والرحلة الى الله تعالى صعبة، وشاقّة وعسيرة، وعلى طريق ذات الشوكة. وذلك أنها بعكس جاذبية الهوى والأنا تماما. وكل رحلـة (داخل النفس) بخلاف الهوى والأنا شاقّة وعسيرة، إلا أنها رحلة شيّقة في نفس الوقت، ولا يحجب ما في هذه الرحلة من عناء وعذاب العبد السالك عمّا فيها من لذّات وبهجة.
وهذه الرحلة كلها معرفة. لأن الرحلة الى الله تعالى في كل منازلها معرفة. أولها معرفة الجبّار، وآخرها تفويض الأمر إليه، وهو أعلى مراحل المعرفة، وبين هذه البداية وتلك النهاية منازل ومراحل شتى مختلفة متفاوتة من المعرفة لا نستطيع أن نحصيها في هذه المقالة فضلا عن الشرح والبسط.
هذه الرحلة رحلة النور والبصيرة، وفي كل منزل من منازلها درجة من النور والمعرفة فوق المنزل الأول، ويتعاكس في منازل هذه الرحلة ظهوران إثنان: الظهور الإلهي في قلب العبد، وظهور (الأنا) و (الهوى) في نفسه وسلوكه. وكلما يتقدم العبد منزلا من منازل السلوك والسفر إلى الله تعالى، يزداد الظهور الأول قوة وظهورا في نفس العبد، ويختفي بقدره (الهوى) و (الأنا) والتّعلق بالدنيا في نفس العبد وسلوكه، حتى يختفي (الهوى) تماما في منزل التقوى ويختفي التعلّق بالدنيا عن أفق الناس تماما في منزل (الزهد).
ولكن يبقى (الأنا) و (الذات) تلاحق الانسان في هذه الرحلة حتى المنزل ما قبل الأخير.
وفي كل منزل يزداد الظهور الالهي قوة وظهورا في قلب العبد بالنسبة الى المنزل السابق عليه من منازل السلوك، وبمقداره يختفي الهوى حتى يختفي تماما، الا ما يكون منه مطاوعا لأمر الله تعالى ونهيه، ويختفي الأنا والذات ويضعف حتى يفنى (الأنـا) و (الذات) تماما في مرحلة (التفويض)، وهي المرحلة الأخيرة في هذه الرحلة.
وفي هذا المنزل يكون كل شيء، من نفس العبد وإرادته وحركته تحت تصرف الله تعالى … ويكون تعالى هو الحاكم المهيمن على قلب العبد وسلوكه وإرادته وعقله وحركته في هذه الرحلة
|