• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كيف نثبت ايمان ابي طالب ع من بين كم هائل من الروايات التي تكفره ؟ .
                          • الكاتب : الشيخ عقيل الحمداني .

كيف نثبت ايمان ابي طالب ع من بين كم هائل من الروايات التي تكفره ؟

من الشخصيات المظلومة جداً في التاريخ شخصية عظيمة لبطل من ابطال الإسلام ولِحام الإسلام وناصر النبي صلى الله عليه واله العظيم المُكنى بأبي طالب ع، حقيقة استُهدف من قِبل الأمويين الذين سَفّه احلامهم، وقد اعترفوا بأن النبي العظيم الذي هو ربيب لأبي طالب قد سفّه احلامهم، ووقف ابو طالب العظيم بوجه اكبر مؤامرة في تاريخ البشرية من التيار المادي الإلحادي ضد النبوات عندما دعم الإسلام بكل ما يملُك بأولاده وبما يملك من مال وبما يملك من جاه وتحمل كل القضايا التي ألمت به من اتهامه بالكُفر والشرك والانحراف عن جادة قُريش، تحملها من أجل الإسلام العظيم. ولهذا ظلمه آل أمية ومن بعده اتى آل العباس وظلموه والغريب في الأمر إننا منذ وفاة هذا الرجل العظيم وبعده، ومن زمن امير المؤمنين ع والى هذا اليوم.. الغريب في ابي طالب انه الى اليوم الناس تُدافع عن ايمانه مع العِلم ان ايمان هذا الرجل من البديهيات لا يحتاج الى استدلال، لكن كما تعلم الإعلام المضاد لأبي طالب كان أعلاما كبيرا جداً.

من أوجه عظمة ابي طالب ع ومن ملامح شخصيته الايمانية إن الإسلام أقر عدد من القضايا التي تبناها في حياته وربما بعض المفسرين اوصلها الى عشرة سُنن واساليب وأمور وسلوكيات كان ابو طالب ع يقوم بها ودعى الناس اليها في ذلك الواقع المؤلم من الجاهلية الجهلاء لكن الإسلام عندما اتى ابقاها كما هي لأنها تتوافق مع الفطرة ومع الدين ولأنها من الخط الابراهيمي الذي كان يؤمن به ابو طالب، منها: الوفاء بالنذر واقره الإسلام، وكان ابو طالب يقطع يد السارق واقره الإسلام، ومنع نكاح المحارم، وحرم الخمر، ومنع الطواف عاريا في البيت، وكانت الدية مئة ناقة واثبتها الإسلام دية قتل الخطأ، وأمر بأن لا تؤتى البيوت من ظهورها، وكان يُقيم الحد على الزاني وكان يأمر الحجيج بأن لا ينفقوا من اموالهم على الحج إلا من الطيب الخالص، وكان يُعظم الاشهر الحُرم ولهذا قدّسه الإسلام واهتم به.

اليوم عندما نُريد ان ندرس، وجنابك يعلم الفاصلة الزمانية بيننا وبين هذا الشخص العظيم، أكثر من ألف واربعمئة سنة.. اليوم عندما نُريد ان ندرس شخصية إنسان وسلوكيات انسان ونُريد ان نعرف عقيدة انسان بإمكان ان نقترب اليها بثلاثة امور:

الامر الاول: نحاول ان نتعرف الى ميراثه، الى تراثه العلمي والفكري والكلامي، اي ما صدر عنه من كلام سواء هذا الكلام كان نثرا او شعرا.. هذا تُعبر عن حاله ومواقفه وتُعبر عن ايمانه وتعبر عن سلوكياته واخلاقه.

الأمر الثاني: ان نتعرف اليه عن طريق الذين احاطوا به وعاصروه سواء أكانوا من العظماء الانبياء او الاولياء والصالحين.

الأمر الثالث: نتأمل في مواقفه مع قضايا الحق والاصلاح والمحبة وبناء المجتمعات، فمن كلمات هذا الرجل العظيم التي نقلها التاريخ والتي تُثبت ايمانه بنهج النبي صلى الله عليه واله خطبتهُ عندما ذهب الى خطبة خديجة بنت خويلد -رضوان الله عليها- فقال خطبة النكاح المشهورة كما نقلها ابن ابي الحديد([1]) قال (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وزرِع اسماعيل وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوجاً وجعلنا الحُكام على الناس... ثم ان محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله ابن اخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه بِراً وفضلا وحزماً وعقلاً ورائياً ونُبلا وإن كان في المال قُل فإن المال ظِلٌ زائلٌ وعارية مُسترجَعةٌ وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما أحببتم من الصِداق فعلّي...وله والله نبأ شائعٌ وخطبٌ جليل) أضف الى مواصفاته من اخلاقيات وسلوكيات فله نبأ شائع وخطب جليل. ونقول أفتراه يعلم النبأ الشائع والخطب الجليل الذي تمثل بنبوة النبي صلى الله عليه واله ثم لا يؤمن به؟ اذن وصفناه بعدم التعقل وحاشاه ذلك.

من الاشعار التي وردت الينا.. طبعا لابي طالب ديوان شعر مكون تقريبا من 39 قصيدة، وكان الإمام علي ع يوصي مُحبي هذا الرجل العظيم، بها كونها ميراث طالبي بامتياز (كان أمير المؤمنين ع يعجبه أن يروى شعر أبي طالب وأن يدون، وقال: تعلموه وعلموه أولادكم فإنه كان على دين الله، وفيه علم كثير.)، هذه دعوة من امير المؤمنين ع ان يتعلم الناس شعر هذا الرجل العظيم. ابو طالب لديه اشعار عجيبة واحدة منها انهع كما نقل ابن ابي الحديد، هكذا كان يقول:

يا شاهد الله عليّ فأشهدِ




إني على دينِ النبي مُحمدِ


من ضل في الدين فإني مُهتدِ





هذا نص صريح بأن هذا الرجل العظيم آمن بلسانه وقلبه ووعيه. نص آخر نقله المأمون قال: واشتهر عن عبد الله المأمون انه قال:

أسلم ابو طالب والله بقولهِ..

نصرت الرسول رسول المليك




ببـيـض تلالا كلمع البروق


أذب وأحـمي رسولا الإلـه




حماية حام عليه شفيق


ومـا إن أدب لأعـدائـه




دبيب البكار حذار الفنيق


ولكن أزير لهم ساميا




كما زار ليث بغيل مضيق([2])



هكذا كان يقول:

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمداً




نبياً كموسى خُطَّ في أول الكتبِ



وكثير من القضايا، كان يقول:

والله لن يصلوا اليك بجمعهم




حتى أوسّد في التراب دفينا


ولقد علِمتُ بان دين محمد




من خير اديان البرية دينا



فكلامه النثري والشعري يدُل على ايمانه.

الامر الثاني: كلمات المُعاصرين له ومنهم النبي ’ التي تدل على ايمانه، فقد نقل ابن ابي الحديد في صفحة 53 وما بعدها من الجزء14 من شرح نهج البلاغة عشرات الاحاديث الدالة على ايمانه.

اولا: الحديث المروي عن امير المؤمنين قال: عن رسول الله صلى الله عليه واله قال لي جبرائيل إن الله مُشفّعك في ستة، بطن حملتك- اي آمنة بنت وهب -وصُلب انزلك- اي عبد الله بن عبد المطلب -وحِجر كفلك- اشارة الى ابي طالب -وبيت آواك-عبد المُطلب، الخ.. الحديث إذن هُم من يتشفع لهم النبي والنبي لا يتشفع لمُشرك، هذا اولاً.

ثانياً: روي ان العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله عليه واله بالمدينة، يا رسول الله ما ترجوا لابي طالبٍ؟، قال أرجوا لابي طالب من ربي كُل خير [3]).

ثالثا: قال ابن ابي الحديد: (وقال قوم ان النبي ’ عندما قال انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إنما عنى به ابا طالبٍ )([4]).

رابعا: وفي حديث آخر عن الإمام الصادق ع قال :(قال رسول الله صلى الله عليه واله قال إن اصحاب الكهف أسّروا الايمان وأظهروا الكفر فآتاهم الله أجرهم مرتين وإن ابا طالبٍ أسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين) ([5])..

خامسا: وعن (علي: قال ما مات ابو طالب حتى اعطى رسول الله صلى الله عليه واله من نفسه الرضا)([6]).. هذه جملة من احاديث النبي صلى الله عليه واله والوصي، ولو رجعنا الى احاديث الوصي امير المؤمنين ع بشئ من تفصيل، هذا الحديث الذي نقل في كتاب تفسير الشيخ ابي الفتوح: (قال علي ع: والله ما عبد ابي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط، قيل: فما كانوا يعبدون يا امير المؤمنين؟ قال كانوا يُصلون الى البيت على دين ابراهيم مُتمسكين به)[7]) وهذا اعتراف جلي من الإمام امير المؤمنين ع بأن هذا الرجل العظيم مات على دين عبد المطلب، ولدينا احاديث عن الائمة ع الذي هُم اولاد هذا الرجل العظيم منها الحديث المروي عن الإمام الباقر ع >أنه سُئل هل صحيح ان ابا طالب في ضحضاحٍ من نار- كما حاول البخاري ان يؤسس لهذا الفِكر السلبي -فقال الباقر ع: لو وضِع ايمان ابي طالب في كِفة ميزان وايمان هذا الخلق- يعني من الجن والإنس -في الكِفة الاخرى لرجُح ايمانه، قال ألم تعلموا أن علي -عليه السلام- كان يأمر ان يحُج عن عبد الله وابيه ابي طالب في حياته ثم اوصى في وصيته بالحج عنهم)([8]) ولذلك نرى كلمات اهل البيت ع متظافرة في ايمان هذا الرجل.

الامر الثالث: والمهم، المواقف التي صدرت عن ابي طالب ع والتي تثبت كونه مناصراً لجهة الحق الالهي المتمثل بالنبي محمد صلى الله عليه واله، هذا النص ينقله العلامة الصفوري من علماء السُنة في كتابه نزهة المجالس([9]) القضية وما فيها ان ينقل (عن الاصبُغ بن نُباتة عن امير المؤمنين ع: انه ذات يوم عبد الله بن الزُبعرى اخذ الفرث والدم ورماه على النبي صلى الله عليه واله حتى اتى عمه ابا طالب، فقال رسول الله: يا عم من أنا، قال: ولمَ يبن اخي؟ فقص عليه القصة، فقال ابو طالب: واين تركتهم يا محمد؟ قال: بالأبطح، فنادى في قومه يا آل عبد المُطلب يا آل هاشم يا آل عبد مناف فأقبلوا اليه من كُلِ مكان مُلبين، فقال كم أنتم؟ قالوا نحن اربعون رجل، قال خذوا السلاح، فأخذوا السِلاح وانتهوا الى ذلك النفر، فوقف عندهم ابو طالب فقال ورب هذه البنية- يعني الكعبة -لا يقومن منكم احد إلا جَللته وجلّلتَه بالسيف ثم وقف على رؤوسهم وقال من ضربك؟، أشار الى ابن الزبعرى، فقال ع انا لك يا محمد، فدعاه ابو طالب فوجأ انفه حتى ادماه- يعني بدأ ابو طالب يضرب انُف عبد الله حتى ادماها -ثم أمر بالفرث والدم فألقى على ظهر ذلك الرجل الذي أساء الى محمد، ثم قال يبن اخي أرضيت عني؟ قال نعم يا ابا طالب، ثم قال انت والله اشرفهم حسباً وارفعهم نسباً، يا معشر قريش من شاء منكم ان يتحرك ويفعل شيء بمحمد آتيه انا وأنا من تعرفونِ< هذا الموقف يدل على عُظم ايمان هذا الرجل العظيم بمحمد رسول الله ودفاعه عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله.

كتابنا التاريخ في دائرة الضوء ج5 ص 353 المطبوع في دار المحجة البيضاء - بيروت .

([1]) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج14، ص56.

([2]) ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج3، ص314. الفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته جفنق وأفناق.

([3]) ابن منظور الافريقي، مختصر تاريخ دمشق، ج29، ص32.

([4]) شرح نهج البلاغة: ج14، ص69.

([5]) هذا الحديث أخرجه ثقة الاسلام الكليني في أصول الكافي ص244 عن الإمام الصادق ×. وراجع ايضا شرح ابن أبي الحديد ج14.

([6]) الاميني، الغدير: ج7، ص388.

([7]) تفسير الشيخ ابو الفتوح، ج4، ص210.

([8]) ابن ابي الحديد، شرح النهج: ج14، ص55.

([9]) نزهة المجالس: ج2، ص122.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=142797
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 03 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19