يقيناً أن رسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) تمثّل محور الرسالات السماوية، وخلاصة خلافة الإنسان على الأرض، أما الرسالات الأخرى وما جاء به الأنبياء والرسل من آدم وصولاً إلى عيسى المسيح (عليهم السلام) هي أشبه بالكواكب السيّارة الدائرة حول مركز كون الهداية والتوحيد المتمثّل بمحمد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام) والدالّة على نبوّته وشرافة رسالته، بل ونجد ذلك فعلياً في حديث النبي (صلى الله عليه وآله): "النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي"، وأي أمان أجل وأعظم من أن يكون الإنسان عبداً صالحاً من عباد الله تعالى ويعيش في أمنٍ وسلام من وساوس النفس وغواية الشياطين.
وهنا وبعد هذه المقدمة المقتضبة أقف عند حقيقة إلهية تتمثل بأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) يمثّل إنسان ما قبل خطيئة آدم، وكذلك يتبعه أهل بيته (عليهم السلام) خزائن أسراره ونبوته، ومن بعدهم العلماء الربّانيون ورثة علومهم، ومن ثم المؤمنون من أمّة خاتم الأنبياء والمرسلين، إذْ نجد في النبي الأكرم (عليه أفضل الصلاة والسلام) خلاصة الكمالات الإلهية التي لم يصل إليها أحد غيره، وكذلك كما قلنا لأهل بيته وهُم روحهُ المباركة، ثم يضعنا الحديث القدسي أمام حقيقة إلهية عظيمة "عبدي أطعني تكنْ مثلي.. تقولُ للشيء كُن فيكون"، ولذلك فمحمد وآله هم مثل الله وسر توحيده، بل وهمْ سبب خلق هذا الكون العظيم، وبهم عُرف الله (سبحانه وتعالى) خير معرفةٍ، وهم (عليهم أفضل الصلاة والسلام) من علّموا الملائكة التسبيح، بحسب الحديث المروي عن جبرائيل (عليه السلام)، عندما كان الأشباح الخمسة يسبحون عند ساق العرش وهم أصحاب الكساء (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين)، الذين كانوا يعلّمون الملائكة التسبيح باسم الله الأعظم، حتّى أن جبرائيل (عليه السلام) يصف الإمام علياً (عليه السلام) بالمعلّم الذي كان يعلّمه في عالم الأرواح.. قبل أن يُخلق آدمَ (عليه السلام).
وبالعودة لآدم ما قبل الخطيئة، فهو متمثل أكيداً بمحمد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وكان سجود الملائكة لآدم (عليه السلام) كرامة لآدم (المحمّدي العلوي الفاطمي الحسني الحسيني)، أما وقد وقع آدم وزوجه بالخطيئة بوسوسة من إبليس اللعين فهي نزعة النفس الأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، ولولا أن توسّلا بمحمّد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لما قُبلتْ توبتهما، وليكون الدرس الأوّل لنا بأنْ نتقرّب نحن البشر الخطّاؤون (أدميو ما بعد الخطيئة) إلى الله (سبحانه وتعالى) بمحمد وآله، وكلّما أطعنا كلامهم واتبعنا منهجهم، سنعود تدريجياً لآدم ما قبل الخطيئة، وهي حالة الكمال الإلهي الذي تتحرر فيه الروح الربانية من وطأة الجسد المادي الثقيل، ولعمري لو أنّ أحدنا وصل لبعض من كمال محمد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام) لمشى على الماء أو طار في الهواء ولجرت على يديه الكرامات والمعجزات، لأنّ الخطيئة الآدمية هي المانع الأساس في أن يكون الإنسان مثلاً لله تعالى.. فيقول للشيء كنْ فيكون، وسيعود بنا حبيبنا وإمامنا المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلى آدم ما قبل الخطيئة عند ظهوره المبارك، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجورا، إلا أنّ ذلك طبعاً يسبقه تمسّكنا بأهل البيت (عليهم السلام) وبكلام علمائنا الأعلام من أرباب الحوزة العلمية الشريفة، حتّى تتوفر الأرض الخصبة التي يجري فيها نهر الكمالات غاسلاً درن قلوبنا، ولتكون واعية ومدركة لظهوره المبارك، وحين تكون القلوب على بصيرة ووعي وإيمان كامل، ستعرفه وتتشرف به ولا يُشبّه لها بآخرين يدّعونه، أما من تقع رجله في الزلل ويتبّع أهواء المدّعين الآفاكين، فهذا معناه تمكّن الخطيئة من نفوسهم، أما المنتظرون الحقيقيون لطلعة إمامهم، فهمْ من سيدركون الحقيقة الكُبرى وينزعون كل الأغلال الشيطانية ليعودوا إلى آدم ما قبل الخطيئة.
أختم حديثي هذا، وأنا أعيش في غمرة فرح الانتظار لمجيء السيّد المختار من آل محمدٍ الأطهار، آملاً أن أكون من جنوده ومن المستشهدين بين يديه، ليحقّ النصر المظفّر على إبليس وأعوانه الظلمة، ولنكون بحقٍ آدميّ السماء.. بشفاعة من محمدٍ وآله (صلى الله عليه وآله).. وآخر دعوانا أن الحمد لله تعالى وصلى الله على محمد وآله.
|