• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢٩) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢٩)

{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.

أَمَّا على صعيد العلاقاتِ الإِجتماعيَّة، فالوسطيَّة ضروريَّة لبناءِ مجتمعٍ مُنسجم، وهي بحاجةٍ إِلى مُبادرةٍ من طرفٍ لتتحوَّل، الوسطيَّة، إِلى قاعدةٍ ينتبهَ لهاالآخرون، أَمَّا إِذا تخندقَ كلَّ واحدٍ بخندقهِ وتشبَّثَ بموقفهِ فسينهار المُجتمع ويتمزَّق نسيجهُ فلم يبقَ شيءٌ من جسورِ التَّواصل بينَ أَفرادهِ.

لقد كتبَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) في وصيَّتهِ لولدهِ السِّبط الإِمام الحسن المُجتبى (ع) يقولُ {احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَىاللَّطَفِ وَالْمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَة عَلَيْكَ}.

والكبار فقط همُ الذينَ يفعلونَ ذلكَ.

قالَ تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُوحَظٍّ عَظِيمٍ} وقوله {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

إِلَّا أَنَّ الإِمام (ع) أَردفَ وصيَّتهُ تلك بالعبارةِ الخطيرةِ التَّالية {وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ} لماذا؟! لأَنَّ البعض يتصوَّر أَنَّالكبار إِذا بادرُوا ففعلُوا ما وردَ في وصيَّتهِ أَعلاه فذلكَ دليلُ ضعفٍ أَو خَوفٍ أَو رُبما تملُّق، فإِذا فكَّرُوا بهذهِ الطَّريقة فسينقلب الحال من كونِ المُبادرة شيءٌ حسنٌمطلوبٌ لتحقيقِ التَّماسُك في المُجتمع إِلى عُنصرٍ إِضافيٍّ لتمزيقهِ وتفتيتهِ!.

يقُولُ تعالى {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَاعَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

والمُتطرِّف مُستعدٌّ لأَن يكذب ويُفبرك المعلومات والأَخبار والتُّهم حتَّى يُبرِّر موقفهُ، فإِذا تطرَّف بالبخلِ مثلاً إِتَّهم الله تعالى بالبُخلِ، والعياذُ بالله، ليُشرعن بُخلهُ،وهكذا.

يحدِّثُنا القرآن الكريم عن أَحدِ هذهِ النَّماذج بقولهِ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًامِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُلَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

حتَّى في العلاقةِ بينَ الوُلاة والرعيَّة، الحاكِم والمحكُوم، ينبغي أَن يكونَ هناكَ توازنٌ والذي يتمثَّل بتقاسُم السُّلطة والمسؤُوليَّة، فالتطرُّف بالتَّأييد لأَيٍّ من الطَّرفَينظلمٌ للطَّرفَين.

يشرح أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) هذا التَّوازن بقولهِ {فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ.

فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَالزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاَْعْدَاءِ.

وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ، وَكَثُرَ الاِْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى،وَعُطِّلَتِ الاَْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الاَْبْرَارُ، وَتَعِزُّ الاَْشْرَارُ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللهِ عِنْدَ الْعِبَادِ.

ثمَّ يستطردُ (ع) بالإِضافةِ المُهمَّة التَّالية؛

فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغِ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُمِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ.

وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ، وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُالْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.

وإِنَّ أَهم أَسباب التطرُّف هو النَّظر لظاهرِ الأُمور وعدم التعمُّق فيها، فلَو عَلِمَ المرءُ حقائق الأُمور وبواطنِها لما تطرَّف {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِالْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.

كما أَنَّ قساوَة القلب أَحد أَخطر أَسباب التطرُّف، يقولُ تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُالْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

ويتطرَّفُ الإِنسان عندما لا تنسجمُ المُقدِّمات أَو النَّتائج مع رغباتهِ أَو ما يتمنَّاهُ كما في قَولهِ تعالى {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَاجَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}.

أَخيراً؛ فربما يتصوَّر البعض أَنَّ الحالة التَّالية تعبيرٌ عن الوسطيَّة {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُبِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا* أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا}.

أَبداً، فالوسطيَّةًُ التي تُضيِّع الحق وتُداري الظَّالم والمظلُوم، الفاسد والمُصلح في آن، ليست بوسطيَّة، وإِنَّما هي نِفاقٌ وإِزدواجٌ في الشخصيَّة ووصوليَّة،الغرضُ منها حماية المصالح الخاصَّة على حسابِ الصَّالحِ العام!.

٢٢ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: nahaidar@hotmail.com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=144745
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28