• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قيمة الوقت عند اليهود .
                          • الكاتب : ساهر عريبي .

قيمة الوقت عند اليهود

كان لأبنتي موعد في أحد مستشفيات لندن لتركيب جسر لأسنانها وبعد وصولنا إلى هناك بينت لي الطبيبة بان العملية ستستغرق وقتا يقارب الساعتين وعلي الأنتظار في الصالة لحين الأنتهاء منها. فقلت في نفسي وما ذا سأفعل خلال هاتين الساعتين ؟ وكان الحل السحري في جهاز الآيفون الذي أصبح اليوم أداة لاتدع العقل والنفس البشريتين تهجعا. فعبره تطالع الرسائل الألكترونية وتقرأ الأخبار وتتواصل عبر شبكات التواصل وتتصل واخيرا تلعب. وبالفعل قضيت الوقت بذلك وإن كانت الألعاب حازت على النصيب الأكبر من الوقت , كلعبة (فروت نينجا) و(تمبل رن)!.
 
ولاحظت أثناء جلوسي قدوم رجل كبير وبنت وكان مظهره يثير الفضول فهو يعتمر الطاقية اليهودية مع لحية كثة ويبدو ان الموعد كانت للبنت المرافقة له. وبعد دخولها لعيادة الطبيبة أخرج هذا الرجل من حقيبته رزمة من المستندات وانهمك بقراءتها وملأها طيلة وقت الأنتظار وكان لا يكف عن إجراء الأتصالات الهاتفية التي يبدو أنها كانت تتعلق بما كان يقرأ. وقد إستمر على هذا المنوال لحين إنتهاء علاج الفتاة. وفي الجانب الآخر كان هناك شاب وشابة يهوديان أيضا فالشاب كان يهودي أرثوذوكسي وهو واضح من تركيبة شعر رأسه وطاقيته, وقد دخل هو للعلاج فيما ظلت الفتاة بإنتظاره, وكان حالها كحال الر جل اليهودي الأول فقد اخرجت هي كذلك حزمة من المستندات وانهمكت في قراءتها وملأها .
 
وحينها عرفت سر كيف تمكن 15 مليون يهودي من التحكم بسبعة مليار إنسان على وجه هذه البسيطة فهم لايدعون دقيقة من عمرهم تذهب سدى.فلم يعد خافيا على أحد أن اليهود اليوم يحكمون قبضتهم على الأقتصاد العالمي عبر الشركات الكبرى التي يملكونها , والتي إستطاعوا ومن خلالها التحكم في سياسات الكثير من الدول في انحاء الأرض وخاصة الدول الغربية.فضلا عن إبداعهم في مجالات العلم المختلفة . ولم تكن هذه السطوة وهذا الأبداع اليهودي نابع من فراغ أو هبة حصلوا عليها بل إنهم وصلوا لما وصل إليه بعد جهد جهيد وكفاح مرير.فاليهود كانوا ولحد الأمس القريب مشردين في انحاء العالم المختلفة وكان اليهودي يخشى ان يجاهر بديانته في اوروبا حينما كانت النازية تسيطر عليها.
 
إلا انهم تمكنوا وخلال فترة وجيزة من تحقيق إنجاز نادر في التأريخ الأنساني.فقد نهضوا من كبوتهم ولملموا جراحهم وانطلقوا يعملون بجد واجتهاد حتى تمكنوا من إقامة دولة لهم في قلب العالم الأسلامي وفي نفس الوقت إحتفظوا بنفود إقتصادي وسياسي هو الأقوى في العالم الغربي وفي انحاء مختلفة من العالم. لقد بدأوا من الصفر فلم تكن لديهم أرض ولم يكن لديهم نفط بل كل ما كان عندهم هو العقل اليهودي الذي يجيد جمع الثروات ويحسن إستثمار الوقت. عملوا بجد ليل نهار عندما كان الشرق يغط في نوم عميق.فبعد ان كان الشرق منارة للعلم وعندما كان الشرق يعيش عصره الذهبي كانت اوروبا تعيش في العصور الوسطى حيث الحروب الطائفية.
 
وبعد ان أستحوذ الجهل على الشرق نهض الغرب فكانت الثورة الصناعية التي غيرت وجه التأريخ والتي كانت جذورها تمتد في أعماق الحضارة العربية الأسلامية. فلولا الخوارزمي وابن حيان والبيروني والخيام وغيرهم لما قامت للغرب قائمة.غير ان الغرب أخذ بأسباب القوة وأولها العلم فيما ركن الشرق للخمول والدعة والجهل وما زال. وحتى بعد إستكشاف النفط أمعن الشرق في سباته فتحول النفط إلى نقمة وتحولت الدول النفطية فيه إلى دول للكسالى حيث السهر ليلا والنوم نهارا فلا علم ولا إبداع بل مجتمعات إستهلاكية غير منتجة وحياة بلا طعم أولون إلا من لون أمراض السكر والضغط وارتفاع الكولسترول لتصبح هذه الدول في الطليعة في هذا المضمار.
 
هذا إذا ما ستثنينا بعض الدول النفطية كإيران وماليزيا التي نهضت بعد ان تمسكت بالعلم كسبيل للرقي والتقدم. وللأسف فليس حال العراق اليوم بأفضل من حال معظم دول المنطقة , فالعراق أصبح اليوم دولة إستهلاكية من الطراز الاول ولم يبق شيء في العراق إلا ويتم إستيراده من الصين وحتى النعل والأحذية!وأما المؤسسات التعليمية في معظم أنحاء العالم العربي والأسلامي فلم تعد قبلة للدارسين  كما كانت عليه بغداد أيام الرشيد والمأمون.فمن أراد العلم فعليه أن يولي وجهه صوب الغرب حيث المراكز العلمية التي لا يتوقف فيها الأبداع يوما بل ساعة.
 
ثم ندعو الله ان ينصرنا على من نسميهم بالكفرة ! فهل يستجاب دعاؤنا؟ وهل يستجيب الله لدعاء من ينام نهاره ويسهر ليله بالملذات وبتدخين الشيشة؟ ومما يثير الأسى ان الموروث الثقافي العربي سواء منه الديني او الأدبي يؤكد على اهمية الوقت كالقول المشهور (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) والحديث المأثور (لا تزل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع, عن جسده فيما أبلاه , وعمره فيما افناه وماله فيما كسبه وأنفقه وعن حبنا اهل البيت).فضلا عن تأكيد القرآن الكريم على اهمية الوقت في العديد من المواضع ومنها(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
 
إلا أن محنة المسلمين الكبرى هي في وضعهم القرآن وراء ظهورهم فالقرآن يدعو للعلم وهم يستحبون الجهل والقرآن يدعو للعدل وهم يظلمون والقرآن يدعو للوحدة وهم يفرقون وبعد ذلك يقولون نحن خير أمة أخرجت للناس ويتناسون شروط ذلك ثم يدعون فلا يستجاب لهم فيتذمرون وفي كل يوم يتراجعون . وهو ماحذر منه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان الصحابة مجتمعون على مائدة من الطعام فقال لهم سيأتي يوم تتهالك فيه عليكم الأمم كتهالكم على هذه القصعة فقالوا وهل نحن قليل؟ فقال كلا بل انتم كثير كغثاء السيل فقالوا إذن لماذا يارسول الله ؟ فرفع القرآن بيده وقائلا متى ما تركتم العمل بهذا .
 
وذات المعنى كرره علي بن أبي طالب (ع) في وصيته قائلا (الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم).وكيف لايكون القرآن كتابا للنجاة واول كلمة نزلت منه هي إقرأ! وهذا ما حصل فالأمم الأخرى سبقت المسلمين بالعمل بروح القرآن واولها الأمة اليهودية وكما قال العالم النووي اليهودي آينشتين للمفكر العربي محمد حسنين هيكل وكيف تتخلفون ولديكم القرآن.إلا انه نسي أننا نقرأ القرآن يوميا إلا اننا اليوم خير مصداق لأية أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه. فاليوم نحن في سبات عميق وألشيء الأرخص قيمة لدينا هو الوقت وطالما نحن نائمون فلن يذوق الغرب طعم النوم!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14358
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16