• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : لآداب الحديث حضور .
                          • الكاتب : سوسن عبدالله .

لآداب الحديث حضور

 آداب التفاهم بين الناس حاجة اجتماعية مستمرة، وتنوع تلك الاحتياجات الغرضية، تفرض علينا حسن التعامل الذي يرتقي الى مشاعر انسانية واعية، فترى الانسان يعتز بعلاقاته مع الآخرين عبر وسائل التواصل الانساني، ومنها الكلام الذي هو الطريق لمعظم النشاطات التي يؤديها المرء، لذا فإنه لا عجب أن توليه الشريعة عناية فائقة في أحكامها وآدابها.

ومن مكونات اللفظة الإنسانية ان تحمل في جوهرها التهذيب بما يمتلك من تأثير حيوي فاعل يعمل بالمنطق الدلالي الذي هو عبارة عن أفكار تستند على تعدد التأويل وطريقة عرض الموضوع شفاهيا، ليرمم العملية التوصيلية أي (النبرة الصوتية) التي تسعى لخلق قوة تأثير، وقوة التأثير لا تكون إلا من خلال القوة العقلانية التي يحملها الانسان مع قوة التخييل التي تساند وتدعم المنطق القصدي الدلالي.

والتأثير يستند على قوة الموائمة بين المتحدث والمخاطب، فلكل مستوى اجتماعي له خطابه الخاص به والذي يفهمه، أي لكل شريحة مفهومها الخطابي الخاص بها، وتوصيل هذا الانطباع بطريقته المفهومة.

البعض يعتقد أن الكلام مجرد لفظ ومعنى، بينما الدلالة تدل على اكثر من معنى أحيانا، والكلام سمة إنسانية ينفرد فيها عن المخلوقات، وكان المجتمع العربي من المجتمعات الكلامية والبلاغية المتفردة بين الأمم، بها يتم التعبير عن الذات والمجتمع وعمل تواصلي ينقل الانطباعات الإنسانية التوصيلية سلبا او إيجابا هذا ما نقصده باللغة المباشرة، وليست اللغة الإبداعية التي تدون الدلالات وتعددية التأويل، مثل قول الله تعالى: ((يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ))، وتعني مقدرة الله تعالى، ولا يمكن ان تفسر باليد.

ومن هذا القبيل الدلالي كثير في القرآن الكريم مثل: ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا)) ويقصد دين الله، و((عذاب غليظ)) تعني الشدة.

وهناك الكثير من الدلالات في لغتنا اليومية، والانسان في اللغة التعبيرية يعرف دواخله بلغة مفهومة، تحمل مكنونه المعرفي، الذي يكشف عن قيمته الفكرية والتربوية، ومن ضمن النهج التربوي السليم ان يتكلم الانسان مع الطفل؛ لكي يكون له قدرة كلامية وتزرع الثقة في نفسه، عندما نستمع له ونتحاور بالأسلوب الذي يفهمه وخاصة عندما يكون هذا التحاور من قبل الأم او من قبل الأب، او بمعنى آخر ان نستنطقه ليعبر عن ما في داخله، ولنؤهله الى انسانيته.

وهذه المحاولات ستكسبه الثقة بالنفس، ونهيء له ارتياحا نفسيا، وهذا الارتياح نفسه يكون محفزا له للتعبير عن مشاعره، ولذا نرى بعض الأطفال المحرومين من التفاهم العائلي او التحاور معه واهمال مشاعره دون ان يفصح عنها سيجعله الكبت اقرب الى الانفعال الدائمي، والذي يجعله ملغوما لا تعرف متى يثور.

ولابد للإنسان من البوح الذي يطيب الخاطر ويؤجج الفرحة في دواخله، وبعدما تبدأ المرحلة التهذيبية التي تتجلى في قيمة النموذج القيادي (الأم – الأب) القدوة التي ستقود زمام اموره وتوجهه ضمن المسار المثقف الذي يكون من بعض معالمه اختيار الكلمات المناسبة وتعليمه احترام مشاعر الاخرين، وهذا التحفيز سيبعد عن الأولاد الانطوائية والانعزالية والعدوانية والبحث عن مضامين إيجابية نحثه نحن عليها.

من الممكن أن نعمل لصناعة الذاكرة عند الطفل مع الارتقاء بمستوى منطوقه وتفكيره فلابد من اصطحابه في زيارة مراقد الائمة (عليهم السلام) ومعرفة أسماء الائمة (عليهم سلام الله).

ومن الموروث التربوي السلبي ان نشجع الأبناء على الهدوء المبالغ فيه والصمت لحد البكم (الخرس)، فمحاورة الطفل عن دروسه وحياته اليومية في المدرسة ستشجعه على الكلام والبوح عن مدركاته ما يحب وما يكره، وهذه حاجة فطرية عند الانسان، وخاصة مع المتقاربات الفكرية.

ومثل هذه الحوارات تؤسس في عوالم الطفل الالفة وحب الناس، وروح التواصل وان يحمل الكلام مديات ثقافته وماهيات التربية، التي ستوصل الطفل الى الحالات التعويدية الإيجابية، وليس القصد تلك الحالات التلقينية التي قد تلغى تماما اثر مشاهد مخالفة من مشاهداته اليومية عن اهله فيضيع عبث ما لقن عليه.

الحالات التأثيرية التي يتأثر بها الطفل بسلوكية الأب أو الأم تلك التي ستقّوم أنشطة الطفل الى سلوكية قويمة، من الضروري تعليم الأطفال محاسن الحديث هذه الثقافة تكون محورية عندما يكون السلوك الإيجابي رديف هذا التعويد، او محاولة صناعة ذاكرة لإجادة النطق السليم من خلالها، وكذلك الاصغاء السليم، مثلاً تعويده على السلام، والزيارة ولفظ أسماء الأنبياء والاولياء وكلمات الشكر والتقدير، وهذا العمل سيرفع من مستواه النفسي، وخاصة عندما يتعلم الثناء الذي تصاغ منه المشاركة الوجدانية مع الأمور ذات الشأن الديني، ويتعلم منها عادات المجتمع، ولابد من تنقية ما يسمع لذهنية الطفل ان يكون المنع مبررا له الى ان نخلق حالة الاستهجان عند الطفل من الحالة السلبية التي تأثر بها آنيا دون ان يعرف معناها، ان نربط حالات الرفض بالله سبحانه تعالى بغضبه ورضاه، ومحاولة تعرية مصادر التأثير وعدم اثارة فضول الطفل الى محتوي المنقول والالحاح بالمنع يعطي دائما نتائج عكسية، وان نعلمه ثقافة التكلم، دون قمع او تأنيب او حتى حرمانه من بعض حقوقه خشية عليه قد تسبب بعض الازعاجات وخدوش في خاطره، وان تكون هناك مراقبة خفية غير معلنة؛ كي نبعده عن حالات التجاوز، وخلق حالة اقتداء سليمة، يمنع الطفل من الكذب واذا به يكتشف ان الاب يكذب مثلا ستنهار بالتأكيد جميع قناعاته وسيهدم لنا العملية التربوية برمتها والحافظ هو الله سبحانه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=149980
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 11 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28