• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ربيع القرآن شهر رمضان .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

ربيع القرآن شهر رمضان

ما ان يهل علينا هلال الشهر الفضيل، حتى نرى المؤمنين يعقدون جلسات تعليم القرآن ومحافل تلاوته. كما يدأب الصالحون على إحياء هذا الشهر المبارك بجمع الفتية والشباب وإلقاء المحاضرات العقائدية الإيمانية ومنها دروس في تفسير القرآن الكريم. وهناك ثلة إعتادت على البدأ بحفظ كتاب الله في شهر الله تيمنا به.

في المقابل هناك من يجهل آداب تلاوة القرآن وأنه يجلس بين يَدَيّ الحق سبحانه. فعليه أ ن يجلس جلوس العبد بين يديّ السيد، خاشعا خائفا راجيا مقبلاً على مولاه مشتاقاً لكلامه ومتلذذا بحلاوة ذكره. البعض يظن ان العِبرة في عدد ختمات القرآن في شهر رمضان، وان ذلك هو مصداق قول الإمام أبي جعفر عليه السلام: ((... وربيع القرآن شهر رمضان)). يظن أنه كلّما ختم أكبر عدد من القرآن كاملاً،  كلّما كان أوفر حظاً بالأجر والثواب....... بالمناسبة، هل نقرأ القرآن للأجر والثواب فقط!!!

أين أشتياقنا لكلام الله وحلاوة الإستماع له!!!

لو أذاعت وسائل إعلام  إحدى الدول أن ملك تلك الدولة سوف يلقي خطاباً في الموعد الفلاني. كيف سيتجمهر الناس ويتدافعون ويتزاحمون بأن يكونوا في الصفوف الأولى، قريبين من الملك يستمعون له وينصتون بكل عناية وأدب وإجلال وتقدير لذلك المَلِك. لا يجرأ أحدهم أن يهمس بأذن صاحبه، أو ينبس ببنت شفة لأن الملك يراه ويسمعه، وربما يأمر الحرس بطرده من المكان، وإن شاء عاقبه ووبخه أو أهانه وزجره. نُبجّل الملك ونخشاه ونتقيه، والله أحق بذلك. فالله معنا يسمع ويرى. (( وكنتَ أنتَ الرقيبَ عليَّ من ورائهم ـ الكرام الكاتبين ـ والشاهدَ لِما خَفِيَ عنهم، وبرحمتك أخفيتَه وبفضلكَ سَتَرْتًه)).

ثم هناك نقطة مهمة، وهي أن نستحي من الله تعالى قبل أن نخافه، ومَن يستحي من الله هل ياترى سيعصي الله ويتجاوز بعض حدوده. جاء في الحديث القدسي مامعناه: (( أن المرء إذا بلغ الأربعين ولم يتب عن سوء أفعاله ومعاصيه وذنوبه، فإن الله المولى الكبير المتعال يخاطبه: عبدي، أما آن لكَ أن تستحي مني، فإني وعِزتي وجلالي لأستحي منك)). كلام تقشعر له الأبدان وتدمع له العيون. ذكرنا سابقا في موضوع الشيخ المعتكف، كان كلما إشتاق للإستماع  لكلام الله عزوجل، قرأ القرآن. السؤال هو كيف نقرأ القرآن؟. كيف سنجلس بين يدي ملك الملوك، ماهي الآداب الظاهرية والباطنية لتلاوة القرآن المجيد. ربما نتعرض لذلك في قابل الأيام إن شاء الله تعالى. تلاوة القرآن هي واحدة من فقرات دعاء الإفتتاح، إنّك تدعوني... تدعوني لتلاوة القرآن فأولّي عنك بالإستخاف بالقرآن وعدم المبالاة في إظهار التأدب والسكون وإستقبال القبلة عند تلاوته والإنقطاع لله تعالى عمن سواه. أن نعيش ونتفاعل مع آيات القرآن الكريم. قلت لأحد الحاضرين في جلسة دعاء كميل وهو يلهو بمسبحته: ياسيدي المسبحة هي للتسبيح وإسمها يدل عليها، وثانيا علينا ان نعيش فقرات الدعاء الشريف. يعني حينما نقرأ: (( وقد أتيتك ياإلهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي مُعتذراً نادماً مُنكسراً مُستقيلاً مُستغفراً مُنيباً مُقِراً مُذعناً مُعترفاً لاأجدُ مَفَراً مما كان مني ولامَفزعاً أتوجهُ إليهِ في أَمري غير قَبولك عذري وإدخالك إيايَّ في سَعةِ رحمتك)) كيف سيكون حالنا ونحن نعترف للحق سبحانه بما جنينا على أنفسنا واقترفناه بأيدينا وغرتنا الأمانيّ وخدعتنا الدنيا بغرورها. كيف سيكون جلوسنا!!!! أقل القليل هو أن نجهش بالبكاء، ولكي نجهش بالبكاء علينا ان ندرك جيدا وكأنّما أوقِفْنا للمساءلة ((وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد)). أوقفنا للمحاسبة (( وِقفوهم إنهم مسئولون)). كيف لانجهش بالبكاء أو أقله هو التباكي مَن كانت عينه لاتدمع عند هذا الموقف الرهيب المخيف المفزع، كيف لايكون ذلك كذلك وهو يوم الفزع الأكبر. نسأله النجاة ذالك اليوم وأن يٌلقينا وإيّاكم نضرةً وسُرورا. كيف نلهو بما يشغلنا عن التوسل بالله بأن يكفينا شر ذلك اليوم. هل نقرأ بأسنتنا وقلوبنا منشغلة بكل مايبعدها عن الحق المبين سبحانه وتعالى. قلت لذلك السيد المحترم الذي كان يعبث بمسبحته: ينقصك استكان شاي وأركيله ياسيدي!!!!!

 العجب كلّ العجب أن نتلو القرآن وصوت التلفاز يعلو على صوت القرآن. أو أن نتلو القرآن ونحن نشاهد نشرة الأخبار أو بعض البرامج التلفزيونية. القرآن كلام الله. أهكذا نستمع لكلام الله. ماذا ستقول الملائكة عنا. مجرد سؤال؟ ومرة أخرى ألا نستحي من ملائكة السماء ومن مليكها سيد السادات وكبير الكبراء الواحد الأحد المتفرد الصمد.

وفي التوراة أنه مكتوب:

((ياعبدي أما تستحي مني يأتيكَ كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه حرفا حرفا حتى لايفوتك منه شيء،  وهذا كتابي أنزلته إليك أُنظرْ كم وصلّت لك فيه من القرآن؟ وكم كرّرتُ عليك لتتأمّل طوله وعرضه؟ ثم أنت معرض عنه، أفكنتُ أهون عليك من بعض إخوانك ياعبدي، يقبل إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك، فإن تكلّم فتتكلّم أو شغلك شاغل عن حديثه أومأت إليه أن كفّ، وها أنا ذا مقبل عليك ومحدّث لك وأنت معرض بقلبك عني، فجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك)). يعاتبنا الحق تبارك وتعالى وهوجبّار السماوات والأرض، يتودد إلينا ويتحبب وأمره بين الكاف والنون والسماوات مطويات بيمينه. واقعاً ترتعد فرائص الإنسان من هذا العتاب والتودد. متى استحي من الله وقد أفنيتُ عمري في سكرة التباعد عن الحق تعالى. وغيري قد نهاه الحياء وعزة النفس من عمل القبيح أو حتى التفكير به. كقول الشاعر:

ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ        إلاّ نهاني الحياءُ والكرَمُ

فلا إلى فاحشٍ مَدَدْتُ يَدي          ولا مَشَتْ بِي لِريبةٍ قَدَمُ

عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال: (( لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)).

علينا أيها السادة أن نجتهد في هذا الشهر الفضيل بتلاوة القرآن ونجدد العهد به وأن نتدبر آياته ونفهم معانيه ونتبع أوامره ونتجنب نواهيه. وأن نكون مثالاً لعباد الله الصالحين الذين يعملون بمناهج القرآن المجيد. (( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)).

إنها لخسارة عظيمة أن ينقضي عنا شهر رمضان ولم يُغْفر لنا. عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ((مَن لم يُغفر له في شهر رمضان لم يُغفر له إلى قابل إلاّ أن يدرك عرفة)).

قرّاء القرآن ثلاثة..

عن الإمام الباقر عليه السلام قال:

(( قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فإتخذه بضاعة وإستدّر به الملوك، وإستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيّع حدوده واقامه إقامة القدح، فلا كثّر الله هؤلاء مِن حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه فأسهر به ليله وأظمأ به نهاره وقام به في مساجده وتجافى به عن فراشه فبأولئك يديل الله من الأعداء، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء، فوالله لًهؤلاء في قرّاء القرآن أعزّ من الكبريت الأحمر)). فلننظر من أي صنف نحن، ننظر ونعمل على إصلاح العطب قبل فوات الآوان وعندئذٍ ولات حين مندم. أعني نفسي ثم نفسي ثم نفسي.

خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه

حديث شريف عن نبيّ الرحمة وإمامها  ص. وتطبيقاَ لهذا الحديث الشريف كنت أدير محفلاَ لتلاوة القرآن وتفسير يسير لبعض الآيات وبيان معاني الكلمات وشرح القصص القرآنية بشكل مختصر قبل الإفطار في شهر رمضان الفضيل. واحدة من غرائب الأمور التي صادفتها طيلة تلك الفترة هو أن أحد الحاضرين كان يلحن في بعض الآيات. فمثلاَ كان يقرأ: فإتَخَذوا مِن مقام إبراهيم مصلى. فكنت أصحح له وأقول: وإتَخِذوا من مقام إبراهيم مصلى. الأية جاءت بغعل الأمر وانت تقرأ بالماضي فهذا يغيّر المعنى ياسيدي الكريم. وصادف أنه في كل جلسة من جلسات المحفل يلحن في بعض الآيات، وكنت أصحح له. ذات مرّة قلت له: في بُيوتٍ أًذِن اللهُ أن تُرفًع، وليس في بِيوتٍ، حيث  أن جمع كلمة بيت ـ بُيُوت وليس بِيوت. وكذلك الحال مع الآية الشريفة: وفجرنا الأرضَ عُيُونا فالتقى الماءُ على أمرٍ قد قُدِر. عُيُونا وليس عِيونا. قبل أن أكمل ملاحظتي وإذا بهذا السيد قد قام من مكانه وتقدم نحوي وقد تملكه الغضب وقال: لااسمح لك أن تحرجني أمام الجميع وعلى هذا الكلام فإننا سوف لن يسعنا الوقت أن نقرأ نصف القرآن. وإن لم تنته عن التصحيح وإبداء الملاحظات فإني سوف اكسر عظامك وأفقع عينك فلا تنفعك حينها فلسفة جمع العٍيون. فقلت له لقد ألحنت مرّة أخرى، قل لاتنفعك حينها فلسفة جمع العُيُون. غاب ذلك السيد عن بقية الجلسات ولم نعهده فيما بعد. واضح أن ذلك السيد المحترم حفظه الله ورعاه أنّى يكون، كان همه أن يختم القرآن وحسب. تدبر الآيات فهم المعاني والعبرة من القصص والتفاعل مع الآيات لم يحسب لها أي حساب. فما فائدة تلاوة القرآن من غير تدبر وفهم، عافاكم الله.

من أيام الطفولة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة..

 أتذكر حينما كنت في التاسعة من العمر أجلس مزاحماً العلماء في المشاهد المقدسة في النجف وكربلاء حيث أني لأبٍ نجفي وأمٍ كربلائية، فتربيت ونشأت متنقلاً بين هاتين المدينتين المقدستين الشريفتين. كنت أفتح المصحف الشريف وأبدأ القراءة بصوتٍ عالٍ ليسمعني ذلك العالم ويصحح لي اخطائي حتى أن بعضهم رحمهم الله كان ينهرني ويطلب مني أن اقرأ إخفاتاَ فأقول له بأني اتعمد ذلك طمعاَ بملاحظاته وتوجيهاته. لكن حينما كبرت وأصبحت أدير محفل القرآن كانت مجازاتي أن ذلك السيد أراد أن يكسر عظامي ـ اقولها للملاطفة ولست منزعجا ـ  سامحه الله وغفر الله ولاأراه الله وإيّاكم مكروها قط.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأسأله أن يوفقنا لتلاوة القرآن وتدبر آياته وحفظه وتعلمه وأن يكون ربيع قلوينا وأنيسنا في وحدتنا ووحشتنا وأن يكون غدا الشفيع لنا ويشهد لنا لاعلينا.

(( اللهم اشرح بكتابك صدري وحطَّ بتلاوته وِزري وامنحني السلامة في ديني ونفسي ولاتوحش بي اهل أُنسي وتتم إحسانك فيما بقي من عمري كما أحسنت فيما مضى منه ياأرحم الراحمين)).

وأنا اكتب هذه الكلمات بعث لي أحد الأصدقاء رسالة هذا نصها:

عجباً لأمر القرآن..

نزل جبريل بالقرآن فأصبح جبريل أفضل الملائكة

نزل القرآن على محمد ص فصار سيد الخلق

جاء القرآن إلى امة محمد ص فأصبحت خير امة

نزل القرآن في شهر رمضان فاصبح خير الشهور

نزل القرآن في ليلة القدر فأصبحت خير من ألف شهر

فماذا لو نزل القرآن في قلوبنا؟

أسعد الله حياتكم بالقرآن

كما أسعد الله ايامكم بالحسن السبط عليه السلام. فهذه الليلة تصادف الذكرى العطرة لولادة كريم أهل البيت الإمام الهمام السبط أبي محمدٍ الحسن المجتبى عليه افضل الصلاة وأزكى الحيات. وكل عام وأنتم بخير.

 

نسألكم الدعاء


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2020/05/10 .

نشكر إدارة الموفقة والقائمين بأمر هذا الموقع المبارك على النشر
أسأل الله سبحانه أن يدفع عنكم الشرور ويدخل على قلوبكم السرور وان يوفقكم لما فيه رضاه والجنّة
وأن يصلح بالكم ويتقبل منكم.

دمتم بخير وعافية
خادمكم
محمد جعفر

• (2) - كتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي ، في 2020/05/10 .

اعتذر لبعض الأخطاء المطبعية غيرالمقصودة:
كلما كان اوفر حظٍ بدل كلما كان اوفر حظا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=144280
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28