• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ميكانزم الرسم في الخطاب الانثوي هديل رياض انموذجا .
                          • الكاتب : د . حازم السعيدي .

ميكانزم الرسم في الخطاب الانثوي هديل رياض انموذجا

توصف الاعمال الفنية كردة فعل ثقافي تجاه النزعة النفسية التي تواجهنا فهي تتسع كلما رافق عوالمنا تغيرات اجتماعية ونفسية مكثفة وعميقة على حد تعبير "بروكر بيتر" وماتحرير العقل البشري في الوصول الى مستويات الادراك والمعرفة الا دليل على النضوج الفكري الذي يعتمد البحث سبيلا لتجاوز حدود الذات وردم هواته ,وصناعة فن الرسم والرسام في البنية المجتمعية والبيئة الضاغطة انما تغيير لشكل العلاقات الانسانية وانعكاسها نحو الايجابية في فهم التجربة الجمالية والفنية , اذ من الممكن ان تنبثق الاشياء من تزامن واقعها وهذا ماكان مع الفنانة التشكيلية (هديل رياض) واحدة من تلكن الذين انغمسن في جو عصرها ومحيط شخصيتها لتؤكد ان "فن الرسم رؤية لا تخلو من عصرها" لقد خططت ورسمت ولونت لوحاتها حسب شغفها وولعها ,فاستهلت موضوعاتها من رحم واقعها فعرضت مجموعتها (وليدة حصان متظاهرة قروية فتاة الكمان الموسيقى ...) بكل ثقة وجرأة بمعنى رغبتها في احداث التغير الروحي والمادي ذلك انها جديرة بالتعبير ,حيث اتكأت في ظل خصوصيتها على عزلتها فرسمت الطفولة ايقونة الذات والتشبث بالعائلة وانتقلت الى رؤية مخيالها في تخطيط شكل حصان وتلوينه وهذا بحد ذاته رمز على القوة والشجاعة والاحاطة به كونه الجمال والاصالة والعراقة ثم ذهبت الى تصوير عالمها الخاص في الاحلام والعزلة والركون الى الهدوء حينما رسمت الموسيقى والاتها  بل وسحرها , حتى لنجدها لم تكتفي بعالم وحدتها فخرجت الى الشارع لتقدم لنا "فتاة التظاهر" في ثورة تشرين للشباب وهنا تمكنت من رسم الشخصية المعبرة عن واقع وجودها في ساحات التظاهر فتاة ترتدي خمارين الاول يلف جسدها بهيئة "عباءة جلابية "ذي لون اسود دليل الحياء والعفة والعرف الكربلائي تقف في مواجهة المتلقي وتحمل بين يديها كفن ابيض دليل استشهاد الانسان وهو ما بلف جسده به حال الموت قاطعته بكلتا يديها ,ووضعت سلسلة حديدية وقيد حول رقبتها كرمز لتبعات الثورات في العالم ومنها "ثورة تشرين " ربما يكتب لها النصر او الخسارة , في حين غطت وجهها بقناع كمامة تحمل هيئة العلم العراقي دونما تظهر اي من سمات وجهها الحقيقي , وهنا يجىء التعبير بكل مقاييسه عن المرأة العراقية التي ذهبت بكل جوارحها مع الثورة وحملت روحها بين يديها وخرجت لتؤكد ان الثورة ماضية باقية ولن يحققها الرجال او الذكور الا بوجود النساء ومنهم (هديل رياض) التي وثقت بريشتها الفتية حبها للحرية ورفضها للفساد بكل اشكاله ,حيث تمكنت من الوصول الى التعبير وفقا لتقنيات اناملها فربطت الفن بالحياة وعززت العديد من الحالات في رمزية عالية لم تكن سوى فعل اشبه بالرسائل على مدى عمرها القصير ,وهنا ماكان للرمز ان يغيب عن اوراقها او قماش لوحاتها ,لقد ارسلت كلماتها على هيئة الوان وخطوط , كما جسدت انوثتها كفتاة محاربة في لوحتها "فتاة التظاهر" لتؤكد أثر تلك الرمزية على جل المجتمع وتذويب الروح كنوع من الطقوسية المرتبطة بالوضع السياسي والاجتماعي واعترضها بالصمت والتكميم عبر الحدث الآني وبالتالي فلا يتبقى منه سوى أثر ما قد يحدثه من صدمة اخلاقية قيمية لدى المتلقي . عليه ان فكرة الجسد الانثوي الحامل لخطاباته في اليات ترسيمه يعد منظومة رمزية للمجتمع وان الرفض  والمواجهة من قبله هو خطاب حي ضد الاستعلاء والسلطوية في بلد نخرته الطائفية والعرقية والحزبية كالعراق .

ان الراحلة من عالمنا المغفور لها (هديل) كانت واحدة من القارئات المتميزات للفن وعارفة بصورته الحقيقة شكلا ومضمونا جعلت من عالمها الانثوي مجالا للتعريف بقدراتها الفنية ومركزا بصريا واعدا وهي تنتمي الى مدارس خاصة بالبنات (ثانوية الصالحات الخاصة ) في كربلاء اشتركت في المعارض الخاصة والعامة التي اقامتها مدرستها وضمن مديرية تربية كربلاء وعلى قاعة المدرسة وتدربت على الخط العربي بدورتين سابقتين مع الخطاط الدكتور حازم السعيدي والخطاط سيد عادل الموسوي وعكست ثقافتها العلمية والمهنية كما عززت معاصرتها لاقرانها باحثة عن الجديد متطلعة الى امام تمكنت في فترات قصيرة ان تهب التاريخ ما وهبه الله اليها وتحت مسميات الرسم اعلنت انها جديرة بغاياتها فاسكنت متلقيها الجمال والابتسامة واحالت منتجها الفني مسارا لا ينقطع الا بما اراده الله ,لقد وهبت نفسها حرية التعبير فانتظمت قوية واثقة بنفسها وتركت خطابها فوق جدران عوالم مدرستها حبا لا ينسى ..رحمك الله وارضاك ابنتي هديل .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=144382
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 05 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28