• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تحقيق حول مشاركة الإمامين الحسن والحسين ع في الفتوحات .
                          • الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي .

تحقيق حول مشاركة الإمامين الحسن والحسين ع في الفتوحات

القليل النادر من الفتوحات كان دفاعيا وأما الأعم الأغلب منها فلأغراض توسعية وفي كلا الحالين لم تسلم في تفاصيلها من تصرفات وسلوكيات لا تمت للاسلام بصلة، فصار كل ذلك مَدْخلا مشروعا للطعن في شرعيتها وتمثيلها لتعاليم الاسلام الأمر الذي حدا ببعض مؤرخي السلطة الى التفتيش عن ما يسد هذا الشرخ ولو بالكذب والوضع -كما سترى- فوجدوا في اقحام أهل بيت النبوة صوات الله عليهم في هذه الحروب ضالتهم.

وكان نصيب الإمامين الحسنين عليهما السلام أن نسبوا لهما المشاركة في ثلاثة فتوحات: غزوة شمال أفريقيا سنة 26هـ وغزوة طبرستان وخراسان سنة 30هـ وغزوة القسطنطينية سنة 49هـ .

ومما يؤسَف له حقا أن بعض المؤلفين من الإمامية كالشيخ باقر القرشي رحمه الله وكذلك السيد هاشم معروف الحسني وغيرهما فضلا عن بعض الخطباء قد تعاملوا مع هذه النصوص كمسَلَّمات تاريخية من دون تنقيحها والتثبت من صحتها .

وكيف كان فان التحقيق في الثلاثة كما يلي:

أولا: غزوة شمال أفريقيا سنة 26هـ وقيل 27هـ في خلافة عثمان بن عفان

أوّل من ادعى مشاركة الإمامين الحسنين ع فيها ابن خلدون (ت808هـ) حيث ذكر في ج2/ 128 من تاريخه أن عثمان بن عفان لما جعل أخيه من الرضاعة عبد الله بن ابي سرح واليا على مصر، أمره بفتح افريقيا وجعل له هدية خمس الخمس من غنائمها ولمّا لم يقدر جيشه على التوغل فيها استمد العون من عثمان فأمده بجيش من المدينة فيه جمع من الصحابة منهم الحسن والحسين عليهما السلام .

المناقشة في النص:

1- تفرّد ابن خلدون برواية هذا النص وعنه أخذ من جاء بعده وابن خلدون توفي في القرن التاسع أي بينه وبين الحادثة ثمانية قرون فكيف غفل جميع المؤرخين خلال ثمانمائة سنة عن هذه الحادثة المهمة ثم تنبه لها ابن خلدون في القرن التاسع؟! فجميع المؤرخين في القرون الثمانية التي سبقت ابن خلدون تعرضوا لفتح أفريقيا بتفصيل ممل وذكروا من شارك فيه من الصحابة والتابعين ولم يذكر أحد منهم ان الحسنين ع كانا ضمن الجيش الفاتح .

ثم ان ابن خلدون لم يذكر سندا ولا مصدرا لمعلومته هذه مع كل هذه المدة التي تفصل بينه وبين الحادثة!.

وأضف لكل لذلك ان ابن خلدون هذا لا يتورع عن الكذب على الشيعة في مواطن كثيرة من تاريخه بل شخصيا أجزم بأنّه ناصبي فالرجل بكل صراحة يتهم أهل البيت ع بالابتداع والشذوذ عن منهج الاسلام (ظ: تاريخ ابن خلدون: 1/ 446) فلا معنى للنصب ان لم يكن من هو مثله ناصبيا .

2- عند مقارنة نص ابن خلدون بما ذكره ابن الأثير (630هـ) في الكامل: 3/ 89 نلاحظ أن ابن خلدون قد اجترّ عبارة ابن الاثير بعينها غير انه تبرع باضافة بضعة أسماء لم يذكرها ابن الأثير منها الحسن والحسين عليهما السلام.

3- ذكر ابن أعثم الكوفي (ت314هـ) في الفتوح: 2/ 358 أن عثمان بن عفان استشار الامام علي ع وجَمْعٍ من الصحابة قبل هذه الغزوة فكرهوا ذلك لكن عثمان لم يأخذ برأيهم . وابن أعثم اقرب للحادثة من ابن خلدون بأربعة قرون .

من كل ذلك يتضح بما لا مزيد عليه أن النص الذي ذكره ابن خلدون موضوع مكذوب ولا دليل غيره على مشاركتهما عليهما السلام في هذه الغزوة .

ثانيا: غزوة طبرستان وخراسان سنة 30هـ في خلافة عثمان بن عفان

استدلوا على مشاركة الامامين الحسن والحسين ع في هذه الغزوة بنص فريد ذكره الطبري (ت310هـ) في تاريخه: 3/ 323 وعنه أخذ من جاء بعده حيث روى بسنده الى علي بن مجاهد عن حنش بن مالك قال: غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ... ومعه الحسن والحسين... .

المناقشة:

1- هذا خبر آحاد لم يروه أحد غير علي بن مجاهد عن حبش بن مالك .. ولعمري حادثة بحجم هذه كيف لم يهتم بروايتها غير النكرات!! .

2- حنش بن مالك الذي يروي عنه الطبري هذه الرواية شخص مجهول لا نعرف شيئا عنه سوى روايته لبعض أحداث فتح طبرستان في تاريخ الطبري .. وكأن الرجل خُلق ليروي هذه الرواية فقط .. وهو ما سيتضح أمره من النقطة التالية .

3- علي بن مجاهد الذي ينقل الرواية عن حنش بن مالك هو علي بن مجاهد الرازي الكابلي أحد قضاة بني العباس قال فيه بعض علماء الجرح والتعديل من أهل السنة والجماعة: كذاب متروك (الجرح والتعديل: 6/ 205) وقال فيه يحيى بن معين: كان يضع الحديث، وكان صنَّف كتاب المغازي فكان يضع لكلامه إسنادا (ظ: تاريخ بغداد: 12/ 106) ومن هنا يتضح لماذا لا وجود لحنش بن مالك في كتب التاريخ والرجال والرواية .. لأن الراوي عنه أعني علي بن مجاهد كان يبتكر من عنده الحديث والسند معاً ! .

ومن كل ذلك يتضح أنّ هذا النص التاريخي هو الآخر لا شك في أنه موضوع مكذوب اختلقه علي بن مجاهد وابتكر له سندا من عنده.

ثالثا: غزوة القسطنطينية سنة 49هـ أيام معاوية بن أبي سفيان.

أول من ذكر ذلك ابن عساكر (ت571هـ) في تاريخ دمشق: 14 /111 حيث قال أن الإمام الحسين ع قد شارك في هذه الغزوة في الجيش الذي كان أميره يزيد بن معاوية بن أبي سفيان !!! ونسخ كلامه بعض من جاء بعده.

المناقشة:

1- تفرّد ابن عساكر برواية هذه القصة مع أن الفاصل الزمني بينه وبين الحادثة خمسة قرون !! .. فجميع المؤرخين الذين عاشوا في الخمسمائة سنة التي تلت الحادثة ذكروا تفاصيل فتح القسطنطينية و لم يذكروا شيئا عن هذه القصة ومن ثم جاء ابن عساكر في القرن السادس ليرويها مرسلة بلا سند ولا مصدر لا صحيح ولا ضعيف مع كل هذا الفاصل الزمني بينهما !.

2- كان الفضل بن شاذان رحمه الله وهو من أكابر علماء ومتكلمي الشيعة ومن خُلّص أصحاب الائمة الجواد والهادي والعسكري ع يعيب على أبي أيوب الأنصاري رحمه الله مشاركته في هذه الغزوة (ظ: رجال الكشي: 1/ 177) وابن شاذان أقرب عهدا بالحادثة من غيره وهذه قرينة واضحة على أن الامام الحسين ع لم يشارك فيها .

ومن هذا وغيره يتضح أن هذه الرواية هي الأخرى موضوعة لتدعيم حكم الأمويين ورفع شأن يزيد لعنه الله . علما أن هناك من يرى أن أمير هذه الحملة كان سفيان بن عوف وليس يزيد لعنه الله، ويبدو أنهما غزوتان غزوة سفيان سنة 48 ويزيد سنة 49 ذهب كإمداد لجيش سفيان .

هذا هو تمام النصوص التي استشهد بها القوم على اشتراك الامامين الحسن والحسين ع في الفتوحات وهي كما رأيت:

1- لا يوجد نص واحد عن أهل البيت عليهم السلام او في مصادر الإمامية يدل على مشاركتهم عليهم السلام في الفتوحات وانما النصوص الثلاثة كلها من مصادر أهل السنة والجماعة وهذه دالة تمثل علامة استفهام كبيرة .

2- على كل حادثة نص واحد من مصادر اهل السنة والجماعة مع أن أحداثا مهمة كهذه كان من شأنها الشياع بما يفوق شياع توافه الأمور التي رووها بأسانيد متكاثرة .

3- كل النصوص الثلاثة مبلوة إما بالارسال او الضعف .

4- قرائن الوضع والكذب متوافرة متعاضدة في كل نص منها

فالمحصل ان لا شيء من هذه النصوص يملك مقومات الاعتبار انما هي موضوعات دسها علماء البلاط للتغطية على شنيع ما ارتكبوه تحت عنوان الفتوحات .

هذا فيما يخص الامامين الحسنين ع وأما موقف أمير المؤمنين الامام علي ع من الفتوحات فما يمكنني قوله هنا أن أكثر ما هو متعارف حوله أخبار لا صحة لها تفتقر ايضا لمقومات الاثبات بل الأدلة قائمة على خلافها كما سترى وأترك التفاصيل لمقال سأنشره في الايام القليلة القادمة بإذنه تعالى .


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : حكمت العميدي ، في 2020/05/11 .

احسنتم



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=144321
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 05 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29