في البِدايَةِ ، أُباركُ للمسلمينَ جميعاً ، بل للبشريةِ كُلِّها ، مولدَ مَنْ بُعِثَ لَها كافَةً بشيراً ونَذيراً ، أُباركُ لهم مولدَ مَنْ بُعِثَ رحمةً للعالَمينَ. يأتي المولِدُ النَّبَوِّيُّ المُبارَكُ في وَقتٍ تَتَصاعدُ فيهِ الهَجمَةُ والاساءةُ من قِبَلِ الحاقدين ، ويَهْجُرُ الاحتفالَ بمَولِدِهِ بَعضُ المنتمين لامته العاقّينَ الجافينَ . وكُلُّ هذا لايضرهُ ؛ لان الله كفاه شرورهم :(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ). الحجر: الاية: (95).
لاأَدري هَلْ وُفقتُ في اختيار العنوان ووصف ثورةِ الرسول(ص) السلميّةِ المباركةِ ، وحركتِهِ التغييريَّةِ بأَنّها ثورةٌ زَيتونيّة ؛ على اعتبارِ أَنَّ الزيتونَ يرمُزُ للّونِ الاخضرِ الذي يدُلُّ على الّسلميّةِ وهجر العُنفِ .
نقرأ لكُتّابٍ كثيرينَ من دعاة السلمِ وَنبذِ العُنفِ يتحدثونَ عن غصن الزَّيتونِ ، ورأَيْنا ساسةً لَوَّحُوا بِغُصنِِ الزَّيتونِِ من على منابرِ الاممِ المتحدة كتعبيرٍ عن السّلامِ .
الثَّوراتُ المشهورةُ في العالَمِ رُغمَ مارفعتُهُ من شعارات الأُخُّوَّةِ والسلام والمساواة ، ولكنها تحولت بعدَ ذلك الى مجازرَ ومَذابحَ دمويةٍ وبدأت الثورةُ تأكُلُ ابناءها . وذبح وقتل الالاف من النساء والاطفال والرجال في مشهدٍ دَمَويٍّ اجراميٍّ . هذا هو حال الثورة الفرنسية التي رفعت شعارات الاخوة ، المساواة ، الحرية . واليوم ساسةُ فرنسا يَصمون الاسلامَ بأَنَّهُ دينٌ مأزومٌ.
والثورة البلشفية التي نادت بتحرير الطبقة البروليتارية ، تحولت الى مجازر واعدامات وتهجير ونفي ، حيث رحل ستالين بعد الحرب العالَمِيَّةِ الثانيّة مليون ونصف المليون سوفياتي الى سيبيريا وجمهوريات اسيا الوسطى. وكانت ضحايا الاعدامات والابعادات والمجاعات على يد ستالين قدرت بين (8-20) مليون قتيلاً .
هذه الثورات كانت ثورات دموية قتل فيها المدنيون ، وانتهكت فيها الحرمات ، ولم تكن ابداً ثوراتٍ خضراء سلميّة تحمل الى العالم اغصان الزيتون.
على خلاف هذه الثورات التي شهدها العالم ، قام النبيُّ (ص) ، بثورة تغييرية قلبت الواقعَ الجاهليَّ رأساً على عقب ، واحدثت انقلاباً في المفاهيم دون اللجوء الى السلاح ، واراقة الدماء اما حروب النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم التي كانت في اغلبها حروباً دفاعيّة ، فقد بلغ عدد القتلى في كل حروب النبي وغزواته ومن الطرفين المسلمين واعدائهم مايقارب الالف قتيل .
لم تعرف حروب النبي (ص) حروب الابادة وقتل المدنيين وتدمير المدن ، بل حافظ النبيُّ(ص) في حروبه عَلى ارواحِ المدنيين والحفاظ على العمران ومعالم الحياة .
رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم ، ارسلهُ الله هادياً ومبشراً ونذيراً ورحمةً للعالمين ، ولم يكن يحكم الناسَ بعقليّةِ الامبراطور ، يقول اللهُ تعالى واصفاً نبيَّهُ :
(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ). التوبة: الاية:(128).
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). الجمعة: الاية: (2).
هذا هو رسولُنا الكريمُ اختارهُ اللهُ واصطفاهُ ، وكفاهُ المستهزئينَ ، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين ، جاء الى عالَمِنا بثورة تغييرية زيتونيّةٍ كبرى حملت السلام والحب الى البشرية ، ولم تكن كثورات البشر الدموية التي سحقت وقتلت وذبحت الناس .
|