الجهود القانونية الدولية في الاتفاقيات الدولية.
International legal efforts in international agreements
إن الحديث عن مكافحة الإرهاب وتجريم الأفعال الإرهابية قد بد على المستوى الدولي منذ قيام عصبة الأمم البائدة التي انشأت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ففي سنة 1937 ، صدرت عن عصبة الأمم اتفاقية تعرضت لقمع الإرهاب وألحقت بها بروتوكول يقضي بإقامة محكمة جنائية دولية مختصة للنظر في الإرهاب وتوالت الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص دون أن يكون للإرهاب مفهوم واضح بعيدا عن الضبابية والغموض .
ذهب الجانب الغالب من فقهاء القانون الدولي الى تجنب تعريف الإرهاب على اعتبار ان في البحث عن تعريف لهذه الظاهرة مضيعة للوقت والجهد ومن الواجب التركيز على الإجراءات الفعالة لمكافحته. وهو ما أكدته الأمم المتحدة في 29/12/1985 عندما أدانت الجمعية العامة جميع أشكال الإرهاب وأغفلت تعريفه وهو ما فعله البروتوكولان المضافان لمعاهدة جنيف سنة 1949، 1977 والمؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المسجونين المنعقد في هافانا 1990 وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995.
غير ان هناك اتجاه أخر من الفقهاء يذهب الى ضرورة تعريف ظاهرة الإرهاب على اعتبار ان هذا الأمر يتعلق بالشرعية الجنائية التي تتطلب تحديداً للأفعال موضوع التجريم
واستقر في الفكر القانوني أن الإرهاب هو مجموعة من الجرائم لم تحصر قائمتها، وتقترن بالقتل الجماعي وبالتخريب وتدمير المنشآت المدنية وتفجير الذات لقتل الغير وجرحه والإضرار به .
وبالتالي ظل إرهاب يكتنفه الغموض، مما استعصى معه توافق دولي لتعريفه، وبهذا يستمر الرهان في العلم ويبقى الغموض سيد الموقف.
ولما اعترضت المجتمع الدولي صعوبة تعريف الإرهاب ، ركز على وضع الإجراءات والتدابير الفعالة لمكافحته ومحاربته، وهو ما فعلته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبتاريخ29-12-1985 ، حيث أدانت جميع أشكال الإرهاب وأغفلت مسألة التعريف، الشيء الذي فعله البروتوكولان المضافان لمعاهدة جنيف 1949و1977 والذي يطلق عليهما ” ميثاق الارهابيين” كما فعل المؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة السجناء المنعقد في هافانا سنة 1990، وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995، كما اعترضت الصعوبة مؤتمر روما الذي انعقد سنة 1998 وأثار جدلا قويا بين الوفود المشاركة حول ضرورة إعطاء مفهوم دولي للإرهاب ، إلى أن قال المندوب التركي:” إن عدم الوصل إلى الاتفاق على تعريف الإرهاب يشكل كارثة وفشلا ذريعا للمؤتمر”.
وحيث ان الارهاب يشكل دون ادنى شك انتهاكاً لحقوق الانسان، ويتسبب بعدم الاستقرار على الاصعدة كافة، ومن هنا جاءت الضرورة التي تقضي بمكافحته ومعالجة اسبابه. فالقضاء على ظاهرة الارهاب من دون معالجة الاسباب الكامنة وراءها، لا يشكل ضماناً وذلك لعدم بروز الارهاب من جديد عندما تصبح الظروف ملائمة. ومكافحة الارهاب بحد ذاتها يمكن ان يعتريها الكثير من الشوائب الناجمة عن عدم التمييز بشكل واضح ودقيق بين ما هو عمل إرهابي وما هو عمل غير إرهابي، وعن عدم التقيّد بالأصول والقواعد والضوابط المفترض الالتزام بها في اطار الاعمال الأمنية والعسكرية المعتمدة في محاربة الارهاب.لاشك ان الإرهاب في وقتنا المعاصر بات لايمثل فقط اكبر تهديد لاستقرار المجتمعات الوطنية والدولية وٕانما حقوقها الإنسانية أيضا، وذلك لان قوانين الإرهاب التي تم وضعها كوسيلة لمكافحته في الكثير من البلدان أصبحت من الأسباب الرئيسة التي تؤدي في أحيان كثيرة لانتهاك حقوق الإنسان.
وبالرجوع إلى اختصاصات المحكمة الدولية، فإنها لا تتضمن جريمة للإرهاب خوفا من تفسير هذه الكلمة، لأن ما قد يعبر عنه بالإرهاب، قد تكون له خلفيات سياسية وهو ما يعيد إلى الذاكرة الهجوم على اللاعبين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ سنة 1972، وتمكن صعوبة التعريف أيضا في عدم التمييز بين المقاومة التي تمارسها بعض حركات التحرير ضد الاحتلال، أو إرهاب بعض الدول لشعوبها كما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية أو ما يطلق عليه بصفة عامة ” إرهاب الدولة “.
والملامح الأساسية للجرائم الإرهابية هي بواعثها وأهدافها السياسية، إن البواعث الإيديولوجية والسياسية، هي تقف وراء الجريمة الإرهابية، وبالتالي فإن مثل هذه الجرائم توصف عند البعض بالجرائم السياسية المختلطة ، وترتكب هذه الجرائم من طرف المؤسسات أو من الأفراد أو من الجماعات المتطرفة على حد سواء ، فالجرائم الإرهابية من صنع جماعات من الناس أو من عصابات غالبا ما ينتمي أفرادها إلى أكثر من دولة، والوسائل التي تستعمل في اقترافها فتيل الرعب و الخوف ، وأخطارها تكون شاملة وعامة تهدف إلى اتخاذ موقف معين أو الامتناع عنه كما أن الجريمة الإرهابية وسيلة وليست غاية.
ومن جهة أخرى فإن منظمة الأمم المتحدة اهتمت هي الأخرى بجرائم الإرهاب وعقدت ندوات ومنتديات ومؤتمرات، تمخضت عنها مقررات وعدة اتفاقيات منها على الخصوص :
- الإعلان الصادر عن الجمعية العمومية، والمتعلق بإزالة الإرهاب الدولي
- اتفاقية منع إبادة الجنس البشري لعام 1948
- اتفاقية طوكيو لعام 1963 المتعلق بإدانة الأعمال غير القانونية على متن الطائرات
- اتفاق مونتريال لعام 1971 المتعلق بإدانة خطف الطائرات
- الاتفاق المتعلق بإدانة اختطاف الدبلوماسيين لعام 1973.
- اتفاق إدانة احتجاز الرهائن لعام 1979
- اتفاق منع التعذيب لعام 1971
- اتفاق إدانة القرصنة البحرية عام 1988
- إعلان هلسنكي لعام 1975 التزمت بموجبه الدول الأروبية الامتناع عن مساعدة أي نشاط إرهابي.
- اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الإرهاب سنة 1973.
- الإعلان الشهير للجمعية العمومية لسنة 1970 حول مبادئ القانون الدولي للصداقة والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة ، وتجدر الملاحظة إلى جانب هذه المواثيق فإن منظمة الأمم المتحدة لم تدخر جهدا في محاولة منها لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية حيث صدرت عنها اتفاقيات ذات أهمية قصوى نذكر منها تلك التي صادق عليها المغرب:
- معاهدة الجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات الموقعة في طوكيو بتاريخ 14/09/1963 .
- اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة المدني الموقعة بمونتريال بتاريخ 23/09/1971
- معاهدة قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات الموقع عليها بلاهاي بتاريخ 12/12/1970 .
- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات أو العقوبات القاسية واللاإنسانية أو المهنية وهي المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30/12/1984 .
- الاتفاقية الشهيرة، اتفاقية قمع تمويل الإرهاب الموقعة بنيويورك بتاريخ 10/01/2000 وهي الاتفاقية التي أكدت على القرار رقم 49/60 الصادر بتاريخ 09/12/1994 والمرفق بالإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي وقد استمدت بعض أحكامها من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
- ويلاحظ من الاتفاقية ان تمويل الإرهاب يشكل مصدر قلق شديد للمجتمع الدولي، وأن خطورة أعمال الإرهاب الدولي تتوقف على التمويل الذي يحصل عليه الإرهابيون وهو ما أغفلته الاتفاقية والمواثيق الدولية السابقة، وألحت هذه الاتفاقية على الدول التي ستنظم إليها أن تعمل على تعزيز التعاون الدولي بين الدولي في اتخاذ تدابير فعالة لمنع تمويل الإرهاب فضلا عن قمعه من خلال محاكمة ومعاقبة مرتكبيه وبالفعل فإن التشريعات الوطنية على الصعيد الدولي وعند وضع قوانين الإرهاب قد استجابت إلى مقتضيات هذه الاتفاقية ، وهناك أيضا اتفاقية إقليمية عقدتها هذه الدول من أجل التعاون فيما بينها للتصدي لهذه الجريمة.
الجهود القانونية الدولية في الاتفاقيات الإقليمية.
International legal efforts in regional agreements.
أما الفشل المنتظم الدولي في إيجاد مفهوم موحد للجريمة الإرهابية نظرا لتباين وجهات النظر وتضارب الإيديولوجيات وأمام تنام الظاهرة بشكل خطير لجأت بعض الدول إلى إبرام اتفاقيات إقليمية للتعاون في مكافحة الإرهاب ومن بين هذه الاتفاقيات:
1 - الاتفاقية الأمريكية ضد الإرهاب.
نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي عرفته الدول الأمريكية في الستينات بفعل الصراعات الإيديولوجية التي كانت تشكل تهديدا مباشرا وخطرا محدقا ليس فقط بالأنظمة السياسية وإنما بشعوب المنطقة، عقدت الدول الأمريكية سنة 1971 بواشنطن اتفاقية لمكافحة الإرهاب وغداة الأحداث التي عرفتها الولايات المتحدة الامريكية في 11 سبتمبر 2001 وما تمخض عنها من إحساس باستهداف أمن واستقرار الأنظمة الساسية والاقتصادية وسلامة شعوبها، أقدمت جميع الدول الأمريكية باستثناء كوبا وذلك في إطار منظمة الدول الأمريكية على تجديد تعهدها لمكافحة الإرهاب مبرمة اتفاقية في يوليو 2002 استجابة لتطلعات هذه الدول إلى إيجاد آليات قانونية لمحاربته.
غير أن هذه الاتفاقيات لم تضع تعريفا محددا للإرهاب وإنما عملت في المادة الثانية منها على سرد الجرائم التي تعد إرهابية محددة إياها في الأفعال المخالفة لأحكام مجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بقمع الأفعال الإرهابية وذلك على سبيل المثال لا الحصر، خاصة الجرائم الموجهة ضد الطيران والملاحة البحرية واحتجاز الرهائن واستعمال المتفجرات والمواد النووية وقمع تمويل الإرهاب.
والتزمت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بوضع تدابير الوقاية ومكافحة والحد من تمويل الإرهاب عن طريق وضع نظام قانوني وإداري يسهل التعاون فيما بينها وتعهدت باتخاذ التدابير المسطرية للازمة لحجز ومصادرة الأموال والأشياء المتحصلة من الجرائم الإرهابية وعدم النظر إلى هذه الجرائم باعتبارها جرائم سياسية أو مرتبطة بجرائم سياسية ذات بواعث سياسية وان ترفض منح اللجوء السياسي لمرتكبي هذه الجرائم ، فضلا عن التعاون في ميدان مراقبة الحدود وتبادل المعلومات ورصد تحركات الإرهابيين والتعاون القضائي في هذا المجال، وخلصت الأطراف في النهاية إلى جملة من الضمانات تقضي بعدم متابعة شخص أو إدانته من أجل انتمائه العرقي أو دينه أو جنسيته أو انتمائه الاثني أو لآرائه السياسية أو الإضرار به لأحد هذه الأسباب أثناء متابعة وضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية تماشيا مع المواثيق الدولية ، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص المتابعين في ظلها .
تربط تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب بالأفراد فحسب والاتجاه الفقهي السائد يذهب الى تعريف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أومن الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة.
وقد سن المشرع الأمريكي عدة قوانين لمكافحة الإرهاب منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971. كما سن الكونغرس جزاءات تفرض على البلدان التي تعاون الإرهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذاً في عام 1976.
وقد عرفت وزارة العدل الأمريكية عام 1984 الإرهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف. بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي الى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطراً على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دوله.
غير أن المشرع الأمريكي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب.
|