسرد حكايات أعمامه وهم يمتهنون حرفة السرقة والسطو على اصحاب المواشي ( المعدان ) . ولكن بعدما تفاقمت مشاكلهم مع العشائر , وكثرة الدعاوي ضدهم في مراكز الشرطة , تركوا مهنة السرقة , وجمعوا موردهم المالي , واشتروا سيارة ركاب . لكي تكون دخلهم المالي في الحياة . ولكن السيارة سرقت . من قبل مساعد السائق , الذي كان لقيطاً في الشوارع , وعطف عليه أحد الاعمام ليكون مساعداً للسائق , لينتشله من التشرد في الشوارع. وبعد البحث والتفتيش عن السارق , بالبحث المتواصل والمرهق والمتعب . وجدوا أن ذلك اليتيم اللقيط الذي يعرف بأسم ( سليبا / أبليس ) . ولكنه اصبح مسؤولاً كبيراً في الدولة والحكومة . وطالبوه بالتعويض المالي , ولكن بدلاً من التعويض ارسل ( أبو السارد النص الروائي ) الى السجن , ثم الى الاعدام البشع , في حوض اسماك القرش مع حفنة من المساجين , لكي يتسلى القائد الاوحد ( سليبا / ابليس ) بمشاهدة اسماك القرش وهي تقطع لحم المساجين . لذلك طلبت ( الجدة ) أم الضحية المعدوم , الثأر لابنها المغدور , في القيام في محاولة اغتيال , والتي انتهت الى الفشل , وتشتت شمل العائلة ........ أما العائلة الثانية فهي عائلة اللقيط واليتيم الذي اصبح فيما بعد رئيس الدولة , ليؤسس دولته من الخوف والرعب . ويتابع السرد الروائي سيرة حياة هذا اللقيط من البداية حتى وصوله الى قمة هرم الدولة والمجتمع . يتابع سايكولوجية عائلته ونشاطها بالفساد والجريمة والدعارة والجنون على الاستيلاء والاستحواذ . وكذلك شلة وحاشية اللقيط الدكتاتور ( الرئيس الدولة ) وهم من اصحاب الجرائم والفساد والدعارة , وحفنة من القواويد والعاهرات , وحفنة من اصحاب السحر والشعوذة , ومن النفوس الضعيفة والذميمة , يبيعون شرفهم واعراضهم بحفنة من المال , حتى يبعون زوجاتهم وبناتهم واخواتهم , وحتى أمهاتهم , حتى يرضوا نزوات وغرائز الجنسية المتوحشة لقائدهم الاوحد . اي أن شلته واعوانه من من منابع مواخير الرذيلة والفساد , واطلق لهم العنان في استباحة العراق بالبطش والتنكيل , في ابشع وسائل التعذيب النازية . فالويل من يدخل قفصهم , لا يمكن ان يخرج سالماً , بالعقاب والتعذيب حتى ينقطع اخر نفس في حياته , هذه الشلة الطاغية تتفنن بمهارة في اساليب البطش والتعذيب . بهذا الشكل يتحدث النص الروائي للواقع الفعلي , في اسلوبية السريالية الكوميدية والتراجيدية . في زحمة المأسي التي يتجرعها المواطن , لكنها لاتخلو من السخرية والتهكم . وكذلك الصراعات والتناقضات الناشبة داخل العائلة الحاكمة . في نزواتهم المريضة . وفي خلافاتهم المستعرة , وخاصة من أبنه البكر . المعتوه والمجنون بالدموية والعنف السادي . وشبقه الجنسي المتوحش , في خطف الطالبات واغتصابهن , وعند الصباح حين يشبع من الضحية هو واعوانه , يطلقون سراحها , بالتهديد بعدم التطرق الى الاغتصاب الجنسي والخطف . وبهذا الشكل اصبح المواطن على راحة كف دكتاتور مستبد وطاغي في منتهى التوحش , ولان اصله لقيط ويتيم . فاراد ان يكون جيشاً جراراً من اللقطاء , حتى يعتمد عليهم ويسلمهم مفاتيح الدولة والحزب القائد . ولكن الصراع العائلي بروح الحقد والانتقام بين افراد العائلة المالكة في خلافات حادة . مثلاً ابنه العنيف والمجنون , اغتصب زوجة ابيه الثانية السرية . الذي يكن لها الحب والعشق الطاغي . وحين وجدها في حالة يرثى لها من الاغتصاب المتوحش , اصابه الجنون بروح الانتقام من أبنه البكر , وشعر بالاحباط والانكسار والتخبط , بماذ يفعل لهذا الابن العاق ؟ . فقد انكسرت هيبته وكبريائه داخل نفسه . وهو الذي تنظر اليه حاشيته واعوانه بخوف ورعب وارتباك حين يدنو منهم , وهاهو يذوق علقم المرارة والانكسار , وبدأت الهواجس بالتوجس من عائلته بالقلق المتزايد , بأنهم يدبرون ضده انقلاب عسكري , وخاصة ان ( خال ) الاولاد , وزير دفاعه محاط بمجموعة من كبار العسكريين التي تدين بالولاء له , لذلك لابد ان يتغدى به قبل ان تنفلت الامور خارج السيطرة , مهما يكون الثمن . لذلك دبر عملية اغتيال مدروسة , ونجحت العملية بقتل وزير دفاعه . . ولكن مع أبنه ماذا يفعل وينتقم منه على فعلته الشنيعة في اغتصاب زوجته وعشيقته . وكان يدردم مع نفسه في ايجاد وسيلة يعيد الكرامة الى زوجته المغتصبة . لذلك يقول ( لو كان غيره من الناس لذر رماده في نهر دجلة , لو كان شعباً لمحاه عن وجه الارض , لكنه أبنه وشبيهه وقطعة من كبده , وفي كثير من المرات يرى تصرفاته ويقارن ذلك بشبابه المقموع ) ص195 . لانه كان يتيماً ولقيطاً , أشاء الحظ والصدفة ان تنتشله من الشوارع , ويتسلق على شجرة الدولة حتى قمتها , من خلال ذلك العسكري ( العميد ) الذي رباه واعتنى به , وانتشله من التشرد في الشوارع . لكن بعد ان قوت شكيمته , عامل سيده وولي نعمته بالقسوة الوحشية , بدلاً من رد الجميل , اغتال افراد عائلته بطريقة بشعة ثم اغتاله , لكي يتفرد بالحكم وحده دون شريك له . ليصبح القائد الاوحد . ثم سعيه الخبيث في الانتقام من المجتمع العراقي في التخريب الاجتماعي والاخلاقي , في السعي لتكوين جيشاً جراراً من اللقطاء ,ليطلق لهم العنان بالتوحش والتخريب الاخلاقي . وحتى يكونوا مخلصين له . وكان يحث ويشجع على خلق وانتاج اللقطاء بأي صورة كانت . حتى يكون له جيشاً قوامه 100 ألف لقيط ولقيطة . وكان يكافئ بالمال من يجلب لقيطاً او لقيطة , هذا الهوس الجنوني ( - أصنعوا اللقطاء بأي ثمن واي طريقة وباسرع وقت ممكن . لقيط واحد في العراق أفضل من عشرة اصلاء , وكل من يأتي بلقيط يجب ان اطبع قبلة على جبينه , وان تصرف له مكافأة لا يحلم بمثيلها , حتى سمي حكمه بحكم اللقطاء المباركين ) ص200 . ويسلمهم الحزب والامن والمخابرات . وان يكون لهم نفوذاً كبيراً في الدولة , في جمهورية يحكمها اللقطاء . وفي التاريخ القديم يعج بالامثلة من اللقطاء الذين انقلبوا على والي نعمهم بالاغتيال والقتل , ليحلوا محلهم , بديلاً من الحاكم والسلطان والملك المغدور . منهم ( سرجون الاكدي) كان لقيطاً . واحتضنه الملك ورباه في القصر , ولكن حينما كبر اللقيط قتل الملك ليحل محله مللكاً لمدينة ( كيش ) . يعني التاريخ العراقي زاخر بالعنف الدموي والغدر , في اغتصاب السلطة والحكم من قبل اللقطاء و ( سليبا / ابليس ) واحداً منهم , ليصبح قائد الضرورة الاوحد . ان رواية ( تحيا الحياة ) تستعرض بدقة عمليات الارهاب السياسي والفكري واساليب البطش والتنكيل . وكما تعرج على كوارث الحصار الاقتصادي الدولي بعد الحرب المدمرة , فقد جعلت الشعب يئن ويرزخ تحت ثقل معاناة الفقر والجوع الحياة الصعبة , وقلة الرواتب حتى اصبح الراتب الشهري يساوي كيلو واحد من الدقيق . وشحة المواد الغذائية واختفاء الدواء , وحل بديله الدواء الفاسد والمغشوش , فتفشت الامراض المزمنة والفتاكة , ومنها الامراض الجلدية , لنقص الادوية , وفقر الدم الذي يعاني منه شرائح كثيرة من الفقراء . حتى اصبحت حياة لا تطاق ولا تتحمل , مما برزت ظاهرة هروب المجندين . من اجل اعالة عوائلهم من التشرد والفقر , ولكن كان النظام لهم بالمرصاد , بعدما كثرت عمليات الهروب من الجيش والجبهات الحربية , قررت الحكومة قراراً , بقطع صيوان الاذان , لكل هارب ومتخلف ( - ليعلنوا في التلفزيون , أن كل من يفر من الخدمة العسكرية تقطع الحكومة أذنيه ) ص79 . واصاب الناس الهياج والتذمر بموت الكثيرمن المعاقبين , تحت عقوبة قطع صيوان الاذان . فأضطرت الحكومة تخفيف العقوبة بقطع صيوان واحد من أذنيه. ولكن الهيجان والتذمر تصاعد اكثر , وبدأ الحديث بأن الحياة بهذا الشكل لا يمكن ان تستمر , واصبحت عبارة عن جحيم , فلابد من قيام انقلاب او ثورة ,تنقذ الشعب من هذا الجحيم والنظام الوحشي , . فجرت عدة محاولات لاغتيال رأس النظام , وكذلك محاولات انقلابية , لكن جميعها باءت بالفشل , من هذه المحاولات الكثيرة , محاولة انقلاب التي شارك فيها الكاتب الروائي ( حسن مطلك ) مع مجموعة من الضباط الوطنيين . لكنها فشلت واعدم الكاتب الشهيد . الذي كان هدفه انقاذ الشعب من نظام دكتاتوري باطش , أذل واهان الشعب ( وحين عثر الروائي حسن بعد ذلك على مجموعة من الضباط الوطنيين يخططون لاغتيال الرئيس , أنخرط في صفوف الثائرين لتحقيق حلمه , وعندما لم تنجح محاولاتهم , قبض عليه مع الضباط واعدم الكاتب الشاب , من دون رفاقه برميه لكلاب الرئيس الجائعة , فمزقته شر تمزيق ) ص134 . وكذلك قام النظام الدكتاتوري بأبادة الجماعية , في الانتقام من الحركة المسلحة في كوردستان , في ضرب احدى مدنهم ( حلبجة ) بالغاز الكيمياوي , فقد اغارت الطائرات على المدينة وهبطت على مستوى منخفض ودفعت مسحوقها السام والخانق الى الاسفل ( وحين بلغت مسافة خمسين متراً عن رؤوس الناظرين الى السماء , انفتحت تلك الحزم المدببة متحولة الى غمامات شديدة السواد , وغابت الشمس عن المدينة لنصف ساعة جحيمية خانقة , سقط جمهور من النساء والرجال والاطفال , يتلوون لاختناقهم بسبب أنسداد قصباتهم الهوائية بغاز السام , واخذوا يسعلون دون انقطاع مخرجين كل ذرة أوكسجين وتعويضها بذرات الغاز السام ) ص181 . وتدور الاحداث العاصفة بعد ذلك لتأتي , ام المهالك في الانكسار الكبير بعد الحرب ضد الحلفاء , ووقعت قوات الجيش في ضربات مدمرة ومهلكة , انتهت بالخسارة الماحقة والذليلة , انتفض الجنود المندحرين والمنكسرين من الحرب , ليشعلوا انتفاضة في الجنوب , وامتدت الى الوسط والشمال . بالانتقام من النظام الذي ارسلهم الى محرقة الموت والجحيم , ودفعهم الى الموت المجاني , فأنتشرت المجموعات المسلحة لتقاتل النظام واعوانه من الحزبيين , الذين لاذوا بالفرار كالفئران المذعورة , خوفاً من انتقام الشعب , وليتجرع الدكتاتور الجالس في بغداد مرارة علقم الهزيمة , فقد حدثت مجازر في كبار الحزبين واحرقت البنايات الحكومية والحزبية . ولبى نداء الوطن كاتب ( تحيا الحياة ) لينضم الى الانتفاضة والمنتفضين , ويودع زوجته والدموع في عيونها ( - أنتفاضة كبيرة قام بها اهلنا في الجنوب وعليَّ أن اشارك فيها . أنتِ تفهمين هذا ؟ ) ص225 . وتيقن الدكتاتور بأن نهايته اقتربت ونظامه الى الزوال , بعدما ارتكب مجازر بحق الملايين من افراد الشعب . لكنه لم يأيس من اغراق الانتفاضة بالدماء , ويطلق جحوشه اللقطاء , في يومهم المنشود والموعود , ليطلق لهم عنان التوحش والوحشية , بالتدمير والقمع الدموي , حتى لا يفرق بين الناس , كلهم اعداء يستحقون الموت بالبطش والتنكيل , ونجحوا في انقذ ابن جلدتهم اللقيط الاكبر . هذا المتن الروائي لرواية ( تحيا الحياة ) في خطوطها العريضة , التي تمثل بانوراما المعذبين والمسحوقين , ضحايا القمع المتوحش , التي تجرعها الناس في النكبات المتوالية من نظام يضم في جعبته ازبال قاع الحضيض , ومن مواخير الرذيلة , في عهد ظالم وجائر , لا يعرف ’ سوى لغة الموت والقتل , لكن ليس هذه نهاية المطاف رغم الظلامية القاسية , فمازال الامل بأن تحيا الحياة من جديد , ولا بديل سوى ان تحيا الحياة , حتى من عمق الظلام الدامس , وكانت هذه الرواية ( أنشر الرواية على الناس نفخاً للحياة فيها .... أتبقى جسداً هامداً تنوشه السنوات والتقادم الزمني , وعوامل التفسخ كأي شيء حي اخر ؟ هل يعيد الناس خلق العمل الادبي بأضافة ماعشوه من احداث في الواقع اليها ؟ أنتابته مشاعر فرح وحزن ... فرح لانه اكمل أنجاز ما اراد انجازه طيلة عمره سنوات حزنه كما يسميها وحزن أهله جميعاً , لانه لا يدري ايضاً هل وفق بكتابتها واتم واجبه على خير وجه . أم بقيت أمامه مسؤوليات جمة ليكتمل عمله , أولها كيف له ان يخرج بالرواية خارج الحدود ؟ ) ص263 . وهذه علقم المصيبة . كيف يستطيع الخروج معها من النقطة الحدودية ( طريبل ) هذا مصدر الخوف والقلق عند نقاط الحدود , التي تلعب في اعصاب المسافرين بساعات الرعب والقلق والتوجس. أنها لعبة الحظ بين الموت والحياة . وخاصة من اكتوى بعلقم المعاناة عند نقاط الحدود , كأنها ختبار وامتحان لقدرة تحمل المسافر . جملة من السلوك الخشن , في الاهانة والاذلال . لكن حالف الحظ رواية ( تحيا الحياة ) وخرجت بسلام بأن الحظ والصدفة لعبت بها ولصالحها في الخروج .

× الكتاب : رواية تحيا الحياة

× المؤلف : فيصل عبدالحسن

عدد الصفحات : 272 صفحة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=139773
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 12 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29