من السنن التأريخية التي يثّبتها التأريخ البشري ويقرّها الدين ويحققها علم السياسة هو أن لكل دولة عمر ، يطول أو يقصر ، وتكاد أن تتشابه الدول في أسباب موتها وقصف عمرها وإن إختلفت في أسباب نشوؤها وولادتها ، ونستعرض أهم الآراء في ذلك :
• فيذهب ابن خلدون مثلاً في مقدمته الى أن ( العصبية ) هي سبب قيام الدولة وإنهيارها ، ويعتمد وجود الدولة على وجود العصبية بين أبناءها ، والعصبية بالمفهوم الحديث هو أقرب الى مفهوم القومية المعاصر ..
• بينما يذهب ميكافيلي الى انّ القدرة السياسية هي التي تحدد بقاء الدولة أو زوالها ، والقدرة السياسية عنده تتمثل بكثرة الرجال والأموال عند الحاكم ..!
• أما سقراط فيُفهم منه أن السبب هو تحوّل الشعب الى طبقتين غنيّة حاكمة وطبقة فقيرة ، وطبقة الفقراء والمعدمين هي طبقة خطرة على الدولة حيث تنزع أخيراً الى السلاح وتقضي على الطبقة الغنية .
• بينما في مفهومنا الإسلامي يكون العدل أساس الملك ويعتبر الظلم والطغيان من أهمّ أسباب زوال الدولة وفناءها .. قال تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمّرناها تدميرا ) , وقال تعالى ( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين ) ..
ولقد شبّهوا الدولة بالطفل الذي يولد ضعيفاً ، ثم يشتدّ عوده وتقوى شكيمته ثمّ بعد ذلك يهرم ويضعف ، ويحدد ابن خلدون في مقدمته عمر الدولة بثلاثة أجيال ( الطفولة - الشباب - الكهولة ) ، ويعطي عمراً تقريبياً لكل جيل مقداره ( 40 ) سنة ، فيكون معدل عمر الدولة ( 120 ) سنة ، غير أننا نقول لو أنّ ابن خلدون اكتفى بتحديد ثلاثة أجيال وأطوار للدولة من دون تحديد عمرها بالسنوات لكان أسلم وأكثر علمية ، فهذه الدولة العباسية والدولة العثمانية استمرت كل منها مئات السنين ..!
ولعل الآيةّ القرآنية : ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكرون ) واضحة وصريحة لفكرة الأجيال الثلاثة ..
ومما يجدر الإشارة إليه هو أنّ ضعف الدول - سواء في بداية عمرها أو نهايته - من الفرص الثمينة التي تحتاج الى استثمار حقيقي في بعض المجالات من قبل أهل الحقّ أو الذين كُتمت أنفاسُهم وقيّدت حريّاتهم أبّان تسلط الدولة وجبروتها .. وتضييع هكذا فرصة تعتبر غصة بحق ، ولا ينبغي التهاون بذلك ..وخير مثال وأسوة لنا في ذلك هو ما قام به الإمامان الصادق والباقر عليهما السلام أبان سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وكيف استثمرا هذه الفترة في نشر علوم الدين وترسيخ مذهب الحق وضبط أسسه وأصوله وفروعه من بين باقي المذاهب والمشارب التي شرّقت بالإسلام وغرّبت به ..
|