ينتشر فيروس كورونا على نطاق واسع في البلاد، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نسبة عالية من الناس لم يأخذوا القضية على محمل الجد. كأن العديد من المسئولين ليسوا على إلمام بحجم القضية. في السابق، قدمتُ في مقالين التحذيرات، لكن يبدو أن القضية الأكثر أهمية -لخلق تعبئة عامة فعّالة -تتمثل في توضيح جدية القضية وخطورتها، ومعرفة الطريق الذي أمامنا وتوقع الأحداث المستقبلية. فقط بالتسلح بمثل هذا الإدراك، يمكننا أن نواجه الحقيقة، كي وباتخاذ القرارات الإستراتيجية والإجراءات الإستراتيجية للتعامل مع تفشي فيروس كورونا المستجد ومضاعفاته، نتجنب حدوث تسونامي مرير وتداعياته غير المعقولة.
لهذا نشير فيما يلي إلى بعض القضايا:
أ. الاستعداد على أساس السيناريو الأسوأ: إنما التأكيد والتخطيط على أساس السيناريو الأسوأ، سوف يلعبان دورا مهما في سلوك الناس، وبالتالي يمكن أن يكون لهما تأثير كبير في الحد من تفشي الفيروس. لنتذكر أن النجاح الكامل يأتي عندما تفوق سرعة صنع القرار وأنشطة المؤسسات والأشخاص، سرعة تفشي الفيروس.
في إيران، كانت هناك نظرة متفائلة سائدة على تفشي الفيروس وتأثيراته منذ البداية. لم يكن لهذا النهج تأثير إيجابي على التأهب الوطني والاجتماعي وحتى استعداد الحكومة. بالنظر إلى حجم السكان وحجم الأراضي التي تعاني تفشي فيروس كورونا، للأسف يجب القول باننا أصبحنا الصين الثانية. في الصين، تعرضت مقاطعة واحدة يقطنها حوالي 58 مليون شخصا، لتفشي الفيروس، وفي إيران، تتعرض جميع المقاطعات وعشرات الملايين من الإيرانيين للفيروس تقريبا (نؤكد على أن التعرض لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض).
بسبب الأنماط المتشائمة لهذه الأوبئة، فإن الفيروس لديه القدرة على إصابة مئات الآلاف من الناس في إيران، والقضاء على عشرات الآلاف بل وأكثر؛ وبالتالي خلق كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لكن ما يبعث السرور هو أنه في حالة وجود استراتيجيات مناسبة للرقابة والعلاج وانجازها في وقتها، فإن الأرقام النهائية للمرضى والضحايا ستكون أقل بكثير.
لا يمكن التحكم في تفشي المرض واتخاذ الإجراءات الإستراتيجية، إلّا في حال استيعاب حجم الكارثة المحتملة وعمقها وشدتها استيعاباً صحيحاً. ونقل هذا الاستيعاب بشكل صحيح إلى الناس والطاقم الإداري والطبي وجميع الأجهزة. لمنع حدوث كارثة، يجب تجنب الاختزالية واهتمام الناس بالتدابير الاحترازية اهتماماً بالغاً، وأن تستخدم الحكومة بقرارات إستراتيجية وعاجلة بناءً على الاستعداد لمواجهة السيناريو الأسوأ؛ كل الإمكانيات-نؤكد كل الإمكانيات-المتاحة داخليا وعالميا من خلال تسهيل العلاقات الدولية، وقبول المساعدات الحقيقية، وإدارة هذه الأزمة بأقوى المجموعات التي تحمل التفكير الاستراتيجي وبالفرق والمؤسسات الأكثر قدرة إلى جانب طواقم إدارية وطبية. يمكن باتخاذ مثل هذا النهج تقليل عدد المصابين من ناحية وتقليل عدد الضحايا من خلال توفير الرعاية الصحية المناسبة. لا ننسى أنه في الظروف القياسية، يحتاج حوالي 15٪ إلى 20٪ من المرضى إلى خدمات المستشفيات، ومع الرعاية الصحية المناسبة، يمكن تخفيض عدد الضحايا من خمسة بالمائة إلى واحد أو اثنين بالمائة.
ب -التنبؤ بالأزمات: ينبغي أن يقدم المختصون رؤية واضحة للمسار الحالي والمستقبل، ليعرف كل من الحكومة والشعب كيفية الاستعداد لمواجهة هذا الواقع. وليعرف عامة الناس متى يجتازون المرحلة الراهنة. هذا الموضوع مهم من الناحية الاقتصادية والمؤسسات التعليمية. لقد كانت لدينا أخطاء وتأخير كبير في التنبؤات، ولكن الإجراء الأكثر ضرورة، الآن، هو رؤية الواقع والتنبؤ بأسوأ سيناريو ممكن. لو كانت الحكومة قد تعاملت منذ البداية وفقا لأسوأ سيناريو في مجال الوقاية، فكان من الممكن الحؤول دون المرض واحتواءه بأفضل الأشكال، وأسهلها.
لسوء الحظ، يبدو بأنه لا يوجد حاليا جدول زمني واضح للسيطرة على تفشي كورونا فيروس في العالم. هناك فرص وآمال في أن انتشار المرض سيوفر المناعة، إما عن طريق تطوير لقاح الفيروس أو عن طريق حلول فصل الصيف أن نصل إلى نقطة نهاية هذا الفيروس على غرار ما شاهدناه في وباء السارس. ولكن لكي نكون واقعيين، يجب أن نأخذ في الاعتبار التجربة الصينية. في الصين، ونظرا إلى سلسلة من التدابير بعد حوالي ثلاثة أشهر، تم الإعلان عن السيطرة النسبية وخفض نسبة المصابين بفيروس كورونا. وفقا لذلك، يمكن القول إننا نحتاج إلى إعداد أنفسنا لعدة أشهر (خمسة أشهر على الأقل). لكن علينا ان نعرف بأن نسبة الضرر الذي يحدث بعد بضعة أشهر يعتمد على مقدار الجهد والاستعداد اليوم.
ج: التعبير الصحيح عن الحقائق والرسالة الموحدة: من اليوم يجب أن نقول الحقائق بشكل صحيح وكامل. يمكن وضع الماضي جانبا في الوقت الحالي. يمكن فيما بعد -وبالطبع هذا أمر ضروري –دراسة هذه التجربة من الألف إلى الياء، وفصل أولئك الذين لم يأخذوا التحذيرات على محمل الجد عن غيرهم والتعلم من هذه الدروس. لكن النقطة الأكثر أهمية في الأسابيع القليلة الماضية كانت الافتقار إلى الشفافية التي يجب تصحيحها للسير على الطريق الصحيح، فالمعلومات والرسائل المتناقضة من المسئولين تخلق حالة من الفوضى وتسهم في الفهم الخاطئ لقضية كورونا. نتيجة هذا التناقض وعدم الشفافية هو أن البعض يشعرون بالخوف الآن لدرجة أن حياتهم قد تعطلت تماما وأصبح بعضهم متهاملا إلى درجة يعرضون أنفسهم ومجتمعهم لتفشي المرض. كان للخوف نفسه، من ناحية، والتبسيط والإهمال من ناحية أخرى، آثار سلبية على التواصل وحتى على حالات التفكك الأخلاقي.
نشر المعلومات الدقيقة والواضحة أمر لا بد منه في هذه القضية، يمكنه تقديم الحل. مع الأسف، أظهرت التجربة أن من مصائب الساسة في بلادنا هي العجلة من أمرهم في إبداء الرأي وتحليل القضايا. في قضية كورونا كانت للتصريحات غير الدقيقة وغير المفهومة وغير العلمية التي جاءت على لسان المسئولين، تأثيرات سلبية كبيرة، وتسببت في انعدام الثقة على نطاق واسع. نتيجة هذه التصريحات هي أنه على الرغم من الأعمال الدءوبة اليومية الجيدة، لا سيما من قِبل الطاقم الطبي، لكن بسبب نفس البيانات غير الدقيقة، حتى اليوم، فإن الخدمات المقدمة، والتي تعتبر ممتازة من نوعها، لا تُرى على الساحة. تتطلب مكافحة هذا المرض بنجاح في هذه الحالات الحرجة الإرادة القوية وتبني المواقف والعمل الموحد للحكومة والمؤسسات الحكومية.
د-حماية كرامة الإنسان ومبادئه: أُجبر الكثير من المحتاجين لعلاج ألم المصاعب الاقتصادية على المجيء إلى الشوارع. لكسر هذه الدورة، يجب تقديم حل عاجل. تتمثل إحدى الطرق في توفير حزمة دعم شاملة للفئات المحتاجة وذات الدخل المنخفض للأشهر الثلاثة القادمة. كما يجب على الناس دعوة بعضهم البعض للمساعدة والتعاطف والتكاتف، ورفض أي نوع طلب من البعض أو على الأقل الاكتفاء بالحد الأدنى.
بالإضافة إلى الجهود التي يجب بذلها للحفاظ على الصحة والنشاط النفسي، ينبغي صون كرامة المتوفى والمرضى وعائلاتهم وتخليد ذكرهم. يجب أن يتم دفن الجثمان بمزيد من الاحترام، ويجب أن يكون الناس أكثر التزاما. غداً قد يحين دورنا.
يصدق هذا الأمر على الطاقم الطبي الذي استشهد خلال هذه الفترة. من الضروري أن تعمل وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والمدنية ذات الصلة بأسرع ما يمكن لتكريم هؤلاء الأعزاء كي يتم تخليد ذكرهم وخدماتهم، ولتعزية أسرهم والشعب النبيل وليذكرنا بقضية كان بالإمكان التقليل من تداعياتها كثيرا.
أخيرًا، نؤكد مرة أخرى على أن كورونا يمكنها أن تخلق كارثة كبيرة للغاية ذات تداعيات كبيرة، وان تصيب الجميع. بدلا من الاختزالية والتبسيط، ولمكافحة كورونا بنجاح، من الضروري اتخاذ القرارات بناء على أسوأ السيناريوهات والاحتمالات الأكثر تشاؤما؛ وكذلك التدابير والتوقعات الوقائية والعلاجية. حياة الآلاف من المواطنين على المحك، ولا مجال للتبسيط.
أيها السادة، قوموا بكل ما يمكن فعله، عجّلوا، فالحفاظ على الشعب من اوجب الواجبات.
|