ظلت سراب صديقة لأمل بالرغم من ابتعادهما عن مكان السكن، وبالرغم من الفارق الكبير في مستوى المعيشه، إلا أنها ظلت تحن لذكريات الصغر، إذ ترقبه دوماً في عيني أمل السوداويتين.
ولدت سراب من طبقة غنية مترفة، فوالدها العميد في الجيش يمنحها كل شيء، ووالدتها التي تدير بعض محال الاكسسوارات النسائية لا ترفض لها طلباً.
اما أمل الانسانة البسيطة ذات السحنة السمراء المحببة، فهي انسانه بسيطة من طبقة متوسطة، جل اهتمامها وغاية أملها رضا الله تعالى عنها ومن ثم والديها.
وبالرغم من كل تلك الفوارق، إلا انهن مازلن على عهد الصغر يغلب عليهن الشعور بالحنين، حتى اليوم وقد تجاوزن مرحلة الطفولة واشرفن على البلوغ، الا ان التناقض صار واضحا بين الاثنين، فسراب ترتدي ما يحلو لها دون ضوابط، بينما تتقيد أمل بالتكاليف الشرعية بعد تجاوزها سن التاسعة.
ذات يوم.. وفي لقاء في المدرسة جمع سراب مع أمل حديث بينهما كان منه:
سراب: ما هذا... لماذا تضعين هذا الشال على رأسك..؟ وكأنك بعثت من زمن قديم...؟
أمل بثقة: لقد فعلت ما امرني به ربي (عز وجل)، لقد بلغت سن التكليف صديقتي العزيزة...
سراب: سن التكليف... هل ستبقين هذه الخرقة معقودة على رأسك الى الابد؟
أمل: هذا بالنسبة لك.. اما عني فلا اجد اجمل من رضا ربي عني.
سراب: حسناً.. حسناً.. انتهينا، لقد اردت ان اقول لك بأن غدا هو عيد ميلادي العاشر فهل ستلبين الدعوة..؟
أمل: حقاً... انها مناسبة سعيدة، سأستأذن والدتي أولاً، وسآتي بإذن الله تعالى.
تفرقتا، حيث ذهبت سراب صوب بيتهم الفاخر، والفرحة تتطاير من عينيها، وقد هرعت اولا نحو خزانة ملابسها، وهالة من الحيرة تحط على وجهها في أي البدلات ترتدي بالحفل، بينما دخلت امل بيتهم الصغير، وقد تطاير الرضا والامل من مكامن روحها، حيث قبلت اولا رأس امها الحنون، ومن ثم هرعت لأداء نافلة الظهر.
وبعد ان استأذنت امل من والدتها، حثت الخطى نحو بيت سراب، وبينما راحت تفتش على صديقتها تعالى صوت سراب: أمل لقد وصلت اخيرا...
أمل: لقد وعدتك صديقتي.
سراب: انه يوم مميز، اشعر بأن الجميع يلاحقني بنظراتهم ابدو جميلة أليس كذلك..؟
أمل: انت جميلة، ولكنك ستبدين اجمل لو...؟
سراب: ارجوك أمل هذا ليس وقت النصائح، انظري.. هناك من ينظر الينا بإعجاب وتودد...
أمل: لا أكترث لتلك النظرات.
سراب: انظري الى ذلك الشاب كم يلاحقنا بعينيه العسليتين، ياه كم هو جميل ووسيم..!
أمل: احذري صديقتي لا تبادلينه النظرات، فالنظرة سهم من سهام ابليس اللعين.
سراب: يا للسخرية.. لماذا ترتدي ماجدة هذه الثياب الفضفاضة، تبدو كأنها متسولة، وما بال جارتنا فائزة ترتدي هذا اللون البراق، هه.. عجوز وتتصابى!!
امل: كفي لسانك وفمك عن الناس صديقتي.
فجأة.. تعالى صوت صخب الموسيقى وأطفئت الاضواء، وصفق الجميع مع وقع تلك الانغام، فلم تشعر امل كيف ابتعدت سراب عنها سريعا حيث توسطت القاعة، وراحت تحرك جسدها بخفة.
احست امل بالهوة الكبيرة بينها وبين صديقتها سراب، وسرعان ما غادرت الحفل بخطوات ثابتة، بعد ان قفزت الى ذاكرتها كلمات الامام السجاد(عليه السلام) في حق النفس حيث قال:
((أَمّا حَقّ نَفْسِك عَلَيْك، فَأَنْ تَسْتَوْفِيَهَا فِي طَاعَةِ اللّهِ، فَتُؤَدّيَ إِلَى لِسَانِك حَقّهُ، وَإِلَى سَمْعِك حَقّهُ، وَإِلَى بَصَرِك حَقّهُ، وَإِلَى يَدِك حَقّهَا، وَإِلَى رِجْلِك حَقّهَا، وَإِلَى بَطْنِك حَقّهُ، وَإِلَى فَرْجِك حَقّهُ، وَتَسْتَعِينَ بِاللّهِ عَلَى ذَلِك)).
|