• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : من أدب فتوى الدفاع المقدس.. الكتابة على حيطان الصد .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

من أدب فتوى الدفاع المقدس.. الكتابة على حيطان الصد

 يخيل اليّ أحياناً بأن تلك الأحداث التي عشتها في قرية جبة الواقعة شرق حديثة كنت احملها شعلة من شعلات الحزن والمرارة والألم، قرية صغيرة لم يمر بحياتي اسمها او شكلها، صارت تحتل ذاكرتي بكل ما فيها من حياة.
يؤرقني أحياناً الرصاص الذي يملأ رأسي وتؤرقني استغاثة أهلها وجلبة اطفالها عندما تتخاصر البيوت تحت مطرقة الرمي العشوائي، وانظر امامي نحو ضفة الحلم، فأرى مقاتلي الحشد الشعبي وهم يحملون صرر ذكرياتهم، وذكريات الأهل والأحباب ومشاعر الرجولة المجبولة بحب هذا الوطن من شماله الى جنوبه، وإصرارهم على التعايش مع المواقف الصعبة.
كنا بكل هدوء نتفقد أسلحتنا وحقائب الرصاص ومطارات الماء، ونتدارس احتمالات أي هجوم ما دمنا محاصرين من الجهات الأربع، كنت أعتقد أن الماضي في لحظات الخطر يتقدم الذاكرة، لكني اكتشفت أن المقاتل لا يملك سوى لحظته اثناء القتال، لا يفكر إلا في كيفية مقاومة هذا الموت المتوثب امامه، وهو يحمل الحياة نبراساً للآخرين، يعانق آهات الناس ومصائرهم، وخاصة بعدما حاصر الدواعش قاعدة عين الأسد، وصار الموت قاب قوسين أو ادنى، ولا أهمية للخوف.
كان محسن حمادي يبتسم لنا وهو يقول: انا اولكم، قد لا يدرك احد مفهوم السبق في هذه المساحة المعبأة بالموت، وحين اسقطته الرصاصة أرضاً، أدركنا معنى أولكم.
أسأل نفسي: هل الموت هو اصعب المواقف هنا؟ في هذه البقعة المنفتحة على النار من اربع جهات، لا تدعنا نفكر بلحظة الموت، بقدر التفكير بأهل هذه القرية التي سيهلك أهلها، لهذا أقول: كانت هناك مساحة واسعة للقلق، اكبر من قلق الموت والحياة، وخاصة بعد استشهاد محسن حمادي، صرنا نندفع للمواجهة بكل تحدٍ وصمود أذهل البغاة.
المسألة ليست مجرد كلمات، هذا دمعي هو الشاهد على حزن صديقي مشتاق، فقد وردت الأخبار أن والدته في المستشفى وقد أصابها السرطان، وهو يصيح بحزن:ـ السرطان مرة واحدة يا علي؟ من أين لهذه المسكينة أمي كل هذه القوة التي تقاوم بها السرطان.
إذن، علينا ان نفك الحصار مهما كان قوياً، رغم أني أعرف ان هذا الأمر غير ممكن، لكن عليّ فقط أن أجاريه، أشد من عزمه:ـ نعم، لابد أن تذهب اليها فهي ستفرح كثيرا عندما تراك، انسان بين جنبيه وطن، وأم هنا وطن يحاصره العتاة، وهناك السرطان اللعين يحاصر جسد امه الصابرة، وكلا الحصارين مؤلم وخطير، عندما يعيش الانسان مرحلة اليقين الروحي، سيكون اصلب مما يتصور العقل البشري.
يحدثني عن امه حديث طويل لا افهم منه شيئاً؛ بسبب غصة الشجن وتراكم الدمع، ولا املك سوى ان أقول له: نعم، ويبدو اني تعلمت أشياء كثيرة في الجبهة، كيف لإنسان يهده الحزن فيضعف، وتحسه خائر القوى تماماً، وفجأة ينهض للهجوم بوثبة اسد، استضفته اليوم في بيته، وأنا اقرأ له قصاصات القلب التي دونتها هناك، وفيها مأساتنا، ولأقر عينيه بشفاء الوالدة، وأقرأ قصاصتي، ابتسم حينها وقال: تعال اذن، أنا أيضاً سأقرأ لك ما كتبت على حيطان الصد.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146544
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29