إنّ لكل من الرجل والمرأة خصائص بدنية ونفسية مختلفة عن خصائص الآخر ليقوم بدور ملائم له في الحياة، مضافاً إلى العناصر المشتركة والأدوار المتماثلة التي أنيطت بكل منهما على نحو ما أنيط بالآخر.
إنّ هذا الاختلاف في جوهره ليس لصالح تفضيل الرجل على المرأة ولا العكس، بل لصالح إحلال كلٍّ في محله المناسب مع خلقته، وإناطة الدور الملائم لهما.
ومن هذا المنطلق اشتمل التشريع الإسلامي على وظائف للجنسين مشتركة ومتماثلة وأخرى مختصة بأحد الجنسين دون الآخر انسجاماً مع المقتضيات الحكيمة والعادلة.
ومن الخطأ الكبير والمجافي للوجدان الإنساني إثبات دور مماثل تماماً للجنسين في هذه الحياة بعنوان المساواة وإلغاء الفوارق الفطرية بينهما التي اقتضت إناطة أدوار متفاوتة بهما فيها.
فالمساواة في المنظور الفطري القيمي والحكيم لا تعني التسوية الرياضية والهندسية ـ كما أن واحداً يساوي واحداً ـ بل روح المساواة تعني إحلال كلٍّ محله المناسب دون جفاء وتعسف، فإذا عينت نخبة من المتخصصين وأنيطت مهمات مختلفة لأعضائها حسب اختلاف تخصصهم لم يكن من الصحيح اعتبار ذلك تبعيضاً وتفضيلاً لبعضهم على الآخر، بل كان تسويةً بينهم ولكن مع مراعاة خصائص أفرادها على وجه ملائم.
إنّ هذه الرؤية لثنائية الرجل والمرأة وتكاملهما في الحياة لهي رؤية فطرية ووجدانية تؤكدها ثوابت النصوص الدينية إذا استبعدت العناوين الخطابية والأعراف الخاطئة والنصوص المتشابهة أو غير الموثوقة والتي تنحو طوراً إلى التفريط في هذا الأمر وأخرى إلى الإفراط فيه.
فمن التفريط في ذلك انتقاص المرأة وظلمها وسلب حقوقها والتعسف في استخدام دور الرجل في التعامل معها.
ومن الإفراط فيه تنكّر الخصائص الرائعة المميزة لكل من الذكر والأنثى بعنوان المساواة أو بطرح مشاكسات علمية تسند جميع فوارق الذكر والأنثى غير الجانب العضوي البحت إلى البيئة والتربية، وكم ابتُلي العلم بمشاكسات أدت إلى مجابهة بعض الثوابت الوجدانية كالنظرة التي تتنكر للقيم الأخلاقية وتقول إن الإنسان أناني بفطرته، والقيم الإنسانية عناوين خادعة هي من صناعة الإنسان، والنظرة الأخرى التي تنكر الإرادة الحرة وتقول إن الإنسان مسوق قهراً إلى سلوكياته وأفعاله، ولا خيار له في الانفلات منها.
رسالة المرأة في الحياة ، ص٢٧
آية الله السيد محمد باقر السيستاني
|