لا زلنا بحاجة الى خبراء اجانب ..؟
في أواخر عام 1830 م أرسلت بريطانيا الضابط البريطاني ( فرانسيس رودان جيزني ) الى العراق من أجل دراسة صلاحية نهري دجلة والفرات الى الملاحة النهرية البخارية آنذاك ، كان هذا قبل شق قناة السويس ومن أجل اختصار الطريق للسفن التي تنقل البضائع والمسافرين في مسافات طويلة من اوربا الى اسيا ..
وفعلاً بدأ هذا الضابط رحلته بنهر الفرات ابتداءً من منطقة الفرات الاعلى متجهاً نحو ( عانة ) حتى وصل البصرة في نيسان من عام 1831 م ، ورغم المصاعب التي واجهته الاّ أنّه رفع تقريراً يتضمن صلاحية نهري دجلة والفرات للملاحة النهرية البخارية ..
على أثرها وافق البرلمان البريطاني على ارسال لجنة للتأكد من رأي جيزني حول صلاحية نهري دجلة والفرات للملاحة وأُرسل مع اللجنة زورقان بخاريان أُطلق عليهما دجلة والفرات وأنزلا في النهرين لغرض اجراء رحلة فعلية تجريبية ، الاّ أنه حصل على عكس تقرير الضابط جيزني .. أمّا الزورق دجلة فلقد انقلب وغرق بسبب هبوب رياح عالية ، وأمّا الفرات فلقد عانى ما عانى وتعرّض لهجوم بعض عشائر حوض الفرات وكانت الرحلة جداً متعبة وخطرة .. قررت بريطانيا على أثر الرحلتين الفاشلتين عدم صلاحية النهرين للملاحة النهرية ..
أرسلت بريطانيا بعد ذلك وتحديداً في عام 1908 م السير ( وليم ويلكوكس ) وبرفقة عدد من المهندسين لإعداد دراسة خاصة بنهري دجلة والفرات فيما يخص استثمارهما لأغراض الري والزراعة ، وفعلاً جاء الى العراق ورفع تقريره الفني الخاص بهذا الغرض بعنوان ( ري العراق ) وذلك بعد ان مكث سنتين من الدراسة والتحري حيث ابدى رأيه بصلاحية النهرين في إحداث طفرة زراعية في العراق وتحويله الى جنّة على الأرض ، وأعطى أفكاره الخاصة بتطوير وتنمية الزراعة والري من خلال اقتراح بعض المشاريع الهندسية العملاقة ، كسدة الهندية وسد الفلوجة وبحيرة الحبانية وخزان وادي الثرثار وأفكار اخرى مهمة كاقتراحه بمد سكة الحديد يربط العراق بساحل البحر الابيض المتوسط قرب صيدا ..
كان لهذه الافكار الأثر البالغ في إحداث تنمية ذات ابعاد مختلفة في العراق ولا زالت أفكاره ومشاريعة نجني ثمارها ..
السؤال : هل لا زلنا بحاجة الى خبراء أجانب لإدارة ثروات البلد .. فلقد قبلنا بالخبراء العسكريين والسياسيين .. فلماذا نرفض خبراء في الاقتصاد وقطاعات الخدمات كالصحة والكهرباء والماء .. الخ ؟ هذا هو قَدرنا وهذا هو الواقع ، أقول هذه الكلمات ونحن نعيش في أجواء اللغط الحاصل حول الاتفاقية الاقتصادية بين الصين والعراق والتي هي عبارة عن نفط مقابل استثمار واعمار ..
الصين بلد متأصل حضارياً في التأريخ ويشهد في الوقت الحاضر طفرات صناعية وتكنولوجية واقتصادية... هائلة واستطاع أن يلتهم اكثر اقتصادات الدول المسيطرة والتي طالما استغلت نفوذها وتفوقها استغلالاً سيئاً يصب بصالح أطماع استعمارية وتوسعية .. مؤثرة ومضرة . من الناحية المبدأية فإن توجيه البوصلة نحو الصين يعتبر اجراءً جيداً ومهماً في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور وسيعود على العراق بفوائد كبيرة غير الأعمار والاستثمار وعلى رأسها ضمان وقوف دولة بحجم الصين معنا في المحافل الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن ولو من باب الحفاظ على مصالحها داخل العراق .. غير أن طبيعة الإتفاق وتفاصيله لا بد ان تراعى فيه مصلحة البلد الى اقصى درجة ممكنة وهذا يعتمد على حنكة المفاوض العراقي .. حفظ الله بلدنا وشعبنا من كل سوء
|