• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التسامح.. سبيل التحرر من آلام الماضي .
                          • الكاتب : جنان الهلالي .

التسامح.. سبيل التحرر من آلام الماضي

تغير الأفكار  نحو  التسامح  ليس حالة طارئة بل أنها قدرة النفس على انعاشها  وخلاصها من الألم الذي لحق بها من المظالم.. هو قرار ليس بالسهل.ولكن الندم  على عدم محاولة التسامح  اكبر أثراً عليك من عدم الحصول على  فرصة ثانية.
فالتسامح مفهوم انساني خصّ به الله تبارك وتعالى البشر حتى يعيشوا في أُلفَـــه وسلام، والعدل والإنصاف، قال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، فأمر الله عز وجل بالقسط حتى مع غير المسلمين المسالمين، ومن هنا يظهر لنا ان الاسلام دين  تسامح، وأنه دين يجمع الناس، وليس دين التخريب والفساد كما يفعل البعض تحت مسمى الإسلام.
وهو من المبادئ الإسلامية السمحة التي سار على نهجها اهل البيت وقد تجلت المبادئ بالمدرسة السجادية التي كانت  تدعو الى التحاور مع الآخر وتتسامح معهُ؛ بغض النظر عن جنسه وانتمائه، وعدم تسقيط الآخر ونبذ التكاره لأنه لغة الحمقى.لقد كان الأمام عليه السلام ينبذ الخلافات والتعصب على المنهج الإسلامي الذي سار عليه جده رسول الله، ثم ابيه على بن أبى طالب  "عليه السلام. "
حيث قال الأمام السجاد : " لا تعادين أحداً وإن ظننت إنهُ لا يضرك , ولا تزهدُن في صداقة أحد وإن ظننت إنهُ لا ينفعك فإنهُ لا تدري متى تخاف عدوك وحتى ترجو صديقك , وإذا صليت فصلي صلات مودع".ويرى كثير من المختصين في علم  النفس التسامح يعود بالمنفعة على الذات.وصحة الأنسان الجسدية.
يقول الكاتب جيرالد ج- جامبولكسي في كتاب له :"التسامح أعظم علاج على الأطلاق".هنالك علاقة بين" الصحة والتسامح"..  اذن مالذي بوسعك أن تبتغيه ثم لا يمنحك اياه التسامح؟. فاول المتأثرين هو ذاتك كون النفس سوف تشعر بالألم جراء شعورها عدم اعطاءها فرصة ثانية للشخص في العفو.. وذكر أن أجهزتنا المناعية قد تقوى.. ولها علاقة بالتسامح.. فالتسامح له القدرة علي بلورة أجسامنا ويؤثر عليها ويقول المؤلف :بصفتي طبيباً لأكثر من اربعين عاماًيمكنني من أن أذكر أناساً كثيرين قد أصيبوا بأمراض عديدة، من أمراض مزمنة وأورام سرطانية كان سببها مشاكل قد مروا بها! وكان الكثير من تلك الأعراض تزول او تقل بمجرد أن يتعلموا التسامح. فالتماسك بالغضب والخوف والألم له تأثير قوي على أجسادنا ويؤثر على أنظمتنا النفسية؛ فهو يؤثر على دورة الدم في أجسادنا وعلى كفاءة الأجهزة المناعية، ويمثل ضغط على افكارنا وعقولنا.
فمن الأخطاء التي نرتكبها في حق أنفسنا هي التأجيلات التي لاتنتهي .. لحل الخلافات وتستمر لعدة شهور أو حتى  اعوام دون أن يبادر احد بالتسامح مما يشكل فجوة بين المتخاصمين. فذالك التزمت بالرأي له آثاره السلبية على النفس ويتسبب بالأنفصال للمجتمع.
ويرى الكاتب أن سيطرة الأنا العصبية على النفس هي سبب عدم رغبة الكثير في التسامح فقد تبعد الشخص عن الأستماع نصيحة الأنا التي تقول.. أننا نقوم بالشيء الصحيح عندما نعاقب الشخص الذي سبب لنا ألماً ويستحق أن لايشعر بحبنا نحوه. فمن الصعب أن ننجح في التسامح فيما أستفحلت الأنا في العقول والأستماع  اليها.   وربما أخبرتنا الأنا بأنها هي الطريقة المثلى لمعاقبة أولئك الذين تسببو لنا بأذى، ولكننا نجد أننا إنما نؤذي أنفسنا دائما ..  أن الألم ، والخوف ، والشك ، والمرض غذاء الأنا ، فهي تمقت السلام ، والحب ، والسعادة والصحة .

# كيف تنزوي الحضارات وتنطفئ.
يذكر غوستاف لوبون في احد مؤلفاته عن كيفية انزواء الحضارات وإنطفائها قولهُ " ونحن إذا ما بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع الى انهيار الأمم , وهي التي حفظ التاريخ لنا خبرها وجدنا إن العامل الأساسي في سقوطها هو تغيير مزاجها النفسي تغييراً نشأ عن انحطاط أخلاقها , ولست أرى أمةً واحدة زالت بفعل انحطاط ذكائها!!
فالأخلاق هي سبب ازدهار الأمم وتقدمها فيما حرص أبناء المجتمع الواحد  على تطبيقها والعمل بها. وكذا التسامح من صفات الأخلاق العظيمة التي تجسدت في أخلاق اهل البيت ومنهل الرسالة التي وحدة الأمم بالدعوة إلى السلام والوحدة. و ينهون الناس عن  إظهار عيوب الناس والعداوة لهم. أو كشف حال الناس في معتقداتهم ومذاهبهم وما هو مخفي لديهم من خصوصيات شخصية أو فئوية أو عرقية بحيث تؤدي الى الفتنة . ولاشك نحن  اليوم في أمس الحاجة إلى نبذ الخلافات والتعصب التي أوجدتها بعض الأنظمة واثمرت  زراعتها في بعض  النفوس الضعيفة والأفكار المسمومة والهدامة للمجتمع.. وشهدنا ماألم بالوطن من أحداث الطائفية والتجهير والذبح على الهوية مابعد السقوط وكان الخاسر الأكبر هو المواطن، أذ لعبت تلك الأفكار في بعض العقول الغير نيّرة؛بعد أن روج لها بعض الأحزاب التي دخلت المعترك السياسي. فلولا الأنضمام الكبير تحت لواء القيم الأسلامية  ومدرسة أهل البيت؛ لأصبحنا  اليوم في حرب أهلية طاحنة تتمناها الأبواق الناعقة التي لاتتوانى في نعيقها بين فترة وآخرى..متى مأبتغت مصالح الأحزاب السياسية الدينوية. 
فيجب عدم التمسك بنظام عقائدي يجعل من الخوف والصراع والأختلاف  والتعاسة من أولى الأولويات. فأغلب التعساء هم الذين لايستطيع  السيطرة على غضبهم ويجدون التسامح مهمة شاقة على أنفسهم..
ويعيشون صراع مع عزة  النفس، وعالقين لسنين طوال مع الألم وفراق الأحبة لالشيء الا كل خَصم  ينتظر الآخر في المبادرة بالصلح.
  كن واثقا من أن هدفك الوحيد هو راحة البال وليس تغيير أو معاقبة الشخص الآخر . . وقد تكون مبادرة الصلح منك تغير ذلك الأنسان الجاحد فلا تندم على المبادرة.
وأن صفحُك عن الشخص  الآخر إنما تُسامح نفسك.وتحررها من قيود اللوم والألم.
فهناك أمران لابد أن تختار أحدهما  أما..تستمع إلى نداء صوت الحب، أو صوت الأنا العصبية. وأن أخترت  الأخير الذي ينبع من الخوف والتزمت؛ ستبقى في حالة صراع مع النفس وستفقد الطمأنينة فالتسامح يحررنا من آلام الماضي.. وبما أننا في سياق التسامح في الإسلام، يجب نبذ الكراهية والخلاف وأظهار عظمة هذا الدين العظيم وأثره في المجتمع.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146005
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 3