• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هيجان الفضاء السيبراني والدموع الحقيقية .

هيجان الفضاء السيبراني والدموع الحقيقية

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين

على الرغم من كل المخاوف التي ظهرت قبل المحرم الحرام، يمكننا القول الآن وبعد أن أمضينا أيام عاشوراء، بأن كلمة “الحسين” لم تشهد من قبل مثل هذا الاهتمام والتمجيد في جميع أنحاء العالم، والأمر نفسه يصدق على تصاعد الاهتمام بالجوانب الإلهية، والروحية، والأخلاقية، والإنسانية، والسياسية، والاجتماعية لحركة الإمام الحسين الإصلاحية.

تتمتع كل لحظة من لحظات ملحمة عاشوراء، كما الأحداث التي سبقتها، ومن حيث عناصر الاتصال، بشمولية وقوة إعلامية، وديمومة لا مثيل لها، من شأنها أن تترك تأثيرها في كل ضمير بشري إذا ما اقترب منها اقترابًا معرفيًا.

إن رسالة عاشوراء صُمّمت وقُدمت بشكل مذهل ودقيق وشامل من حيث الصورة الفنية والأخلاقية والإنسانية والعاطفية والفكرية والروحية، فباتت إمكانية التفسيرات المقلوبة والمتعددة لها، ضئيلة جدًا، فمن الصعب أن يتمّ فهم الإمام الحسين ونهضته المباركة بطريقة غير ما كانت عليه بالفعل، فحتى لو تعرضت القضية لعواصف من التشويه، فهي سرعان ما تفضح التشويهات والمشوهين.

ومن هنا يمكن تفهم تلك المخاوف التي ظهرت قبل المحرم حول إمكانية إقامة الشعائر الحسينية من عدمها، لكن كان من الواضح إن التغيير في شكل الشعائر لم يكن من شأنه أن يؤثر سلبًا في الاهتمام بها أو أن يحصر نطاق التواصل مع رسالة الإمام الحسين الخالدة؛ تلك الرسالة التي بقيت صامدة فاعلة رغم كل محاولات أعداء أهل البيت عليهم السلام المستمرة منذ حوالي 1381 سنة لدفنها في صحراء كربلاء. واليوم لم يكن لانتشار فيروس أن يؤدي إلى تهميش هذه الرسالة، لأن طبيعة رسالة كربلاء ليست من جنس الرسائل المادية المعرضة للنسيان، وإنما هي أساسًا من طينة الرسائل السماوية الخالدة، من الله وإلى الله، ففي كل مرة يتم قراءتها يجد فيها المرء فحوى وجاذبية جديدة فتوقظه وتبدّل حاله، لكن شرط أن تُقرأ وترُوى بالشكل السليم.

لذلك لم تُترك قط الشعائر الحسينية وإعادة قراءة رسالة عاشوراء، بوصفها مبدأ خالدًا، وإنما شهدت تحولًا من حيث الحيز المكاني. فإذا كان التركيز الأساسي، في الماضي، على الحداد الجماعي، تركزت الشعائر هذه السنة على ما يمكن أن نطلق عليه حيزًا أقل مساحة (البيت) أو الفضاء المفتوح؛ كما ركزت، إعلاميًا، على التلفاز والفضاء السيبراني. كل ذلك بسبب ما فرضته جائحة كورونا من ظروف طارئة وتوجيهات مراجع التقليد وكذلك القادة السياسيين والفكريين حول ضرورة إتباع الإرشادات الصحية.  كل هذا جعلنا نفقد بعض الأشياء التي تعودنا عليها سابقًا، لكن وبالوقت نفسه، خلق العديد من النقاط الإيجابية الجديدة.

اكتسبت الحسينيات، عبر برامجها الحضورية القليلة، نظمًا مثاليًا حمل عدة جوانب تعليمية، كما أنها قدمت برامج عالية الجودة في الفضاء الإلكتروني، عبر تحسين قدراتها والتزامها بالجانب التنظيمي. أما القنوات الفضائية والأرضية، فقد بذلت قصارى جهودها. كما اتسعت برامج العزاء المنزلية بشكل كبير وحققت بالفعل شعار “كل بيت حسينية” مما أتاح لكثير من العائلات، عبر تجمعاتها الصغيرة ولكن الهادفة، فرصة إحياء الشعائر الحسينية والتعمق في التعاليم الحسينية.

لكن الحركة والهيجان الأكبر لهذه العام رأيناه في مختلف وسائل الإعلام عبر الإنترنت. فهي اتخذت، أكثر من أي وقت مضى، الطابع العاشورائي، فخلقت موجات فاعلة وقوية. لقد كون ما في الفضاء الإلكتروني من قدرات مذهلة، شبكة كبيرة وعالمية من أتباع ومحبي النهضة الحسينية، وقد نجحت هذه الشبكة، عبر الإنتاج وإعادة النشر، في تحقيق شعار “كل شيعي رسالة”، فملأت، وإلى حد كبير، فجوة غياب البرامج الحضورية، كما أنها ساهمت في تطويرها كمًا ونوعًا.

عالميًا، تكرّر استخدام اسم الإمام الحسين في مختلف وسائل الإعلام أكثر من أي وقت مضى. كما شدّت المواقع الإخبارية والمعرفية مئزرها، ذلك إلى جانب ظهور العديد من المواقع الجديدة فضلا عن قيام الملايين من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بإحياء اسم الإمام الحسين وذكراه، كما تم خلق عدة مواقع عائلية أو مجموعات وقنوات جماهيرية من أجل إحياء شعيرة العزاء الحسيني ونقل الرسائل الحسينية؛ أما النقطة الأكثر أهمية فتمثلت في التركيز والاهتمام الكبير بتعاليم النهضة الحسينية وسيما بأبعادها الأخلاقية والإنسانية والعابرة للأديان.

لقد تحول العديد من فئات الناس من مستهلكين للرسائل والإنتاج الإعلامي إلى منتجين ومشاركين لها وذلك بفضل إمكانية إنتاجها وتكرارها بشكل سهل، كما تحول المتلقي الإعلامي من استخدام المنصات أحادية الاتجاه إلى المنصات متعددة الاتجاه، مما أتاح الفرصة لمقارنة وموازنة التحليلات والتفسيرات، كما النصوص، وحتى اللطميات، فلم يعد من السهل، فرض أي إنتاج ضعيف أو رديء أو حتى قراءة مزيفة، على المتلقي عبر المنصات أحادية الجانب، بل باتت إمكانية التقييم والنقد الحر وتوظيف أفضل الإنتاجات البرامج متوفرة.

لم يشعر أحد بأنه مضطر لمشاهدة برنامج محدد دون غيره، فإذا لم يكن راضيًا عن جودة البرنامج، كان بإمكانه أن يستبدله على الفور ببرنامج أفضل. وبالفعل تم رصد هذا الأمر في مختلف المناطق الجغرافية التي تحتضن الشيعة مثل إيران والعراق وأذربيجان وتركيا وباكستان وأفغانستان ولبنان والكويت وحتى في أوروبا وفي أمريكا.

لقد خرج هذه السنة من “عسرة” كورونا، ما يمكن أن نطلق عليه “يسرى”، فظهر وبفضل ما في النهضة الحسينية من قدرات مذهلة، حراك تراسل قاده الشبان الشيعة على الصعيد العالمي، مبشرًا محبي مدرسة الإمام الحسين العالمية، بوجود أساس رصين وبنية واسعة تتميز بالجودة والأمل.

الحسين كلمة نقية وعطية وأمانة إلهية، فهي الحبل المتين الذي إن عرفنا قدره وتمسكنا به ونقلنا رسالته بشكل سليم، سنكون قد ضمننا خلودنا وخلاص البشرية. وبإمكان الشيعة، لو أرادوا فعلًا، مخاطبة العالم عبر اسم الحسين عليه السلام، فما تحمله حركة الإمام الحسين وهذه الفلسفة وهذا المسار وهذه الكلمة التوحيدية من جوانب بشرية عابرة للأديان، ليست أقل من جوانبها الدينية.

وفيما نأمل أن تعود برامج العزاء التقليدية التي لا نشك في أهميتها وضرورتها، وذلك بعد تراجع انتشار جائحة كورونا، نؤكد على ضرورة الاستفادة الكاملة مما حققناه هذه السنة من تعاليم وفوائد وتجارب، كما لا بد أن نأخذ على محمل الجد ما للفضاء الإلكتروني من تأثير في التنوع والتعدد على برامج الحسينيات، والبيوت والفضائيات. ودعونا نعتقد أن دموع حقيقة لا حصر لها ذرفت في حب الحسين وإحياء ذكره بفضل مواكب وبرامج ورسائل الفضاء الإلكتروني، كما انتقلت رسالة الهوية والكرامة الإنسانية بسرعة غير مسبوقة.

كما يجب أن نقبل بأن الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يلعبا دورًا مكملًا خالقًا للتوازن والفرص، والأهم من ذلك، هو إمكانية مساهمتهما بشكل حيوي، في تكوين لغة عالمية ودولية لأتباع كلمة الحسين عليه السلام.

ففي مثل هذه البيئة والأجواء يمكن رفع راية الحسينيات العالمية العابرة للحدود، ليس فقط بين الشيعة، وإنما بين من يحب الحسين عليه السلام مهما كانت جنسيته وعقيدته. كما تجد الفكرة العالمية لأتباع الحسين ومدرسة أهل البيت عليهم السلام، أبعادها الدلالية والحقيقية، فتتكوّن بذلك شبكة عالمية. وبفضل هذا الفضاء المكمِّل، شهدنا في شهر المحرم من هذا العام، إعلاء كلمة الحسين في جميع أنحاء العالم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=147863
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19