• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : رأس الرذائل الحسد الإمام علي (ع) .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

رأس الرذائل الحسد الإمام علي (ع)

تماما كالأبصار هي القلوب تصاب بالعمى. الحسد أخطر الأمراض وأشدها شراسة وأسوا الواردات التي تكلمنا عنها في موضوع سابق والتي تلج في القلب محاولة الإنتشار والتوغل إلى اعماقه، لتحتل اكبرمساحة ممكنة وتتخذها مقر إقامة وغرفة عمليات لجند الشيطان الرجيم. الحسد والحقد متلازمان ولاينفكان، بل الحسد هو الإبن المدلل للحقد الذي هو من نتاج الغضب. لايكون الحسد إلاّ إذا وجدت نِعمة، الحاسد يترصد دائما  النِعَم ويلاحق أصحابها، ومن ثم يوجه سهامه ويسدد رميته نحوهم. غالبا مايصيب ضحاياه بإصابات متفاوتة الخطورة. ليس للمحسود سوى اللجوء إلى الحق سبحانه وتعالى  لدفع الأذى المتأتي من الحاسد اللئيم وقراءة بعض الأيات للشفاء من هذا الداء الخبيث، ومن المجربات قول: "ماشاء الله لاقوة إلاّ بالله".

ماخفي عن الحاسد عادة ولاعلاج له هو أن السهم يصيبه قبل أن يصيب المحسود أو يدفعه الله عنه ليرتد إلى مقلة الحاسد فيصيبها بالعمى وإن أعاد الكرّة ورمى ثانية أركسه الله لإم رأسه وأصاب مقلته الأخرى ولعذاب الأخرة اشد واخزى. أحوال الحُسّاد مختلفة وهي درجات ومراتب بين اللؤم والخبث والحقد. منهم من يتمنى زوال نعمة الغير لتنتقل إليه وتستقر عنده، يحسد فقط ويتمنى السوء في قلبه وهو المنافق الذي يظهر "بشاشة الملق" ولكنه في الواقع يعيش حزنا وكآبة، وفي داخله نيران الحسد مستعرة لاتخمد. ومنهم من يتنمى زوال نعمة الغير ويعمل على سلبها، فلايكتفي بسواد قلبه "ودغل سريرته لشريكه في ملته" بل يضع الخطط والبرامج ويعد العدة والعدد للمعركة الغادرة،  فسيده إبليس اللعين قد جهز له الجند ومعهم الأسلحة الفتّاكة، ومن خلفه القوات المساندة وهم من المزتزقه شياطين الجنّ والأنس، ولكنهم لايحصلون على أية مكافآت، إبليس يعد ويخلف وليس عنده وفاء، فهو أول الحاسدين وكان جزاؤه الطرد من الجنّة. أول ضحايا الحسد هو نبيّ الله آدم ومن ثم حواء عليهما السلام  فقد كانا في مقدمة المحسودين وكان حسد إبليس لهما بالغ الخطورة لولا رحمة الله تعالى. ومن بعدهما إبنهما هابيل بعد ان وسوس الشيطان لأخيه قابيل فقتله حسدا من عند نفسه، فكانت أول جريمة وأول ذنب عصي الله به في الأرض، ومن قبل كان اول ذنب عصي به الله في السماء. والسبب هو ذاته، الحسد. ويوسف الصدّيق عليه السلام وماحلَّ به من جرّاء حسد إخوته، كادوا أن يقتلوه وكادوا له كيدا من أجلِ أن يخلو لهم وجه أبيهم، لكن سهامهم إرتدت عليهم، فهم الذين دخلوا على يوسف رجاة ان ينظر لحالهم ويعطف عليهم ويرحمهم "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ".

الحسّاد هم جنود إبليس المجندة ومن حيث لايشعرون، يتمنون زوال نعمة أقرب المقربين منهم ليتنعموا هم بالنعمة لوحدهم. النعمة ليست فقط الطعام والمال بل هي كل ماتنعم وانتفع به العبد واستراح من مؤنة الجهد والتعب والعناء والمشقة "وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ". الأنبياء والرسل قبل الأولياء والأولياء قبل الاصحاب والأصحاب قبل العلماء والعلماء قبل العبّاد والعبّاد قبل الصالحين عانوا من الحسد والحقد من قبل منافسيهم الذين حاولوا إيذاءهم  بالقوة والبطش وليس بإضمار الحسد والحقد بالقلب فقط، بعدما عجزت ألسنتهم عن تحقيق ذلك. أمثال هؤلاء الحسّاد يظهرون أحقادهم مشافهة ويخفون الكثير منها "قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر". هذا فرعون المتجبر ـ  والطواغيت من بعده ـ حيث لكل زمن فرعونه المتفرعن ـ قد عمل جاهدا على إيذاء موسى ومن آمن معه. الغرق في البحر كان هو المصير المحتوم لعدوّ الله وعدوّ نبيه موسى عليه السلام. هناك حاسد اتعس من هذا وذاك واكثر حقارة من بقية الحسّاد وهو الذي يتمنى زوال نعمة الغير وان لم يصبها هو، بمعنى ان هذا الحاسد الخبيث لايهمه المال ولايطمع في حيازته ولا نيّة له في إدّخاره، لكنه ان سمع أو رأى ميسور حالٍ قد أنعمَ الله عليه من سَعتِهِ شقَّ عليه ذلك وإحولت عيناه ومدها حسداً على أخيه أو جاره أو صديقه أو حتى عابر سبيل لايعرقه ولا يريد ان يتعرف اليه لاحقا، هذا طبع خبيث لاسلّطه الله على أحدٍ من خلقه ولابارك الله فيه ولاكثّر من أمثاله. كفانا الله وإيّاكم شره وعينه. وصدق مولى الموحدين عليه السلام حينما وصف الحسد برأس الرذائل، لأن الذي يحسد ويتمنى زوال نعم الغير وان لم يصب منها بشيء هو الرذيل الخبيث نستجير بالله من شروره. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الحاسدُ مغتاظ على مَن لاذنبَ له".

وقال الشاعر: "يعطيك ودا صادقا بلسانه          ويجن تحت ضلوعه ألوانا

نصادف في حركة حياتنا اليومية أشخاصا يغضبون علينا بلا مبرر، يتذمرون مجرد ان يرونا مصادفة في طريقهم، غالبا مانتساءل من هؤلاء وماهو مراهم؟

الجواب: هؤلاء هم الحُساد الذين قد عجزوا عن إخفاء حسدهم وحقدهم وغيظهم. هذا النوع من الحسد يكون خطيرا وعلاجه ليس سهلا يسيرا إن لم يكن مستحيلا. الحاسد يعيش حياة تعيسة فهو لايعرف الطمأنينة والسكينة، متوتر متشنج فظ غليظ القلب مقطب الحاجبين عبوس طوال اليوم وعلى مدار الساعة، لايعرف التبسم فهو لايبتسم حتى لمن يبتسم إليه. 

الحاسد عدو الله..

وكيف لايكون كذلك وهو الذي يعترض على قسمة الله تعالى بين عباده، فالله هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لمن يشاء من عباده بحكمته التي هي من صالح الإنسان وفي نفعه، لقد ذكرنا في حديث سابق بأن الحق سبحانه وتعالى لاينتفع بصفاته هو، بل العباد هم من ينتفعون بها. كما أن الحاسد اللئيم لايسلّم لأمر الله وحكمته بين خلقه، فهو سيء الأدب مع الخالق السبحان، مريض نفسيا وليس إنسانا سويا، تراه مهموما حزينا كئيبا لايقر له قرار ولاينعم براحة البال، كل مايتمناه أن يرى عباد الله في ضيق من العيش وهو في رغد، وان يكونوا فاشلين وهو المتفوق المائز الذي يكون مكانه في المقدمة، متكبرمغرور لايعلم ان الله تعالى هو الذي يضع ويرفع، لا المكان الجغرافي المكاني وانما المكان المقامي المعنوي الروحي، المكانة في قلوب الناس. من ذا الذي يقدر أن يرفع مَن وضعه الله، ومن ذا الذي يقدر أن يضع من رفعه الله، كم من ظالم لنفسه معتدٍ أثيم حاول أن ينال من طهارة وقدسية أولياء الله لكن ردَّ الله سهمه إلى نحره وأوقعه في الحفيرة التي كان يوما يؤمل ان يرى فيها ذلك العبد الصالح.  الرزّاق يرزق من يشاء بغير حساب، كما كان رزق مريم يأتيها من السماء، وأيّ رزق!!! فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف  في الشتاء، مريم تعيش لوحدها ومنقطعة عن العالم حولها، في غرفة صغيرة موجودة في أعلى بيت المقدس، يدخل زكريا الغرفة حاملا معه طعاما لها، القليل من الخبز وبعض اللبن ولكنه يتعجب حينما يرى في ذلك اليوم القارس البرودة  طعاما  طيبا وشرابا. تعجب زكريا وسألها: "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".

تعليق..

زكريا عليه السلام نبي من أنبياء الله تعالى وهو الذي كفل مريم وكان يعتني بها في خلوتها وإنقطاعها لرب العالمين سبحانه  في تلك الحجرة الصغيرة من بيت المقدس وحولها الملائكة تحرسها وتحميها وتبارك لها. زكريا لم يحسد مريم على ذلك الرزق الرباني الخالص، تعجب زكريا لم يكن حسدا ولاغيظا، بل حينما سمع من مريم  ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنالك أي عندها طلب زكريا الولد من الله وقد استجيبت دعوته في الحال، " فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ". المؤمن يفرح حينما يرى غيره في نعمة وخير وسعادة، بل هو يدعو بظهر الغيب بذلك، المؤمن لايمكن ان يكون حاسدا لغيره، العكس هو الصيح فهو دائما محسود على عبادته واخلاقه وتواضعه وسعة صدره وكرمه وحسن مداراته للناس، كلّ الناس مهما كانت لغاتهم واديانهم ومذاهبهم وطوائفهم وأجناسهم واعمارهم، قلب المؤمن عامر بحب الخير للناس. زكريا كان مثالا للمؤمن الذي رفع يديه إلى الله طالبا مابنفسه فكلمته الملائكة شفاها وهو قائم يصلي في محراب تهجده ومناجاته، سمعهم وهم يقولون له أن الله يبشرك بيحيى، يبشره ربه تعالى بالولد وقد سمّاه الله يحيى، إنها بشارة عظيمة أدخلت على قلب زكريا السرو، بشرى بالولد وإسمه معه، سماه الله يحيى، هذا جزاء حسن الظن بالله تعالى وعدم الحسد، والله عند حسن ظن عبده به. هكذا المؤمن حينما يرى النعمة قد حلت عند الآخرين يفرح كثيرا ويسأل الله من فضله. نِعم الله تعالى متعددة ومتنوعة فقد أعطيَّ زكريا الولد وأنزل على مريم رزقا من السماء، وآخر قد رزقه الله العافية وتمامها ودوامها. " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق".

عن ابي عبد الله عليه السلام قال: "الحاسدُ يضرُّ بنفسه قبل ان يضرَّ بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدمَ الإجتباءَ والهدى والرَّفعَ إلى محلِّ حقائق العهد والإصطفاء، فكنْ محسودا ولاتكنْ حاسدا، فإن ميزان الحاسد ابداً خفيف بثقلِ ميزان المحسود، والرزقُ مقسومٌ فماذا ينفعُ الحسدث الحاسد؟  وماذا يضرُّ المحسود الحسد، والحسدُ أصلُهُ من عمى القلب وجحودِ فضلِ الله، وهما جناحان للكفر، وبالحسدِ وقعَ ابن آدم في حسرةِ الأبد، وهلكَ مهلِكاً لاينجو منه ابداً، ولاتوبة للحاسدِ لأنه مصرٌّ عليه، معتقد به، مطبوع فيه ـ أي أصبح طبعا له ـ يبدو بلا معارض به ولاسبب، والطبعُ لايتغيّر عن الأصلِ وإن عولج".

وعنه ع: "إنَّ المؤمن يغبط ولايحسد، والمنافق يحسد ولايغبط".

حسد المنافق هو أنه يظهر لك السرور والرضا إن اصبت خيرا، من نعمة ظاهرة او توفيق فيه صلاح الحال ونفع الآخرين، لكنه في الخفاء يضمر في قلبه السخط والغيرة والتشفي والشماتة عند زوال النعمة وتحولها إليه، ظاهره مبتسم، باطنه مشتعل بنيران الحسد، لايهدأ له بال حتى يراك معسرا، محتاجا، مهموما، مكروبا. تباَ له وتعساً ماأجرأه على ربه الذي خلقه فسواه فعدله. وحسد الحاقد أشد حقارة وبغظا، فهو يسعى جاهدا ان يلحق الأذى بصاحب النعمة، وإن كانت هذه االنعمة معنوية واخلاقية وليست بالضرورة أن تكون مادية، كأن تكون صادقا، متواضعا، متسامحا، كريما، منصفا، محسنا، شجاعا، تحسن لمن أساء إليك وتسامح من تجاهلك وإنتقص من قدرك حسدا وغيرة وظلماً. الغريب أنه كلّما ترفعتَ عن هذه الصغائر، كلّما إزداد الحاسد غيظا وحقدا، ذلك أن ترفعك يعد حسنة فهو لايطيقها. "إنْ تُصِبْكِ حَسَنَةٌ تَسُؤهُم". فيزداد لؤما وحقدا وهذا عذاب ومشقة وهمّ وغمّ وخسران مبين، يخسر الدنيا لأنه يعيش لحظاتها مهموما لايعرف الراحة والسكينة، ويخسر الآخرة لأنه كان في الدنيا معترضا على قسمة الله بين خلقه، غير راضٍ بقضاء الله وتدبيره، فلابد أنه قد فاته شكر الله المتفضل على كلّ نعمة أنعمها عليه. عكس ذلك هو المؤمن الرسالي فهو يشكر الله على كلّ نعمة وإن لم يصب منها. فقد ورد في تعقيب صلاة العشاء الأخير تهليل عظيم الشأن، ومنه هذا المقطع: "سبحان الله والحمد لله ولاإلهَ إلاّ اللهُ واللهُ أكبرُ على كلِّ نِعمَةٍ أنعمَ بها عليَّ وعلى كلِّ أحدٍ من خَلْقِهِ مِمِّنْ كانَ أو يكونُ إلى يومِ القيامةِ". بينكم بين الله، أين هذا من ذاك، اين المؤمن الرسالي الذي يدعو للناّس بظهر الغيب، وأين الحاسد الحاقد اللئيم، يكفي المؤمن فخراً أن جعل الله له نوراً يمشي به في الناس، ويكفي الحاسد المنافق أن سوّدَ الله وجهه وأصبح أعمى البصيرة أعمى البصر. المؤمن الرسالي يحمد الله على كلّ نعمة أنعم بها عليه وعلى كلِّ أحدٍ من خلقه، ويستغفر الله لنفسه ولكل مذنب ومقصّر، والحاسد يعترض على الحق سبحانه فكان جزاؤه أن سخط الله عليه في الدنيا والآخرة.

الله هو الوهّاب..

فعلام الحسد والبغض والحقد والغيرة، "لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ". طالما الله هو الوهاب فما فائدة الحسد، لكنه طبع جُبِلَ عليه صاحبه ماألعنه وماأقبحه. أعدل مافي الحسد أنه يقضي على الحاسد وينتقم منه.

قال بعض الحكماء..

الحسدُ جُرحٌ لايبرأ، وحسب الحسود، إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه. وقال بعضهم: الحاسدُ لاينال من المجالسِ إلاّ مذمّة وذُلاً، ولامن الملائكة إلاّ لعنةً وبغظاً، ولاينال من الخلقِ إلاّ جزعاً وغمّاً، ولاينالُ عند النّزع إلاّ شدّة وهولاً، ولا ينال عند الموقفِ إلاّ فضيحة ونكالاً.

الخلاصة..

أن نِعم الله تعالى على عباده لاتزول بحسد حاسد، لأن ماقدّره الله من نعمة انعم بها على أحدٍ من خلقه لابد أن تدوم إلى ذلك الأجل الذي قدّره الله تعالى. لو ان النِعم تزول بالحسد فماذا يبقى من نِعمِ الله سبحانه، وحتى نعمة الإيمان تزول وقد ذكرنا أعلاه قول أمير المؤمنين عليه السلام "الحاسدُ مغتاظ على من لاذنب له". 

أمرٌ آخر..

الحاسد هو جاهل غبي أحمق، فكيف يحسد غيره ويتمنى زوال نعمته ولايخاف على نفسه من أن يحسده غيره ويتطير به. اليس هذا هو الحمق بعينه!!!

كما أن الحاسد يعيش معذبا ـ وهذا هو الجزاء في الدنيا ـ كلّما رأى نعمة حلت بزيد من الناس، أو بلية انصرفت عن عمر، فهو مابين نيران زيد وعمر يحترق، و"نار جهنم أشدُّ حراً".

يقول أحد العلماء الربانيين..

"ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب، لكان مقتضى الفِطنة إن كنتَ عاقلاً أن تحذر من الحسد لما فيه من ألمِ القلبِ ومساءته ـ أي أذاه ـ مع عدم نفعٍ يعود عليك بحسدِك، فكيفَ وأنتَ عالِمٌ بما في الحسدِ من العذابِ الشديدِ في الآخرة! فما أعجبُ من العاقلِ أن يتعرّضَ لسخطِ اللهِ من غير نفعٍ يناله، مع ضرر يحتمله وألمٍ يقاسيه، فيُهلكَ دينه ودنياه من غير جدوى ولافائدة".

الأخبار في ذم الحسد..

لقد ورد قي ذم الحسد الكثير من الأخبار عن نبيِّ الرحمةِ وإمامِها وعن أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين. وقبل ذلك فإن الحسد هو مقبح أخلاقي وعقلي قبل أن يكون حراما أو مكروها شرعا، فهو مذموم في كل الأديان وعند كل الأمم وفي كلّ زمانٍ ومكان. عن رسول الله ص أنه قال: "الحسد ياكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب". وقال ص: "لاتحاسدوا ولاتقاطعوا ولاتدابروا ولاتباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً". وقال ص: "إنَّ لِنِعَمِ اللهِ أعداءٌ، فقيل: ومن أولئك؟

قال ص: الذين يحسدون النّاس على ماآتاهم الله من فضله".

عن ابي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله ص: قال الله تعالى لموسى بن عمران: يا بن عمران لاتحسدَنّ الناس على ماآيتهم من فضلي، ولاتمدنَّ  عينيك إلى ذلك ولاتُتبعه نفسَك، فإنَّ الحاسدَ ساخِطٌ لِنِعَمي، صادٌّ لِقِسَمي الذي قسمتُ بين عبادي ومَن يك كذلك فلَستُ منه وليس منّي". كلامٌ مرعبٌ ومخيف، الحاسد إذن مطرودٌ من رحمة الله تعالى، بعيدٌ عن التوفيقات، أبعد هذا الحديث يستمر الحاسد في حسده لخلق الله، إن فعل ذلك قهو لاعقل له، غبي أحمق، مريض منبوذ، ظالم خسيس، نستجير بالله منه.

قيل لحكيم: مابال الحسود أشد غمّاً؟

قال: لأنه أخذ نصيبه من غموم الدنيا، ويضاف إلى ذلك غمّهُ لسرور الناس.

والمسيء سيكفيكه مساوئه..

عن بكر بن عبد الله المزني قال:

كان رجلُ يغشي بعض الملوك، فيقوم أمام الملك ويقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيءُ سيكفيكه مساوئه. فحسده رجلٌ على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك  فقال: إنَّ هذا الذي يقوم بحذائك ويقول مايقول يزعمُ إنَّ الملِكَ أبخر ـ أنتن ريح فمه ـ فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به غداً فإذا دنا منك وضع يده على أنفه كي لايشمَّ رائحة البخر، فقال له: إنصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاماً فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده وقام أمام الملك فقال: أحسنْ إلى المحسن بإحسانه والمسيءُ سيكفيكه مساوئه، فقال له الملك: أدنُ مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه مخافة أن يشم منه الملك ريح الثوم، فقال الملك في نفسه: ماأدري فلاناً إلاّ صدَق.

قال: وكان الملك لايكتبُ بخطّه إلاّ جائزة أو وصلة، فكتب له كتابا بخطه إلى عاملٍ من عمله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فاذبحه واسلخه واحشُ جلده تبناً، وابعث به إليّ. فأخذ الرجل الكتاب وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به إليه فقال: ماهذا الكتاب؟ فقال: خطّ الملك، أمر لي بصلة، فقال: هبه لي، فقال: هو لك، فأخذه ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك أن أذبحك وأسلخك، قال: إنّ الكتاب ليس هو لي، فالله الله في أمري حتى تراجع الملك، قال: ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبناً وبعث به. ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال له مثل قوله فتعجب الملك وقال: مافعلت بالكتاب؟ فقال: لقيني فلان، فاستوهبَه مني فوهبته له، فقال له الملك: إنه ذكر لي أنك تزعمُ أني أبخَر. قال: ماقلتُ ذلك. قال: فلمَ وضعتَ يدك على أنفك؟ قال: كان أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهتُ أن تشمه، قال: صدقت. إرجع إلى مكانك فقد كفاك المسيء مساوئه. "اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ"

نسأل الله العافية

والله هو الوهّاب، "لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=145079
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 06 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3