• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : يا وزراء ونواب العراق يدرككم الموت ولو كنتم في سيارات مصفحة .
                          • الكاتب : د . حامد العطية .

يا وزراء ونواب العراق يدرككم الموت ولو كنتم في سيارات مصفحة

    كان قراراً سيئاً، بكل معاني الكلمة، ومن حيث المضمون والتوقيت بالذات، فضح أنانية أعضاء مجلس النواب العراقي، إذ تهافتوا على التصويت بتخصيص خمسين مليون دولار لشراء سيارات مصفحة لهم، مذكرين العراقيين برواتبهم الضخمة ومخصصاتهم الاستثنائية وحراساتهم الإمبراطورية وأراضيهم التي اقطعوها لأنفسهم، فكان من الطبيعي أن تثور ثائرة العراقيين فيصبوا اللعنات على الساسة والعملية السياسية، ومن مساويء الصدف أن يسبق اقرار شراء السيارات المصفحة وبساعات فقط حدوث سلسلة من التفجيرات الإرهابية، غير المسبوقة من حيث العدد والانتشار، فتعاظمت نقمة العراقيين على الساسة. 
 
     كان أبرز المنتقدين للقرار خطيب جمعة كربلاء السيد أحمد الصافي الذي وجه توبيخاً بليغاً للنواب العراقيين، مستنكراً تقديمهم مصالحهم الشخصية على مصلحة المواطنين، فكان من الأجدر بهم حسب قوله تخصيص هذه الأموال لتحسين أوضاع العراقيين المحرومين، ومنهم سكان 200 قرية في محافظة واسط  تنقصهم المياه الصالحة للشرب.
 
   في الجلسة نفسها تبين أن ساسة العراق مسرفون في استعمال الطائرات الخاصة المستأجرة على حساب الدولة في سفراتهم لذا اقتضى حصر هذا الترف على الرئاسات الثلاث لحين شراء طائرات خاصة بهم.
 
    يعتمد ساسة العراق قواعد أو وسائل ثلاث في الوقاية من الاغتيال والعمليات الإرهابية: الاكثار من الحراسات الشخصية، والوثوق بالأقارب، واستعمال السيارات المصفحة، فما مدى كفاءة هذه الوسائل؟
 
     اغتيل عدد كبير من القادة والسياسيين، وفي كل بلاد العالم، وعلى مر العصور، بل أن بعضهم أغتيل من قبل حراسهم، ومن بين هؤلاء الأمبراطور الروماني  لوشيوس كاراكلا  الذي قتله حارسه الشخصي يوليوس مارتياليس، واغتيلت رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي على ايدي اثنين من حراسها السيخ بعد اجتياح القوات الهندية لمعبد طائفة السيخ الذهبي، وفي 1999م لقي رئيس النيجر ابراهيم مينسارا نفس المصير، وكذلك شقيق الرئيس الافغاني حامد كرزاي قبل اقل من عام وعدد من الساسة في الباكستان مؤخراً.
 
     اعتماد الساسة على الأقارب لحمايتهم مبدأ غير مضمون النتائج، وكثيراً ما احتدم الصراع بين أفراد العائلات السلالية الحاكمة على السلطة، وتزخر كتب التاريخ بالأمثلة على ذلك، فقد اتهمت زوجة مروان بن الحكم بقتله، وسعى المنتصر لاغتيال أبيه الخليفة المتوكل، وقتل المعتز عمه المستعين بالله ليستولي على الخلافة، ولقي عز الدين أيبك مصرعه بيد زوجته شجرة الدر، وتحالف ابن السلطان العثماني مراد مع أعداء ابيه البيزنطيين، فظفر الأب بالابن واعدمه، واباح قانون عثماني للسلاطين قتل أخوتهم خوفاً من منافستهم على الحكم، وفي نهاية القرن التاسع عاشر قتل الشيخ مبارك الصباح أخيه الحاكم واخاً ثانياً واستولى على المشيخة، واتهم الأمير عبدالآله بقتل الملك غازي، وبعد أن أطاح فيصل آل سعود بأخيه الملك سعود وجلس محله قتل برصاصة أطلقها عليه ابن أخيه.  
 
     استعمال السيارات المصفحة ميزة يختص بها رؤوساء الدول والوزارات وأحياناً رؤوساء البرلمان ونادراً ما تشمل غيرهم من السياسيين، وهو تقليد حديث نسبياً، ففي 1941م أراد الرئيس الأمريكي روفلت التوجه للبرلمان لإعلان الحرب على اليابان، وتخوف معاونوه على حياته، وبسبب حظر القانون الأمريكي شراء الحكومة لسيارات يزيد ثمنها على 750 دولاراً اضطروا لاستعارة السيارة المصفحة المصادرة لرئيس عصابة المافيا المشهور آل كابون لنقل الرئيس إلى البرلمان، ولكن لا بد للرؤوساء من الترجل من سياراتهم المصفحة  والسير خطوات للوصول إليها، وهنا تسنح الفرصة لمحاولة اغتيالهم، والاحتماء بالسيارة المصفحة لم ينجي الدكتاتور ساموزا حاكم نيحاراكو السابق من الاغتيال، والسيارة المصفحة والحراس الشخصيون وأحدث وسائل الحماية فشلت في منع اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
 
   كانت وما زالت أمريكا عدوة لدودة لنظام الحكم في كوبا، حاولت الإطاحة به بشتى الطرق، أنزلت قوات معادية على شواطئه، وكادت أن تشن حرباً ذرية بسببه، وحاولت اغتيال الرئيس الكوبي فيدل كاسترو ثمان مرات، وكانت النتيجة الفشل مرة بعد أخرى، ولعل الفائزبالمرتبة الأولى في عدد محالات الاغتيال على حياته هو الرئيس الفرنسي الراحل ديجول، إذ يروى بأنها جاوزت ثلاثين محاولة، جميعها باءت بالفشل، وعندما سمعنا بخبرنجاة ياسر عرفات من حادث سقوط وتحطم طائرته في الصحراء الليبية قلنا بأن الأعمار بيد الله.
 
    في جواهر المطالب لإبن الدمشقي عن سفيان بن عيينة قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج بالليل إلى المسجد، فقال ناس من أصحابه: نخشى أن يصيبه بعض عدوه، ولكن تعالوا نحرسه فخرج ذات ليلة فإذا هو بنا فقال: ما شأنكم؟ فكتمناه فعزم علينا فأخبرناه فقال: تحرسونني من أهل السماء أو من أهل الأرض؟ قلنا: من أهل الأرض. قال:إنه ليس يقضي في الأرض شيء حتى يقضي في السماء ( السيد محسن الأمين. أعيان الشيعة، الجزء الأول، ص 530-532.)
 
   وقال عليه السلام أيضاً: لم يخنك الأمين لكنك اتئمنت الخائن.
 
24 شباط 2012م



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=14549
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29